حكم عمل مشاريع من أموال الزكاة
هل يجوز إقامة مشاريع إنتاجية استثمارية كالمصانع والمعارض والمزارع من أموال الزكاة؟
إن آية المصارف في كتاب الله تعالى لم تنص على إقامة مشاريع إنتاجية نقرأ الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ} فلم يرد في هذه الآية الكريمة ضمن المصارف الثمانية للزكاة إقامة مشاريع إنتاجية لتشغيل العاطلين أو الفقراء من مال الزكاة؛ لأن الأصل فيها -كما قال الفقهاء- تمليكها لمستحقيها وإقامة المشاريع تخرج عن دائرة التمليك للمستحقين؛ لأن لها مجالس إدارة ونحو ذلك، وقد سبق بيان أن مشاريع الدعوة والتعليم والعلاج والإعلام داخلة في مصرف “في سبيل الله” عند أكثر العلماء، أما الكلام هنا عن إقامة مشاريع ذات إنتاج صناعي أو تجاري يخصص ريعها وأرباحها لمصارف الزكاة الواردة في الآية الكريمة؛ فإذا كان في أموال الزكاة وفرة زادت عن حاجات المصارف الثمانية فأيهما أولى بقاؤها في بيت المال أو استثمارها في مشاريع إنتاجية يعمل فيها العاطلون ويعود ريعها إلى أموال الزكاة لتصرف في مصارفها الثمانية، وتبقى أدوات الإنتاج ومبانيها في رصيد أموال الزكاة. أيهما أولى؟
لا شك أن الاستثمار والإنتاج وتشغيل العاطلين وتحقيق العوائد والأرباح أفضل وأعظم من تعطيل الأموال وبقائها في بيت المال ما دام قد اكتفت العناصر أو المصارف الأخرى بما أخذت لا شك أن التشغيل أفضل، لا شك أن الاستثمار والإنتاج أولى، وهذا ما قرره العلماء فقد أجازوا ذلك؛ أي إقامة مشاريع من أموال الزكاة، ولكن اشترطوا لذلك كفاية المستحقين أولًا، فلا نبدأ من أموال الزكاة بإقامة المشاريع، وإنما نبدأ بإطعام الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم إلى آخر المصارف الثمانية، فإذا اكتفوا وبقي شيء نقوم بإقامة مشاريع من هذا الشيء الباقي، أما أن نأخذ أموال الزكاة قبل أن نعطي الفقراء والمساكين لنقيم بها مشاريع فهذا لا يقول به أحد.
إذًا علماء المسلمين أجازوا ذلك بشرط كفاية المستحقين أولًا، ثم استثمار الزائد، وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي هذه القضية، وانتهى إلى جوازها على أن يكون ذلك بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين، وتوافر الضمانات الكافية لهذه المشاريع للبعد عن الخسائر وتعريض أموال الزكاة أو أموال الفقراء والمساكين للخطر.
وهذا الذي قالت به المجامع الفقهية نجد إشارة له في كتاب (فقه النوازل) حيث يقول: هل يجوز توظيف أموال الزكاة في إقامة مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق؟ قالوا بجوازه بشرط تلبية الحاجات الماسة الفورية للمستحقين، وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي هذه القضية، وانتهى إلى جوازها على أن يكون ذلك بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين، وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر.
وفيما يلي نص قرار المجمع الفقهي في هذا الشأن:
“إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من الثامن إلى الثالث عشر من صفر سنة ألف وأربعمائة وسبعة الموافق من الحادي عشر إلى السادس عشر من أكتوبر 1986 بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليكٍ فرديٍّ للمستحقين، وبعد استماعه لآراء الأعضاء والكبراء فيه قرر أنه يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، وأن تكون تابعة للجهة الشرعية المسئولة عن جمع الزكاة وتوزيعها على أن تكون -أي: إقامة هذه المشاريع- بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين، وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر”.