Top
Image Alt

حياة العرب الدِّينيَّة قبل الإسلام

  /  حياة العرب الدِّينيَّة قبل الإسلام

حياة العرب الدِّينيَّة قبل الإسلام

اتفق علماءُ الأديان على أنَّ الدِّين غريزة عند كلِّ البشر؛ وقد تحدَّث أحدُ كتابِ العربِ عن ظاهرة التَّديُّنِ، فقال: “ما العالَم؟ ما الإنسان؟ مِن أين جاء؟ مَنْ صنعهما؟ ما نهايتهما؟ وما الموتُ؟ وماذا بعد الموت؟ هذه أسئلة لا توجد أمَّة ولا شعب ولا مجتمع، إلا وضَع لها حلولًا جيِّدة أو رديئة، مقبولة أو سخيفة؛ وهذا هو الدِّين.

إذًا، التديُّن غريزة؛ ولكن قد يكون هذا التديُّن صحيحًا؛ كعبادة الله الواحد القهار، الذي خلَق الليل والنهار، وخلَق الموت والحياة، وخلَق الكون كلَّه لعبادته -جلَّ فِي عُلاه- وقد يكون هذا التديُّن غير صحيح، كعبادة أربابٍ مِن دون الله، واتخاذ شفعاء ووسطاء من دون الله.

 وقد كان العرب كغيرهم، فمنهم الحنفاء الذين مالوا عن عبادة الأوثان، ومنهم مَنْ تنصَّر أو تهوَّد، ومنهم مَنْ عبَد الملائكةَ والجنَّ والكواكبَ، ومنهم مَنْ عبد الأوثانَ والأصنامَ، واتخذها من دُون الله آلهةً معبودةً، يسجدون لها وينذرون، ويستغيثون بها، ويستشفعون، يسألونها ويرجون ما عندها…

وقد كانت عبادة الأصنام فِي الجزيرة العربية منتشرة بشكل مُلفت للانتباه؛ وذلك عائد إلى سهولة اقتناء هذه الآلهة، وصناعتها مِن بيئتهم مِن أحجار وأشجار ونحاس، بل ومِن تمر ورمل؛ حتى أصبح لكل واحد منهم إله خاص به، يعبُده ويحمله معه يتمسّح به، وينتصر به، ويأكله أحيانًا!

الدياناتُ التي كان يعتنقها العربُ قبلُ مَجيء الإسلام:

أولًا: الوثنيَّة:

كان معظم العرب وثنيِّين، يعبدون الأصنام والأوثان مِن دون الله تعالى.

والصَّنم: ما كان على صورة إنسان مِن خشب، والوثن: ما كان على صورة إنسان مِن حجارة، والنّصب: حجارة تُنصب على هيئة هيكل أو بناء يعبدونها، ويذبحون عندها.

أسباب انتشار عبادة الأوثان:

 يذكر المؤرخون سببيْن اثنيْن لانتشار عبادة الأصنام:

السبب الأول: لمَّا كثرت ذرية إسماعيل  بمكة المكرمة، ووقعت بينهم الحروب ممَّا اضطر كثيرًا منهم إلى الخروج من مكة التي يحبونها؛ فكان لا يخرج أحد منهم مِن مكة إلا أخذ معه حجرًا مِن حجارتها، تعظيمًا لها، فكانوا ينصبونها ويطوفون بها أينما حلُّوا كطوافهم بالكعبة، ثم وصل بهم المطاف بعد ذلك إلى أن صاروا يعبدون كلَّ حجَر أعجبهم شكله، ونسوا ما كانوا عليه مِن دِين إبراهيم، عليه السلام.

السبب الثاني: دور عمرو بن لحي فِي جلْب الأصنام إلى مكة، ذكَر أصحاب الأخبار والسِّيَر أنَّ أول انحراف فِي دِين إبراهيم عليه السلام فِي مكة المكرمة على يد عمرو بن لحي؛ حيث جلَب الأصنامَ مِن الشام إلى مكة، ودعَا قومه إلى عبادتها، ثم انتشرت بعد ذلك عبادة الأصنام فِي كافة الجزيرة العربية.

وكان مِن أشهر أصنامهم:

  1. سواع: وهو صنم كانت تعبده قبيلة هذيل برهاط مِن أرض ينبع.
  2. ودٌّ: وكان لقبائل كلب بدومة الجندل.
  3. يغوث: وكان يُعبد من قبيلة مذجح وأهل جرش.
  4. يعوق: وكان باليمن.
  5. نَسْر: وكانت تعبده قبيلة حِمْير باليمن، وهذه الأصنام الخمسة هي التي كان يعبدها قوم نوح، قد جاء ذِكرها فِي القرآن الكريم.
  6. مناة: وكان منصوبًا على ناحية البحر الأحمر فِي قُديد بيْن مكة والمدينة، وكان أشد الناس تعظيمًا له هم الأوس والخزرج، وفي السنة الثامنة مِن الهجرة فِي طريق الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، أرسل علي بن أبي طالب فهدَمه.
  7. اللاَّت: وكانت تقع بالطائف، وفي الأصل صخرة مربَّعة، وكانت ثقيف تُعظِّمها، وبعد إسلامهم أرسل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم المُغيرةَ بن شعبة فهدمَها.
  8. العُزَّى: وأوَّل مَنْ اتخذها صنمًا: ظالم بن سعد، بواد نخلة؛ وسُمِّيت به بطونٌ مِن العرب لتعظيمها له.
  9. هُبَل: وكان حول الكعبة، وأوَّل من نصبها فِي جوف الكعبة: خزيمة بن مدركة.
  10. إساف ونائلة: ويُقال: بأنهما رجل وامرأة ارتكبَا معصيةً فِي جَوْف الكعبة، فمسخهما الله، ونُصبا لتذكير الناس ببشاعة فعْلهما، فلما تقادم عهدهما عُبدَا مِن دون الله تعالى.
  11. سعْد: وهو صنم لبني ملكان مِن كِنانة؛ وهو عبارة عن صخرة بفلاة، يُنحر لها، وتُقصد ويُتبرك منها.

وفيه يقول أحدهم:

أتينا إلى سعْد ليجْمع شمْلنا

*فشتّتَنا سعْد فلا نحن مِن سعدِ

وهلْ سعدُ إلَّا صخرة بتنونة

*لا تدعو لِغيٍّ ولا إلى رُشدِ 

والذي يمكن قوله:

إنَّ عبادة الأوثان كانت منتشرة بالجزيرة العربية إبَّان البعثة المحمدية، وظلت كذلك حتى فتح الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، التي حمل أهلها لواء الوقوف أمام الدعوة الإسلامية، فلمَّا سقطت، تهاوت كل معاقل الكفْر بالجزيرة. وعندما دخلصلى الله عليه وسلم مكةَ منصورًا مظفرًا، وجد حول الكعبة وحدها ثلاثمائة وستين صنمًا.

ثانيًا: الديانة اليهودية فِي الجزيرة العربية:

عَرفت الجزيرةُ العربيةُ عدةَ مستعمراتٍ يهودية قبل البعثة المُحمدية بفترة مِن الزمان، وكان مِن أهمِّ هذه المستعمرات: يثرب، وخيبر، وتيماء، ووادي القُرَى، وكذلك فِي اليَمن.

وتُشير بعضُ المصادر إلى أنَّ اليهودَ دخلوا الجزيرة العربية على فترات متعاقبة؛ فكلما تعرَّضوا لِعقابٍ مِن الرومان على الجرائم التي جبلهم اللهُ عليها والإفساد الذي فُطرت عليه نفوسهم، خرجوا هاربين ودفعوا بموجات منهم إلى الجزيرة العربية، كما تهوَّدت بعضُ القبائل العربية اليمنية، مثل: قبيلة ذي نواس، صاحب الأخدود الذي حفره لإرهاب النصارى، وأمَرهم بالرجوع عن ديانتهم، فلما امتنعوا رماهم فِي الأخدود. قال تعالى عن قصتهم: {قُتِلَ أَصْحَابُ الاُخْدُودِ (4) النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج: 4- 6].

كما أنَّ بعض اليهود دخَل إلى الجزيرة بحثًا عن مهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم {فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].

ثالثًا: الدِّيانة النصرانية فِي الجزيرة العربية:

عُرف النصارى بشدَّة تحمُّسهم لنشْر ديانتهم، على عكس اليهود؛ فهم يبذلون كل شيء مِن أجل إدخال الناس فِي دينهم، وقد دخلت أعداد كبيرة مِن المُبشِّرين إلى الجزيرة العربية، وانتشرت بين القبائل البدوية، وساكَنوهم فِي حلّهم وترحالهم حتى عُرفوا بأساقفة الخيام. وكان انتشارهم أكثر فِي عرب الشمال، لكونهم أقرب إلى بلاد الدولة البيزنطيَّة راعية النصرانية؛ فتشير المصادر إلى أن قبيلة تغلب وغسان وقضاعة، قد تنصَّروا، وعملت هذه القبائل على نشر النصرانية بين العرب، وقد بلغ أن كان مطران بصرى يشرف على عشرين أسقفًا مِن عرَب حوران، وغسان، وقضاعة. كما كان للنصرانية وجود باليمن؛ حيث كان يخضع لحُكم الحبشة، وهي دولة نصرانية.

وقصة أبرهة الأشرم الذي بنى كنيسة فِي صنعاء، ودعا الناس إلى الحج إليها، ثم أتبع ذلك بمحاولة هدْم الكعبة؛ ليتسنَّى له نشر النصرانية، وكان فِي هذه المحاولة هلاكه وهلاك من معه، وقد عرف للنصارى وجود قديم فِي نجران، وقصةُ وفدهم الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ودعاهم إلى المباهلة، فخافوا مشهورةٌ.

وبالإضافة إلى اليهودية والنصرانية وعبادة الأصنام، كان فِي العرب مَنْ يعبد النجوم والكواكب، خاصة فِي حران والبحرين، وعُبدت الشمس فِي بلاد اليمن، ودخلت المجوسية إلى العرب عن طريق الفُرس.

رابعًا: الحنفاء:

لم تندثر تمامًا ديانة إبراهيم عليه السلام بل تمسَّك بها نَفَرٌ من العرب، وإن كان عددهم قليلًا، وعرف هؤلاء النفر بـ”الحنفاء”؛ فقد كانوا يؤمنون بالله ويوحِّدونه توحيد الألوهية والربوبية، وكان مِن هؤلاء: قِسُّ بن ساعدة الإيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأميَّة بن أبي صلت، وأبو قيس بن أبي أنس، وخالد بن سنان، وزهير بن أبي سلمى، وكعب بن لؤي بن غالب، وغيرهم.

كما ظلَّ عند العرب الذين يعبدون الأصنام بقايا مِن مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام كاحترام الكعبة، والحج إليها، والقيام بالمناسك، إلَّا الوقوف بعرفة الذي كان خاصًّا بقريش، حراس بيت الله الحرام.

error: النص محمي !!