خروج بني النضير، ومسيرهم إلى خيبر
خرجت بنو النضير، وقد حملوا النساء والذرية، وما استقلت به الإبل من الأمتعة، وأظهروا تجلدًا عظيمًا.
أما منافقو المدينة، فقد حزنوا حزنًا شديدًا لخروج بني النضير ثاني القبائل من اليهود، خرجت بنو قينقاع بعد بدر وها هم بنو النضير يخرجون من بعد أُحد. ولكأن ما ينزله عز وجل بقريش من الهزيمة كان يعقبه نصر من الله عز وجل للمسلمين على اليهود -كفار المدينة.
سار ركب اليهود، فكان منهم من نزل خيبر والبعد سار إلى الشام، ولكن من ساروا إلى خيبر كانوا يعدون العدة للمقاومة ضد الإسلام والمسلمين عن مكانٍ قريبٍ من المدينة وهو خيبر، فلم يغادروا إلى الشام، فكانت بنو النضير أكثر قبائل اليهود عداء للإسلام.
هكذا كانت الحال مع هؤلاء اليهود الذين كانوا ثاني قبيلة منهم تخرج من المدينة.
وقد جعل الله تعالى أموال بني النضير لنبيه خاصة، فنزل قولهعز وجل: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [الحشر: 6].
وهذه الأموال التي جعلها الله للنبي صلى الله عليه وسلم قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين الأولين دون الأنصار، لكنه أعطى سهل بن حنيث، وأبا دجانة، وقيل: والحارث بن الصمة لفقرهم، ولم يجعل للأنصار شيئًا من هذه الأموال؛ لأن الأنصار كانوا قد وسعوا المهاجرين الأولين في أموالهم، وزروعهم.
وهنا أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الفيء أن يرفع عن الأنصار كلفة الأموال التي جعلوها لإخوانهم المهاجرين، ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله: ألا تخمس ما أصبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا أجعل شيئًا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين كهيئة ما وقع فيه السهمان يقصد قوله عز وجل: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7].
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ادعُ لي قومك، فقال ثابت بن قيس: الخزرج؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنصار كلها.
وفي هذا حكمة من أن الأنصار كلهم أصبحوا إخوة، ثم إنه لما جاء الأوس والخزرج تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار، وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وإيثارهم على أنفسهم، ثم قال موجهًا الكلام للأنصار: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله عليّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم، وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وحدهم، وخرجوا من دوركم. فتكلم سعدُ بن عبادة، وسعد بن معاذ، وهما سيدا الأوس والخزرج فقالا: يا رسول الله. بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا -كما كانوا. ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار.
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله عليه وأعطى المهاجرين، ولم يعط الأنصار، اللهم إلا ما ذكرنا من أمر سهلٍ من حنيث وأبي دجانة، وكذلك الحارث بن الصمة رضي الله عنه. وكان لموقف الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين ما نزل فيهم من قول اللهعز وجل {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ} هذه الأموال الذي جعلها الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلمأنه جعلها: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} [الحشر: 8].
ثم ذكر الأنصار بما هم أهلٌ له، فقال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الحشر: 9].