Top
Image Alt

حكم حذف جواب الشرط

  /  حكم حذف جواب الشرط

حكم حذف جواب الشرط

لا يحذف جواب الشرط حذفًا واجبًا أو جائزًا إلا إذا دل عليه دليل؛ فإن لم يدل عليه دليل امتنع حذفه باتفاق النحويين.

وأنواع حذف الجواب ثلاثة:

  1. واجب.
  2. وجائز.
  3. وممتنع.

أولًا: حذف جواب الشرط وجوبًا:

إذا توفرت ثلاثة شروط وجب حذف جواب الشرط، وهي:

1. أن يدل دليل على الجواب المحذوف.

2. أن يكون الدليل ما تقدم على الشرط مما هو جواب في المعنى، أو ما اكتنف الشرط مما هو جواب في المعنى، أو ما تأخر عن الشرط من جواب قسم عليه.

3. أن يكون فعل الشرط ماضيًا لفظًا أو معنًى، والمقصود بالماضي معنًى: المضارع المنفي بـ”لم”، وقد توفرت هذه الشروط الثلاثة في قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وقولِه تعالى: {وَإِنّآ إِن شَآءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: 70]، وقولِه تعالى: {لَئِن لّمْ تَنتَهِ لأرْجُمَنّكَ} [مريم: 46]؛ فالآية الأولى تقدم فيها الدليل على الشرط، والآية الثانية اكتنف الدليل فيها الشرط، أي: أحاط بها، والآية الثالثة تأخر فيها الدليل عن الشرط، وهو جواب قسم سابق عليه، والشرط فيها ماضٍ معنًى، وتقدير الجواب فيها: إن كنتم مؤمنين تعلو، وإنا إن شاء الله نهتدي، لئن لم تنتهِ أرجمْك.

وإنما شرط العلماء لحذف الجواب مُضِيَّ فعل الشرط ليكون على وجه لا تعمل فيه أدوات الشرط، وذلك متحقق في الماضي لفظًا، ومعنًى، ويحمل عليه الماضي في المعنى دون اللفظ.

ثانيًا: حذف جواب الشرط جوازًا:

يكون حذف الجواب جائزًا بشرطين:

الأول: أن يكون فعل الشرط ماضيًا لفظًا أو معنًى.

والثاني: أن يدل عليه دليل غير ما تقدم في الحذف الواجب.

ومن شواهد ذلك قوله تعالى: {فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} [الأنعام: 35]، وتقدير الجواب فيه: فافعلْ، ودليل الجواب هنا إشعار الشرط به؛ فإن الاستطاعة تشعر بالفعل.

ثالثًا: امتناع حذف الجواب:

يمتنع حذف جواب الشرط في حالتين:

الأولى: إذا لم يدل عليه دليل.

والثانية: إذا كان فعل الشرط غير ماضٍ لفظًا أو معنًى؛ فلا يجوز نحو: أنت ظالم إنْ تفعلْ، ولا نحو: أنت إنْ تفعلْ ظالمُ، وهذا مذهب الجمهور؛ ولهذا حُمِل على الضرورة الشرعية قول عبد الله بن عنمة الضبي:

ولديك إن هو يستزِدْك مزيدُ

*يثني عليك وأنت أهل ثنائه

وقد أجاز الكوفيون -إلا الفراء- حذف جواب الشرط إذا كان الفعل غير ماضٍ لفظًا أو معنًى، وعلى هذا يكون الحذف في البيت جائزًا، وليس محمولًا على الضرورة.

ويؤيد مذهبَ الكوفيين في هذا ما ورد في الفصيح من حذف جواب الشرط والفعل مضارع؛ كما في قولِه تعالى: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وقولِه تعالى: {وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} [فاطر: 4]، وقولِه تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ} [آل عمران: 140]، وقولِه تعالى: {وَمَن يَتّبِعْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21]، وقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].

فهذه الآيات ونحوُها حذف فيها الجواب، والمذكور سدَّ مسده وليس جوابًا؛ لأنه ليس مسببًا عن الشرط، وتقدير الجواب في هذه الآيات: إن تجهر بالقول؛ فاعلم أنه غني عن جهرك؛ وإن يكذبوك فتصبر، وإن يمسسكم قرحٌ فاصبروا، ومن يتبع خطوات الشيطان يفعل الفواحش والمنكرات، ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا يغلِب.

ومن الشواهد التي تؤيد مذهب الكوفيين أيضًا قول الكميت:

لئن تكُ قد ضاقتْ عليكم بيوتُكم

*لَيعلمُ ربي أن بيتي واسعُ

 

فقد حذف الجواب هنا مع أن فعل الشرط غير ماضٍ، وتقدير الجواب: فانتقلوا إلى بيتي، والجمهور يحملون هذا على الضرورة.

حذف الجواب عند اجتماع شرط وقسم:

يلخص ابن مالك الحكم في هذه المسألة في قوله:

جواب ما أخرت فهو ملتَزَمْ

*واحذفْ لدى اجتماع شرط وقسَمْ

فالشرطَ رجِّح مطلقًا بلا حذَرْ

*وإن تواليا وقبلُ ذو خبَرْ

شرطٌ بلا ذي خبرٍ مقدَّمِ

*وربما رُجِّحَ بعد قسمِ

 

قال المرادي: القسم كالشرط في احتياجه إلى جواب، إلا أن جوابه مؤكد باللام أو “إنَّ” أو منفي؛ فإذا اجتمع الشرط والقسم حذف جواب المتأخر منهما استغناء بجواب المتقدم، ثم قال: هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر؛ فإن تقدم عليهما جعل الجواب للشرط مطلقًا، وحذف جواب القسم تقدَّم أو تأخَّر، والمراد بذي الخبر: ما يطلب خبرًا من مبتدأ أو اسم كان ونحوه.

ويتضح من ذلك أن اجتماع الشرط والقسم له صورتان:

الصورة الأولى: أن يجتمعا ولم يتقدم عليهما ما يطلب خبرًا، والحكم في تلك الصورة: وجوب حذف جواب متأخر منهما استغناء عنه بجواب المتقدم لشدة الاعتناء بالمتقدم، مثال تقدم الشرط: إن جاء زيد واللهِ أكرمْه، وإن لم يزرْني والله فلن أزورَه، والجواب في المثالين للشرط؛ لكنه مجزوم في الأول، ومقرون بالفاء في الثاني، وقد حذف جواب القسم فيهما استغناء عنه بما ذكر من جواب الشرط.

ومثال تقدم القسم: والله إن زارني محمد لأكرمنَّه، والله إن لم يحضر زيد إن عمرًا ليحضر، والله إن يزرْني زيد ما يفرح عليٌّ، والجواب في الأمثلة الثلاثة للقسم، وقد صُدِّر في الأول باللام، وفي الثاني بـ”إنَّ”، وفي الثالث بـ”ما” النافية.

الصورة الثانية: أن يجتمعا وقد تقدم عليهما ما يطلب خبرًا؛ فيجعل الجواب حينئذ للشرط مطلقًا، أي: سواء تقدم على القسم أو تأخر عنه؛ فمثال تقدمه على القسم: محمدٌ إنْ يحضرْ -واللهِ- يكرمْك. إن محمدًا إن يحضرْ -واللهِ- يكرمْك، ومثال تأخره عن القسم: محمدٌ -واللهِ- إن يحضرْ يكرمْك، وإنَّ محمدًا -واللهِ- إن يحضرْ يكرمْك.

وهذا معنى قول ابن مالك: “فالشرط رجح مطلقًا” أي: رجح كفة الشرط، واجعل الجواب له عندما يتقدم ذو الخبر سواء أكان متقدمًا عن القسم أم متأخرًا عنه.

ما العلة في ذلك؟:

قال العلماء: وإنما جعل الجواب للشرط في تلك الحالة لكونه جزءًا من الخبر المطلوب، وحذفه يخل بمعنى جملة الشرط الواقعة خبرًا؛ بخلاف القسم فإن حذف جوابه لا يخل بشيء في الجملة؛ حيث إنه مسوق لمجرد التوكيد.

وقول ابن مالك: “رجِّح” يفيد جواز جعل الجواب للقسم المتقدم رجوعًا إلى الأصل المقرر في الصورة الأولى؛ فيصح أن يقال: محمد -واللهِ- إن حضر لأكرمنَّه، وإن محمدًا -واللهِ- إن لم يحضر لأعاتبنَّه، وإلى هذا ذهب ابن الناظم، وابن عصفور، وغيرهما، وذهب ابن مالك في (التسهيل)، و(الكافية) “إلى وجوب جعل الجواب للشرط إذا اجتمع مع القسم وتقدم عليهما ما يطلب خبرًا؛ للعلة التي ذكرناها؛ فلا يجوز عنده جعل الجواب للقسم”.

الخلاف حول الصورة الأولى لاجتماعهما:

تقدم أن الشرط والقسم إذا اجتمعا ولم يتقدم عليهما ما يطلب خبرًا؛ تكون العناية بالمتقدم منهما؛ فيجعل الجواب له وجوبًا، ويحذف جواب المتأخر استغناء عنه بجواب المتقدم، وهذا مذهب الجمهور، وقد خالفهم الفراء، وتبعه ابن مالك؛ فأجازا جعل الجواب للشرط مع كونه متأخر عن القسم، واستدل الفراء على ما ذهب إليه بقول الأعشى:

لئن مُنيت بنا عن غب معركة

*لا تُلفِنا عن دماءِ القوم ننفتِلُ

ولقول امرأة من بني عقيل:

 لئن كان ما حُدِّثتُه اليوم صادقًا

*أَصُمْ في نهار القيظِ للشمس باديا

فقد تقدم القسم على الشرط في البيتين لأن اللام في “لئن” موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لئن، وقد جعل الجواب فيهما للشرط مع كونه متأخرًا؛ فقوله: “لا تُلفِنا” جواب الشرط بدليل جزمه، وكذلك “أصُمْ” في البيت الثاني، والجمهور تأولوا البيتين على أن اللام في “لئن” زائدة، وليست موطئة للقسم؛ وهو تأويل غير مقبول؛ لأن القسم واضح في البيتين، وقيل: إن ترجيح الشرط هنا على القسم مع تأخره لضرورة الشعر؛ فلا ينافي قاعدة وجوب جعل الجواب للمتقدم.

حكم القسم المتأخر إذا اقترن بالفاء:

إذا اجتمع الشرط والقسم وتأخر القسم مقرونًا بالفاء؛ لم يكن في الكلام حذف ولا استغناء؛ فإذا قيل: إن تزُرْني؛ فوالله لأكرمنَّك؛ فهذا القول لا حذف فيه، وجملة: “لأكرمنَّك” جواب القسم، وجملة القسم وجوابه جواب الشرط.

وقد أجاز ابن السراج أن يستمر هذا الحكم مع عدم وجود الفاء على تقدير نيتها؛ ولهذا يجوز عنده نحو: إن تقُمْ لأزورنَّك، على تقدير: فوالله لأزورنك، وهذا لا يجوز على مذهب الجمهور؛ لأن هذه الفاء واقعة في جواب الشرط في تلك الحالة، ولا تحذف هذه الفاء إلا في ضرورة الشعر؛ فالصواب -على مذهب الجمهور-: أن يقال: إن تقمْ -واللهِ- أزرْكَ.

كيف نميز بين جواب الشرط وجواب القسم؟:

قد علم مما تقدم أن جواب الشرط إما أن يكون فعلًا مضارعًا مجزومًا أو فعلًا ماضيًا أو جملةً فعليةً أو اسميةً مقرونةً بالفاء أو بـ”إذا” الفجائية:

أما جواب القسم فله خمس صور:

الأولى: أن يكون جملة إنشائية وذلك في القسَم الاستعطافي الذي تؤكد به جملة طلبية؛ كما في قول الشاعر:

 بربك هل ضممتَ إليك ليلى

*قُبَيْلَ الصبح أو قبَّلتَ فاها

وقول الآخر:

 بعيشِك يا سلمى ارحمي ذا صبابةٍ

*أبى غير ما يرضيكِ في السرِّ والجهرِ 

الثانية: أن يكون جملة اسمية مثبتة مقرونة بـ”إنَّ”، واللام نحو: والله إنَّ محمدًا لناجح.

 الثالثة: أن يكون جملة فعلية مثبتة فعلها مضارع مؤكد باللام والنون، نحو: والله لأكرمنَّ زيدًّا، أو باللام وحدها؛ كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ} [الضحى: 5].

الرابعة: أن يكون جملة فعلية مثبتة فعلها ماضٍ مقرون بالواو وحدها، أو بـ”قد” وحدها، أو بهما معًا، نحو: والله لنجحَ زيد، ويمينًا لنعم الرجلُ زيدٌ، ونحو: والله قد نجح زيد، ونحو: والله لقد نجح زيد.

 الخامسة: أن يكون جملة اسمية، أو فعلية، منفية بـ”ما” أو “إنْ” أو “لا” نحو: والله ما زيد ناجح، والله ما نجح أحد، والله إنْ زيد ناجحًا، والله إنْ نجح زيد، والله لا أحد في الدار، والله لا يقوم زيد ولا عمرو… وهذه الصور الأربعة الأخيرة تكون في القسم غير الاستعطافي، وهو ما تؤكد به جملة خبرية.

حكم الشرط إذا دخل عليه استفهام:

تحدث عن ذلك سيبويه في (الكتاب)؛ فقال: “باب دخول همزة الاستفهام على أدوات الجزاء:

تقول: أئن تأتني آتِك؟! أمتى تشمتني أشتمك؟! أمن يقل ذلك أزُره؟! أدخلت الألف على كلام قد عمل بعضه في بعض فلم يغيره؛ وإنما الألف بمنزلة الواو، والفاء، و”لا”؛ أما يونس فيقول: أئن تأتني آتيك؟! وهذا قبيح، وقد وافق جمهور النحويين سيبويه في أنه لا أثر لدخول الاستفهام على الشرط؛ فيكون جواب الشرط مجزومًا كما كان قبل دخول الاستفهام، ولا يغير الكلام عما كان عليه قبل مجيء الاستفهام، ومذهب يونس يخالف الجمهور، ويجعل الجواب مرفوعًا؛ لأنه يكون جوابًا للاستفهام لتقدمه؛ قياسًا منه على مسألة تقدم القسم على الشرط؛ فيقول: أئن قام زيد تقوم؛ وتقدم في كلام سيبويه أن ذلك قبيح.

حكم الشرطين المتواليين:

إذا توالى شرطان بعدهما جواب واحد؛ فلذلك أربع صور:

الصورة الأولى: أن يكون ثانيهما مقرونًا بواو العطف، نحو: إن تزرْني وإن تحسن إلي أحسن إليك، وهذه الصورة يكون فيها الجواب للشرطين، ولا يقال: إن ذلك يلزم عليه اجتماع مؤثرين علي أثر واحد؛ لأن الشرطين في هذه الصورة في حكم المؤثر الواحد؛ لأن الواو للجمع.

الصورة الثانية: أن يكون ثانيهما مقرونًا بـ”أو” العاطفة نحو: إن حضر علي أو إن حضرة فاطمة؛ فأكرمه، ويجوز: فأكرمها؛ لأن الجواب في هذه الصورة يكون لأحد الشرطين؛ لكون “أو” أحد الشيئين؛ فيكون الجواب موافقًا لها، وإذا قلت: إن زارك علي أو إن زارك أخوه فأكرمه؛ صح أن يكون الجواب للشرط الأول؛ فيتعلق الأمر بالإكرام بعلي، وأن يكون للشرط الثاني فيتعلق الإكرام بأخيه.

الصورة الثالثة: أن يكون ثانيهما مقرونًا بالفاء، نحو: إن جئتَني؛ فإن سلمتَ عليَّ سلمتُ عليك، وإن اعتذرت لمَن أسأت إليه؛ فإن قبل اعتذارك؛ فقد أكرمك، وفي هذا الصورة تكون الفاء وما دخلت عليه جوابًا للشرط الأول؛ فيكون جوابه مكونًا من شرط وجواب.

الصورة الرابعة: أن يكون الشرط الثاني غير مقرونٍ بعاطف ولا بالفاء، نحو قول القائل: إن جاءني محمد إن ضحك؛ فلك ألف دينار، ومثله قول الشاعر:

إن تستغيثوا بنا إن تُذعَروا تجدوا

*منا معاقلَ عزٍّ زانَها كرم

والمعاقل -جمع معقل-: وهو الملجأ.

وهذه الصورة للنحويين فيها ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أن الجواب المذكور، وهو “فلك ألف دينار” في المثال، و”تجدوا” في البيت للشرط الأول، وهو: إن جاءني محمد، وإن تستغيثوا، وجواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول عليه، ذكر ذلك ابن مالك في (التسهيل)، وعليه يكون عليه الشرط الأول وجوابه متأخريْن عن الثاني تقديرًا، ووقوعًا؛ فمن قال لامرأته: إن أكلتِ إن شربتِ فأنت طالق؛ لا تطلق امرأته إلا إذا شربت ثم أكلت؛ لأن تقدير الكلام: إن شربتِ؛ فإن أكلتِ؛ فأنت طالق.

فالشرط الثاني في التقدير مقدم، والشرط الأول في التقدير مؤخر لكون الجواب له.

الرأي الثاني: أن الجواب المذكور للشرط الأول، والشرط الثاني مقيِّدٌ للأول كما يقيد بحال واقعة موقعه، وقد جرى على ذلك الأشموني تبعًا لابن مالك؛ وذلك يستلزم أن يكون الشرط الثاني لا جواب له لوقوعه موقع الحال، والحال لا جواب له.

والتقدير في المثال: إن جاءني محمد ضاحكًا؛ فلك ألف دينار، والتقدير في البيت: إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا كذا وكذا.

قال ابن مالك في (شرح الكافية) “إذا توالى شرطان دون عطف؛ فالثاني مقيد للأول؛ كتقييده بحال الواقعة موقعه.

والجواب المذكور أو المدلول عليه للأول، والثاني مستغنًى عن جوابه لقيامه مقام ما لا جواب له، وهو الحال”.

وبعد أن مثل بالبيت المذكور هنا قال: ومن هذا النوع قوله تعالى: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيَ إِنْ أَرَدْتّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]؛ فقوله: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيَ} دليل الجواب المحذوف، وصاحب الجواب أول الشرطين، والثاني مقيِّد له مستغنٍ عن جواب.

والتقدير: إن أرادت أن أنصح لكم مرادًا غيُّكم لا ينفعكم نصحي.

الرأي الثالث: أن الجواب المذكور للشرط الثاني، وجواب الأول هو الشرط الثاني مع جوابه على تقدير الفاء، وكأن التقدير في المثال؛ فإن ضحك؛ فلك ألف دينار، وكذا في البيت يكون التقدير؛ فإن تذعروا تجدوا، وعلى هذا؛ من قال لامرأته: إن أكلتِ إن شربتِ؛ فأنت طالق؛ لم تطلق امرأته إلا إذا أكلت ثم شربت، على ترتيب الكلام؛ لأن التقدير: فإن شربتي، والرأي الأول هو أصح الآراء لأن الرأي الثاني يقتضي عدم وجود جواب للشرط الثاني، والأصل خلافه، والثالث يقتضي حذف الفاء في جواب الشرط، ولا تحذف إلا في ضرورة، ولا تحذف إلا في ضرورة أو شذوذ.

error: النص محمي !!