Top
Image Alt

خلاف العلماء حول جواز الاعتصار في الهبة

  /  خلاف العلماء حول جواز الاعتصار في الهبة

خلاف العلماء حول جواز الاعتصار في الهبة

من المسائل المشهورة في باب الهبة الكلام في حكم الاعتصار فيها, والاعتصار معناه الرجوع، وهذا التّعْبير للمالكية، أي: أخذها والرُّجوع فيها مرة أخرى ممن أُعطيت له.

وأهل العلم أجمعوا على أن الهبة التي تتم على وجه الصدقة لا رجوع فيها أبدًا، أما الهبة التي تتم على وجه التودد والتحبب بين الناس, إذا تمت مستوفية كل الأركان والشروط؛ ترتب على ذلك حُكْمُها كأي عقد, وهو أن يثبت الملك في هذه العين الموهوبة للشخص الموهوب له، هذا هو الأصل.

لكن الفُقهاء اختلفوا في هذا الحكم، هل هو حكم لازم -بمعنى: أنّ الواجب لا يجوز له أن يرجع في هبته- أم غيرُ لَازم فيجوز له الرجوع؟

الرأي الأول: ذهب الحنفية إلى أنّ ثُبوت المِلْك للموهوب له في الشيء الموهوب غير لازم، ولو بعد القبض؛ لأن له ملكًا تامًّا ثابتًا فيها قبل القبض ولو بعد الإيجاب والقبول، وبعد القبض ما لم يكن قد حدث تعويض, وهذا إذا كانت لأجنبي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها)) أي: ما لم يعوض، ويكون هذا الرجوع بتراضٍ أو بِحُكم قاض، إذا امتنع الواهب من الرد، وإن كان هذا الرجوع معيبًا وقبيحًا ومكروهًا؛ لأنه يخل بالمروءة ومكارم الأخلاق؛ لأنّ العَمَل الذي كهذا ديانة ومروءة لا يليق، وإن جاز قضاء وحكومة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الراجع في هبته كالراجع في قيئه.

والحنفية قالوا: السبب في جواز الرجوع هو أن الواهب قد يُعطي الهبة, وله في ذلك غرض؛ كأنْ يَنْتظر المكافأة عليها، أو يتودد بها ويتحبب بها إلى شخص، أو لأي غرض دنيوي آخر، ولكن إذا لم يتحقق الغرض, أي: ما قصده بهبته لم يتحقق، فيمكن أن يتدارك ذلك بالرجوع في الهبة, فإن رضي المَوهوب بالإرْجَاع إلى الواهب فلا إشكال, وإلا رفع الواهب الأمر إلى القاضي ليأمر الموهوب له برد الهبة إلى الواهب.

وقبل قضاء القاضي بالرد, تكون الهبة في هذه اللحظة ملكًا للموهوب له, يتصرف فيها كيف يشاء، هذا هو رأي الحنفية وهو رأي سهل.

لكن قلنا هذا بالنسبة للهِبَةِ للأجْنَبيّ عند الحنفية, لكن الهِبة عندهم يختلف حُكمها أو جواز الرُّجوع فيها إذا كانت الهبة لذي رحمٍ محرمة عليه؛ فلا يجوز للشخص أن يرجع في الهبة التي تكون لذي رحم محرمة عليه.

وذو الرحم المحرمة: أنه لو كان أحدهما أنثى والآخر رجلًا, أو أن شخصين أحدهما أنثى والآخر رجل؛ لم يجز له نكاحها, وكذلك لا يجوز له أن يهب لشخص لو قدرناه كذلك، مثل أن يهب لابنه؛ فلو قَدّرْنا أنّه هو وابنه أحدهما أنثى والآخر رجل لم يجز له نكاحها، فهذه رحمٌ مُحَرّمة، مثال ذلك: أن يَهَب لابنه أو جده أو عمه أو خاله، أمّا الرحم غير المحرمة؛ وهي التي لو كان أحدهما أنثى والآخر رجلًا جاز له نكاحها مثل: ابن عمه، فلو كانت ابنة عمه جاز له, وابن خاله لو كان ابنة خاله جاز له، وابن عمته لو جازت أن تكون ابنة عمته جاز له، وابن خالته وهكذا.

فذو الرحم المحرمة هذا هو معناها، أنه لو كان أحدهما أنثى والآخر رجلًا؛ لم يجز نكاحها, فيجوزُ أنْ يَهبَ للرَّحم غير المحرمة ويجوز له الرجوع فيها، أما الرّحم المُحرّمة فلا يجوز له الرجوع فيها، وهي كالأب والابن والجد… إلى آخره.

واستدلوا بما رواه الحاكم في (المستدرك) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كانت الهِبَةُ لذي رَحِمٍ مُحرم؛ لم يرجع فيها)), وقالوا أيضًا -وهو كدليل عقلي: إن المقصود من الهبة للقريب ذي الرحم المحرم هو صلة الرحم, وقد حصل ذلك بالهبة، والرجوع هنا يعتبر قطعًا لهذه الصلة؛ فلا يجوز له أن يرجع.

الرأي الثاني: قال المالكية والشافعية: إن الملك في الهبة يثبت بمجرد العقد، ويصبح لازمًا بالقبض، ولا يصح للواهب الرجوع بعد ذلك إلا للوالد فيما وهب لولده, صغيرًا كان أو كبيرًا، لكن الرجوع عندهم فيما وهب للولد مشروط بألّا يكون قد ترتب على الابن حق للغير بعد الهبة.

بمعنى أنه لو وهب لولده شيئًا، وحدث أنه تزوج، ووهب له مبلغًا من المال أو وهب له دارًا، واستند إلى أنه وجد الدار التي يتزوج فيها، أو وجد له المال الذي يدفعه مهرًا, فيستدين أو يفعل أمرًا بمناسبة هذه الهبة؛ فلا يجوز هنا الرُّجوع؛ لأنه هنا إذا ارتجعها منه يحدث له ضررًا.

وهذا في هبة التودد والمحبة؛ لأنّ الهبة على وجه الصدقة لا رجوع فيها أصلًا, ولا ينبغي للواهب أن يرتجعها بالشراء أو غيره، حتى لو كانت شجرًا, ما دام وهبها على وجه الصدقة لا يأكل من ثمره، وإن كانت دابة أو سيارة وهبها على وجه الصدقة لا يركبها، إلّا إذا رجعت إليه بالميراث.

وهذا مذهبُ جُمهور العلماء؛ حيث ذهبوا إلى أن من تصدق على ابنه أو على أبيه فمات أي منهما, مات بعد أن حازها أنه يرثهما، يجوز له أن يحوزها أو يملكها بعد أن صارت ميراثًا، والدليل على ذلك من مرسلات الإمام مالك -رحمه الله: “أن رجلًا أنصاريًّا من الخزرج تصدق على أبويه بصدقة, فهلكا -ماتا- فورث ابنهما المال وكان نخلًا, فسأل الابنُ عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد أجرت في صدقتك, وخذها بميراث)).

وعن بُريدة عن أبيه: “أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنّ أمي ماتت وتركت تلك الوليدة, فقال صلى الله عليه وسلم: ((وجب أجرُكِ, ورجعت إليك بالميراث)). وهو نفس المعنى فيه مع الأنصاري الخزرجي الذي تصدق على أبويه بصدقة، وقال له: ((قد أجرت في صدقتك, وخذها بميراث))، فالأجر ثابت على الصدقة ورجوعها إليه إنما رجع بصورة مختلفة, وهي صورة الميراث.

أما المالكية والشافعية فاستدلوا بجواز رجوع الوالد فيما يهب لولده، بما رُوي عن ابن عباس وابن عمر: “أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يعطي عطية, أو يهب هبة فيرجع فيها, إلا الوالد فيما يعطي لولده)) وغير ذلك من الأحاديث.

وقالوا: إن الهبة عقد تمليك فيلزم كالبيع لكن ثبت حق الرجوع للوالد؛ لأنّ العلة في إثبات حق الرجوع للوالد أن إخراج الهبة عن ملكه لم يتم؛ لأن الولد من كسب الوالد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أولادكم من كسبكم, فكلوا من طيب كسبكم)). فمَيّز الولد عن غيره، وجعله كسبًا لوالده؛ فكان ما كسبه الولد منه أولى أن يكون من كسبه.

وأحاديث أخرى من هذا المعنى مثل ((أنت ومالك لأبيك)), للرجل الذي جاء يشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن أبي أراد أن يجتاح مالي, ونزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن هذا الرجل محتاج إلى هذا المال، فأرسل وجاء الرجل فقال له: يا رسول الله، سله هل أنفقه إلا على عماته أو خالاته؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم تأثر بمقولة الرجل فقال له في نهاية القصة وهي قصة طويلة: ((أنت ومالك لأبيك))، فـ((أولادكم من كسبكم, فكلوا من طيب كسبكم)) هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فلما جعل الولد من الكسب؛ إذًا يجوز الأكل من الكسب.

الرأي الثالث في حكم الرجوع أو رجوع الواهب في هبته: ذهب الحنابلة إليه، فقالوا: لا يحل للواهب أن يرجع في هبته، كما يقول المالكية والشافعية، أما الوالد إذا وهب لولده فهناك رواية عن أحمد: أن له الرجوع على أي حال، أي: حتى ولو كان قد ترتب على هذه الهبة حقوق للغير؛ والذي قلناه عند المالكية.

والثانية: ليس له الرجوع بأي حال كمذهب الحنفية، أي: الحنابلة يقولون: لا يحل للواهب أن يرجع في هبته كما يقول المالكية والشافعية؛ لكن بالنّسبة للوَلد لهم ثلاث روايات: رواية عن أحمد أن له الرجوع على أي حال، حتى ولو ترتب على رجوع الوالد على ولده ضرر للغير، أو حق للغير.

الثانية كما قال الحنفية: ليس له الرجوع مطلقًا.

الرواية الثالثة عندهم -أي عند الحنابلة: بعضهم قال: ليس له الرجوع ولكن -كما قال المالكية- يرجع بالشرط الذي اشترطوه، وهو ألا يترتب على رجوع الأب في هبته لابنه حق للغير عليه، كما لو استدان بسبب الهبة أو تزوج.

هل حكم الأم في الرجوع كحكم الأب؟

إذا وهبت الأم لولدها هبة؛ فإنها لا تملك الرجوع عند أبي حنيفة، كما قال بالنسبة للقاعدة العامة عنده: لا يجوز الرجوع في الهبة؛ لأن الولد من ذوي الرحم المحرم, وكذلك لا تملك الأم الرجوع عند أحمد في الرواية التي وافق فيها أبا حنيفة بالنسبة للأب، وعند الإمام مالك تملك الرجوع في حياة الأب؛ أما بعد موته فليس لها ذلك، أي: المالكية يقولون أو الإمام مالك على وجه الخصوص يقول: إذا مات الأب فليس للأم إذا كانت وهبت لابنها هبة, الرجوع في ذلك لكونه يتيمًا؛ فتكون الهبة حينئذ على وجه الصدقة.

ولكن يفهم من كونه يتيمًا أنه لو كانت الهبة للكبير, يجوز لها أن ترجع فيما وهبت لابنها الكبير.

ما حكم رُجوع الجد في الهِبَة, فيما وهبه لولده أو لحفيده؟

قالوا: لا يملك الجد الرجوع، وهذا رأي أبي حنيفة ومالك وأحمد، وقال الشافعي: يملك الرجوع؛ لأنّ سائر الأصول عنده كالأب, أي: الأصول؛ الجد وإن علا عنده كالأب المباشر، هذا بالنظر إلى حكم الرجوع في الهبة وما إذا كان رجوع الأب أو الأم فيما وهب أحدهما لابنه، وعن حكم رجوع الجد.

موانع تمنع الرجوع في الهبة:

حصر الحنفية موانع الرجوع في الهبة في سبعة موانع, هي:

المانع الأول: إذا حصلت زيادة في عين الشيء الموهوب تكون متصلة به؛ كالغرس والبناء في الأرض الموهوبة، فلو وهب شخص لشخص أرضًا, فغرس فيها شجرًا أو نخلًا، أو وهب لشخص أرضًا فبنى فيها بيتًا، فيكون حصول الزيادة كأن تكون متصلة به كالغرس والبناء أو تكون نوعًا من السمن في الحيوان، أي: أعطاه الحيوان هزيلًا, فسمن عند الموهوب له، فلا يرجع الذي تزيد به قيمة الحيوان الموهوب؛ وذلك لأنه لا يمكن الرجوع بدون الزيادة لعدم الانفصال ولا مع الزيادة؛ لأن الرجوع إنما يصح للموهوب والزيادة ليست بموهوبة, وهنا قيد الزيادة؛ لأن النقصان لا يمنع الرجوع.

فالحنفية مع أنهم أصحاب المذهب القائل بجواز الرجوع في الهبة على أي حال، لكن قالوا: المانع هنا حصول الزيادة، وحصول السمن في الحيوان, وقيدوا بالزيادة؛ لأنّ النُّقصان لا يمنع الرجوع، بمعنى أنه أعطاه حيوانًا فهزل الحيوان, فيجوز أن يرجع فيه ما دام قد قبل ذلك أن يأخذه صاحبه بعد أن هزل.

وقيدت الزيادة بكونها متصلة؛ لأنها إذا كانت منفصلة لا تمنع الرجوع؛ لأنه لو كان هناك شيئان منفصلان عن بعضهما، وكل منهما قائم بذاته، كما لو كان الموهوب مثلًا مسكنًا وسيارة؛ فالرجوع في أحدهما ليس ممنوعًا لكونه منفصلًا؛ فيجوز أن يرجع في السيارة فيأخذها ولا يرجع في المسكن أو العكس، وأن تكون هذه الزيادة في نفس العين الموهوبة؛ لأنها لو كانت الزيادة في القيمة، والزيادة في القيمة مثل لها الفقهاء بقراءة العبد وكتابته، أي: شخص وهب عبدًا لآخر وكان جاهلًا لا يعرف القراءة والكتابة, فالموهوب له علمه القراءة والكتابة، هل القراءة والكتابة هذه تزيد من قيمته وليست زيادة في نفس عينه؟ فهذه لا تمنع الرجوع؛ لأنّ هذه الزيادة أمور ترغب الناس فيه فقط أما العين فهي بحالها.

هذا كل ما يتصل بالمانع الأول، وهو حصول الزيادة وما اشتملت عليه من مسائل.

المانع الثاني: موت الواهب أو موت الموهوب له؛ فلو مات الواهب امتنع الرجوع؛ لأنّ الوارث لم يقم بالهبة، والرجوع إنما للواهب والواهب قد مات، وبالنسبة للموهوب له إذا مات؛ فلأنّ المِلْك قد انتقل إلى وارثه، ومن ضمن ما انتقل إلى الوارث الشيء الموهوب؛ فكأنه انتقل في حال حياته وهذا يعتبر مانعًا من موانع الرجوع؛ فلو مات الواهب أو الموهوب له امتنع الرجوع، فكان هذا مانعًا من موانع الرجوع في الهبة.

المانع الثالث: حصول عوض عن الهبة من الموهوب له، ومعناه: أنّ الموهوب له يعوض الواهب بعوض يعبر عند تسليمه له بلفظ يعلم الواهب منه، أنه عوضه عن هبته, مثل أن يقول له: هذا عوض عن هبتك، ولو كان هذا العوض من أجنبي, أي: ليسَ بِشَرْطٍ أن يذهب الموهوب له ويعوض الواهب؛ فلو أن الشخص أجنبي وعلم بالهبة، فقال للواهب: أنت أعطيت فلانًا هبة هي كذا، فقال له: نعم، قال: هذه عوض عنها، وهو أجنبي عنها.

لو كان العوض من أجنبي أيضًا يمنع الواهب من الرجوع في هبته؛ لأنه أخذ عوضًا أيًّا كان، فليس بشرط أن يكون العوض من الموهوب له؛ لأن بدفع العوض للواهب سقط حق رجوعه.

المانع الرابع: خُروج الهِبة من ملك الموهوب له ببيع أو هبة، وهذا شيء واضح؛ لأنه لو أن الموهوب له بمجرد أن أخذ الهبة أو بعد أن بقيت عنده مدة احتاج إلى بيعها، أو وهبها لشخص آخر؛ فالملك هنا قد تبدل، أي: أصبحت بعدما كانت مملوكة للموهوب له انتقلت ملكية الهبة إلى شخص آخر، فتبدلت العين إلى مالك آخر، وهو البيع أو نحوه؛ فهذا يجعل الرجوع في الهبة ممنوعًا.

المانع الخامس من موانع الرجوع في الهبة: الزوجية وقت الهبة؛ لأن الزوجية في حال قيامها -أي: وقت أن تكون الزوجة زوجة لزوجها- تكون هبة الزوجين للآخر, وهنا يقصد بها معنى وهو: تحقق ما بينهما من ألفة ومودة، ويكون المقصود منها الصلة وقد حصل ذلك؛ فما دام حصل من ورائها المقصود يمتنع الرجوع، فلو تحببت المرأة إلى زوجها بهدية، أو تحبب هو إليها بهدية وحصل بذلك فيمتنع الرجوع ما دامت الزوجية قائمة.

وقيدنا أن تكون الهبة في وقت الزوجية؛ لأنه لو تزوجها بعدما كان وهب لها؛ فيجوز له الرجوع، ولو تزوجها هو بعد أن كانت وهبت له قبل أن يتزوجها، أيضًا كان لها الرجوع، مثل رجوعه فيما وهب لها قبل زواجه منها، أو الصورة التي نحن بصددها بالنسبة لها، هي ما إذا وهبت له قبل أن يتزوجها، كان لها أن ترجع فيما وهبت له بعد الزواج.

ولو وهب لزوجته أو وهبت له, ثم أبانها -طلقها طلاقًا بائنًا- فبالنسبة لما وهبت له أو ما وهب لها ليس له ولا لها حق الرجوع، فيما وهب هو أو هي.

المانع السادس: القرابة المحرمية, وذلك أساسه حديث رواه الدارقطني والحاكم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كانت الهبة لذي رحم محرم؛ لم يرجع فيها)), ولأن المقصود منها مع القريب المحرم صلة الرحم، وصلة الرحم قد حصلت بهذه الهبة، ورجوع الواهب فيما أعطاه لقريبه ذي الرحم المحرم قطع لهذه الصلة؛ فلا يجوز الرجوع.

المانع السابع والأخير: هلاكُ الشيء الموهوب؛ وهذا قريب من معنى خروج الهبة من ملك الموهوب له، فلو هلك الشيء الموهوب من يد الموهوب له؛ فعلى ماذا يرجع الواهب؟ لأن الرجوع يستدعي شيئًا قائمًا موجودًا، يرجع فيه الواهب وبهلاكه يتنافى الرجوع أو ينتفي الرجوع، فلو ادعى الموهوب له هلاكه يصدق الموهوب له بلا يمين؛ لأنه منكر لوجوب الرد عليه, فأشبه المودع والمودع أمين, والأمين مؤتمن ومصدق فيما يقول، فلو ادعى الموهوب له الهلاك يصدق في الهلاك بلا يمين.

error: النص محمي !!