Top
Image Alt

خصائص الأخلاق في الإسلام

  /  خصائص الأخلاق في الإسلام

خصائص الأخلاق في الإسلام

يتميز نظام الأخلاق في الإسلام بجملة خصائص؛ منها: تفصيل الأخلاق وشمولها في الوسيلة والغاية، وارتباطها بمعاني الإيمان والتقوى ووقوع الجزاء فيها.

أما التعميم والتفصيل في الأخلاق:

فقد دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة؛ من ذلك قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف: 199] وقوله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [النحل: 91]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) فهذه دعوةٌ عامة إلى التحلّي بمكارم الأخلاق، إلا أن الإسلام لم يكتفِ بهذه الدعوة العامة حتى فصّل القول في الأخلاق الحميدة التي يجب على المسلم أن يتخلق بها، كما فصل القول في الأخلاق الرديئة التي يجب على المسلم أن يتخلى عنها، والحكمة في هذا البيان المفصل توضيح معاني الأخلاق وتحديدها؛ لئلا يختلف الناس فيها وتتدخل الأهواء في تحديد المراد منها، ومن مظاهر رحمة الله بعباده أن بيَّن لهم ما يتقون وما يأخذون وما يتركون.

وفي القرآن والسُّنة أمثلة تفصل الأخلاق الحميدة والأخلاق الرديئة:

قال الله -تبارك وتعالى- في الأمر بالوفاء بالعهد: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا} [الإسراء: 34]، وقال في الأمر بالعدل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، وقال في النهي عن الكبر: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: 37]، وقال في التعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وقال في الحث على الصبر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [آل عمران: 200]، وقال في الأمر بالصدق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين} [التوبة: 119]، وقال في التحذير من الكذب: -رضي الله عنه- {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب} [غافر: 28]، وقال في التحذير من الكِبر: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}  [النساء: 36]، وقال في الأمر بالثبات على الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [آل عمران: 102]، وقال في التحذير من الرّدّة: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة: 217].

والذي يتتبع آيات القرآن الكريم يجد فيها كثيرًا من الآيات الجامعة لكثير من مكارم الأخلاق، كما يجد فيها كثيرًا من الآيات التي تنهى عن مساوئ الأخلاق.

يقول الله -تبارك وتعالى- في جوامع الأخلاق الحميدة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُون وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُون أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [المؤمنون: 1- 11]، ويقول سبحانه وتعالى في جملة آيات نهى فيها عن بعض الأخلاق الدنيئة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم} [الحجرات: 11، 12].

كذلك جاءت السنة بتفصيل مكارم الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتخلَّق بها، والتحذير من مساوئ الأخلاق التي لا يجوز للمسلم أن يتخلق بها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم في خُلق الحياء: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))، ويقول: ((إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء))، ويقول في النهي عن الغضب وقد قال له رجل أوصني قال: ((لا تغضب))، ويقول في الحث على التعاون: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، ويقول في الحث على الرفق: ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه))، ويقول في الأخلاق الدنيئة التي لا يجوز للمسلم أن يتخلق به: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره الشريف ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)).

هذا ما جاء في القرآن والسنة عن الخاصية الأولى من خصائص الأخلاق في الإسلام وهي التعميم والتفصيل في الأخلاق.

ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام: الشمول:

ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جدًّا، فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة به أو المتعلقة بغيره سواء أكان الغير فردًا أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق مما لا نجد له نظيرًا في أية شريعة سماوية سابقة ولا في أية شريعة وضعية.

ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول؛ ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق، ووجه اختيارنا لهذه العلاقات هو ما شاع بين الناس ويؤيّده الواقع أن العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق؛ حتى إن أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية، ولهذا كان الخداع والتضليل والغدر والكذب من البراعة في السياسة.

إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحًا أيضًا في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد مطلوبًا وجميلًا أيضًا في علاقات الدول؛ ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم كما هو موجود في السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِين} [الأنفال: 58] يقول الله -تبارك وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم: إذا كانت بينك وبين قوم معاهدة صلح فخفت منهم خيانة أن ينقضوا عهدهم ويغدروا بك ويبدءوك بالحرب؛ فلا تخونهم أنت ولا تبادر بنقض العهد ولا تبادر بالحرب، وإنما أعلمهم بأن المعاهدة قد انتهت، وأن الحرب قد أُعلنت، أعلمهم بنقض عهدهم حتى تستوي أنت وهم في العلم بأن المعاهدة قد انتهت، فيكونوا على حذر منك كما تكون أنت على حذر منهم، إن الله لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة في حق الكافرين، سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر، يحثُّ ربنا سبحانه وتعالى على الوفاء والالتزام بالمعاهدة مع الكافر حتى لو خاف المسلمون من الكافرين غدرًا وخيانة لا يجوز لهم أن يبادروا بنقض العهد والغدر والخيانة، بل يجب على المسلمين أن يُعْلِموا من خافوا غدرهم وخيانتهم أن المعاهدة قد انتهت، وأن زمن السلم قد انتهى وقد بدأ زمن الحرب.

ثانيًا: كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي -صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش أن من يأتي من قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم مسلمًا يردُّه النبي -صلى الله عليه وسلم ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء مجندل من قريش مسلمًا معلنًا إسلامه يستصرخ المسلمين أن يؤووه ويحموه من قريش، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: ((إنا عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وإنا لا نغدر بهم)).

ثالثًا: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم؛ لأن خيانتهم غدر ولا يصلح في دين الإسلام الغدر.

رابعًا: قال فقهاء الحنابلة: إذا أطلق الكفار الأسير المسلم واستحلفوه أن يبعث إليهم بفدائه أو يعود إليهم لزمه الوفاء، لقوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل: 91] ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم: ((إنا لا يصلح في ديننا الغدر)).

خامسًا: إذا كانت دار الحرب تأخذ من رعايا الإسلام الداخلين إلى إقليمها ضريبة على أموالهم التي معهم؛ بحيث تستأصل هذه الأموال أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة لا تتناسب مع أموالهم -فإن دار الإسلام لا تقابلهم بالمثل، ويعلل الفقهاء قولهم هذا بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم؛ لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق وإن تخلقوا هم بها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام: أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات، فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة؛ ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للمبدأ الخسيس الذي يقول: الغاية تبرّر الوسيلة وهو مبدأ انحدر إلينا من ديار الكفر، يدل على ضرورة مشروعية الوسيلة ومراعاة معاني الأخلاق فيها قول ربنا: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}  [الأنفال: 72]، فهذه الآية الكريمة تُوجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين قيامًا بحق الأخوة في الدين، ولكن إذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة؛ لأن وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين.

وأخيرًا، هل يمكن اكتساب الأخلاق وتقويمها؟

والجواب: نعم، إن الأخلاق من حيث الجملة يمكن تقويمها وتعديلها كما يمكن اكتساب الجيد منها والتخلي عن قبيحها وبالعكس، والدليل على ذلك: أن الشرع أمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة ونهى عن التخلق بالأخلاق الرديئة، فلو لم يكن ذلك ممكنًا مقدورًا للإنسان لما ورد به الشرع؛ لأن الإسلام لا يأمر بالمستحيل، ومن القواعد الأصولية في الفقه الإسلامي: لا تكليف إلا بمقدور، أو لا تكليف بمستحيل، والله سبحانه وتعالى قد أمر الإنسان بتزكية نفسه، والتزكية إنما تتمّ بالتخلي عن الأخلاق الدنيئة والتحلي بالأخلاق الحميدة، ومعنى ذلك: أن الإنسان قادرٌ على أن يتخلى عن الأخلاق الرديئة ويتحلى بالأخلاق الجيدة الجميلة، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7- 10].

وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم أن الأخلاق نوعان: أخلاق جبلية فطر عليها الإنسان، وأخلاق مكتسبة يستطيع أن يكتسبها؛ ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم، والأناة. قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله))، وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم)) فكما أن الإنسان يُولد غير عالم كما قال ربنا سبحانه: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [النحل: 78] يعني: لتتعلموا، فمن تعلم صار عالمًا، كذلك من كانت أخلاقه رديئة فإنه يستطيع أن يتخلَّى عنها، ومن كان يفقد الأخلاق الجيدة فإنه يستطيع أن يتخلق بها بالتمرين والتدريب.

وهناك وسائل يستطيع الإنسان أن يستعملها لتقويم أخلاقه؛ منها العلم، ومنها الاهتمام الكامل بتقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس، وعلى رأس هذه المعاني الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، ومنها مباشرة الأعمال الطيبة التي جعلها الله تعالى وسيلة لتقويم الأخلاق، ومنها ترك الأعمال الخبيثة الفاسدة التي تفسد الأخلاق، ومن أهمها الدعاء بحسن الخلق، والنبي-صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم كما حسنت خَلقي حَسِّن خُلقي))، ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت))، ومنها مخالطة المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة ومجالستهم والسماع منهم، فإن الطبع يسرق من الطبع والصاحب ساحب؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((لا تُصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي))، ومنها ترك البيئة الفاسدة وترك صحبة الأشرار ذوي الأخلاق الفاسدة؛ لأنهم سيؤثرون في الذي يصحبهم، ومنها اتخاذ القدوة الحسنة وخير القدوة على الإطلاق رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4]، وجعله الأسوة الحسنة في كل شيء فقال: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [الأحزاب: 21].

هذه بعض الوسائل المهمة في تقويم الأخلاق واكتساب الجيد منها.

وختامًا، اعلم أن الأخلاق إذا كانت مهمة لكل مسلم فإن الأخلاق الحميدة تتأكد في حق الداعية إلى الله -عز وجل-؛ لأنه بهذه الأخلاق يكسب الناس فيُقبلون عليه ويدخلون في دين الله تبعًا له، كما قال الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] فاحرص أيها الداعية على أن تتحلى بمكارم الأخلاق، وأن تتخلَّى عن الأخلاق الدنيئة التي تنفّر الناس منك.

error: النص محمي !!