خبر طليحة الأسدي
ادعى طليحة النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وشجَّع الناس عليه وعلى اتباعه تلك الأكاذيبُ التي رُوجت له؛ للدلالة على نبوته، فكانت هناك بعض الأساطير والخزعبلات التي تناقلها الناس عن أشياء تخصه، ويمكن أن تدخل في إطار المعجزات، وهي أنواع من أنواع السحر والخرافة والأسطورة، وكان له سَجْع مثل سجع الكهان، فكان مما قاله: “الحمام واليمام والصرد الصوام، ليبلغن مُلكنا العراق والشام!!”.
ومما قام به طليحة أن أمر المتبعين له بترك السجود، وقال لهم: “ما يصنع الله بتعفير وجوهكم، اذكروا الله قيامًا”.
تذكر أحداث السيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل له ضرار بن الأزور، وكاد ضرار أن يقضي عليه، أو أن يقتله، لولا وفاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظم سلطانُ طليحة واشتدت شوكته، وقد كانت هناك مجموعة من الأسباب والأمور أدت لتجمع بعض القبائل معه، وصارت ردئًا له وتبعًا له.
الأمر الأول: العَلاقات التي تربط هذه القبائل بعضها ببعض، فكان من المعروف أن طليحة هذا كان من بني أسد، والقبائل التي كانت تربطها ببني أسد علاقات النسب، وعلاقات التجارة، إلى آخره، هذه القبائل دخلت مع بني أسد فيما دخلت عليه من اتباع طليحة.
الأمر الثاني: طمع هذه القبائل أن يكون لهم مثل ما لنبي قريش، فقد طمعوا في أن يكون لهم مُلك وسؤدد، تجمعت هذه القبائل من بني أسد، وانضمت جماعات من عبس وذبيان وطيئ وغيرهم إلى طليحة الأسدي، ثم حدث بعد ذلك أن وجه لهم أبو بكر الصديق القائدَ العظيمَ الهمامَ سيف الله المسلول خالدَ بن الوليد، ومعه جيش مكون من أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وهنا وضع خالد خطةً محكمةً، بَيَّنَ فيها أنه يريد أن يقصد بلاد طيئ، ولم يبن أنه يقصد طليحة الأسدي، وكان عدي بن حاتم الطائي بالمدينة عندما نما إلى علمه أن هذا الجيش الذي يقوده خالد سوف يتوجه إلى بلاد طيئ، فتخوف عدي بن حاتم على أهله وعشيرته، فاستأذن الصديق وخالدًا في أن يذهب لقومه وعشيرته، وأن يردهم إلى الإسلام بعدما ظهرت فيهم بوادر الردة، فأذِنوا له.
فأسرع عدي بن حاتم إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام، وإلى العودة إلى حظيرة الإسلام، وذكَّرهم بالقرآن وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستطاع عدي بالفعل أن يردهم وأن يعيدهم مرةً أخرى إلى حظيرة الإسلام، فتركوا جهة طليحة، وانسحبوا واعترفوا بخطئهم، وقد كان لهذا التصرف الذي قام به عدي بن حاتم أثره في أن ينفصل من جيش طليحة الأسدي أعداد عظيمة مِن التي كانت تناصره، من طيئ ومن مناصري طيئ، مما ترتب عليه قلة عدد جيش طليحة وأنصاره.
وكان مع طليحة في حربه هذه عيينة بن حصن الفزاري، والذي كان كلما اشتدت الحرب اتجه إلى طليحة، وهو يقول له: هل جاءك جبريل بعدُ؟ فيقول: لا، وطليحة ملتف بكسائه، ولما استقر أوار الحرب جاءه، وقال له: هل جاءك جبريل؟ قال: نعم. قال: وما قال لك؟ قال: قال لي: “إن لك ستلقاه ليس لك أوله، ولكن لك أخراه، ورحًى كرحاه، وحديثًا لا تنساه”.
وهذا الكلام هو أشبه بسجع كسجع الكهان والخزعبلات. فقال له عيينة: أرى أن لك حديثًا لن تنساه، وتوجه إلى قومه قائلًا: يا بني فِزارة، هذا كذاب، لا تتبعوه. وانفصل بقومه عن معسكره -أي: عن معسكر طليحة- وصار بهم وترك طليحة، فانهزم المرتدون، وفَرَّ زعيمهم طليحة ومعه زوجته إلى الشام، مما ترتب عليه استسلام بني أسد ومَن كان معهم، فعفَا عنهم خالد بن الوليد، وتبعتهم بعد ذلك القبائل المجاورة النجدية جاءت طائعةً، حاملةً معها ما عليها من الزكاة، داخلةً مرةً أخرى في حظيرة الإسلام، متبعةً للقرآن ولهدي نبيها صلى الله عليه وسلم.
وترتب على ذلك أن عادت بنو أسد عادوا إلى الإسلام، ووجد طليحة نفسه وحيدًا في هذه الأثناء، فراجع نفسه مرة أخرى، ورجع إلى بني أسد بعد فراره؛ لأنَّه علِمَ بعودتهم إلى الإسلام، فعاد هو أيضًا إلى رشده، وعاد إلى الإسلام، ومن ثم أسلم وعاش مدة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل إن الغريب والعجيب أن طليحة اشترك في حروب المسلمين ضد الكفر؛ ليكفر عن ذلك الماضي الحزين، وعن أفعاله السيئة، وعن تصرفاته المريبة، والتي قام بها في فترة من فترات حياته، ولكنه أبلَى بلاءً حسنًا، وسجَّل له التاريخ كل ذلك في معارك الجهاد.
وتقول بعض الروايات: إن طليحة الأسدي مَرَّ بالمدينة عندما كان ذاهبًا إلى الحج أو إلى العمرة، فجاء مَن يخبر أبا بكر الصديق بأن طليحة يمر الآن أمام المدينة، فقال أبو بكر: “وماذا أصنع به؟ فقد أسلم طائعًا، ودخل الإسلام، فأهلًا ومرحبًا به، ليست لي عنده أي شيء، وليس له عندي أي شيء، سوى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم”.