خبر الآحاد، الحديث الغريب: التعريف، والحكم
أقسام خبر الآحاد:
ينقسم خبر الآحاد إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الغريب.
القسم الثاني: العزيز.
القسم الثالث: المشهور.
أولًا: الحديث الغريب أو الخبر الغريب:
تعريف الحديث الغريب:
هو الحديث الذي تفرّد بروايته راوٍ واحد ولو في طبقة واحدة من طبقات إسناده.
قال الحافظ السخاوي: قال بعضهم: الغريب من الحديث على وزن الغريب من الناس، فكما أن غُربة الإنسان في البلد تكون حقيقة بحيث لا يعرفه فيها أحد بالكلية وتكون إضافية بأن يعرفه البعض دون البعض.
مثالٌ للحديث الغريب:
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول سمعت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وأخرجه الإمام مسلمٌ أيضًا في صحيحه، فقد تفرد برواية هذا الحديث من الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفرد بروايته عن عمر بن الخطاب من التابعين علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري عدد كثير في كل طبقة، فهو حديث آحاد غريب مطلق، حيث وقع التفرد في أصل السند.
أقسام الحديث الغريب:
ينقسم الحديث الغريب إلى أنواع كثيرة، وإنما تُضبط بنسبة التفرد فيه إلى شيء معينٍ، وأهم هذه الأقسام ما يأتي:
القسم الأول: “غريب متنًا وإسنادًا”، كما لو انفرد بمتنه راوٍ واحد.
القسم الثاني: “غريب إسنادًا لا متنًا”، كحديث معروف روى متنه جماعةٌ من الصحابة، انفرد واحدٌ بروايته عن صحابي آخر، وفيه يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه، ومن أمثلته كما قال ابن سيد الناس: حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمال بالنية». قال الخليلي في (الإرشاد): أخطأ فيه عبد المجيد وهو غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه، قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة.
تقسيم الخبر الغريب باعتبار موضع التفرد من الإسناد:
ينقسم الغريب باعتبار الموضع الذي وقع فيه التفرد من الإسناد إلى قسمين:
القسم الأول: “الغريب المطلق”:
تعريف الغريب المطلق: هو ما وقع التفرد فيه في أصل السند؛ أي: في طرفه الذي فيه الصحابي، كأن يروي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحابي واحد، أو يرويه عن الصحابي راوٍ واحد من التابعين، فإذا كان التفرد في الصحابي أو في التابعي سمي غريبًا مطلقًا أو فردًا مطلقًا.
القسم الثاني: “الغريب النسبي”:
وهو ما وقع التفرد فيه في أثناء السند؛ كأن يروي الحديث عن التابعي راوٍ واحد، فإذا كان التفرد في تابعي التابعي فمن بعده سُمّي غريبًا نسبيًّا، وقد يُسمّى فردًا نسبيًا لكن بقلة، وسمي غريبًا نسبيًّا؛ لأن التفرد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معين.
حكم الحديث الغريب من حيث الصحة وغيرها:
الحديث الغريب منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف، وذلك إنما يرجع إلى مدى تمكُّن الحديث من شروط القبول، فإذا تحقق في الحديث أعلى شروط القبول فهو الصحيح، وإن تحقق في الحديث أدنى شروط القبول فهو الحسن، وإن فقد الحديث شرطًا أو أكثر من شروط القبول فهو ضعيف، وقد خرّج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث غريبة كثيرة منها حديث: «إنما الأعمال بالنيات»؛ حيث تفرد به عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، وتفرد به عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري، ومنه انتشر حتى رواه عن يحيى خلقٌ كثير، فهو حديث آحاد غريب مطلق أو فرد مطلق.
قال ابن الصلاح: إن الغريب ينقسم إلى الصحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح، وإلى غير الصحيح وذلك هو الغالب على الغرائب، وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب؛ فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء.
قال ابن المبارك: العلم الذي يجيئك من ها هنا وها هنا؛ يعني المشهور، قال الإمام مالك: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر، الذي قد رواه الناس.