خوف الأنصار من إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة، وأعماله بعد الفتح
ولما فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بلده الحبيب، قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه على الصفا، فلما فرغ من دعائه قال: ((ماذا قلتم؟))، قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معاذ الله، المحيى محياكم، والممات مماتكم))، وهنا وفَّى لهم صلى الله عليه وسلم بما وعدهم به ليلة العقبة، لما قالوا: أرأيت إن أظهرك الله على الناس أن ترجع إلى قومك؟ قال صلى الله عليه وسلم يومها: ((بل المحيى محياكم والممات مماتكم)) وهو أبر من وفَّى صلى الله عليه وسلم.
وكان من أعماله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح:
هو أنه جدد أنصاب الحرم، وهي الأحجار التي تحدد حدود الحِل والحَرم، وكان أول من حددها وأقامها إبراهيم صلى الله عليه وسلم علمه جبريل أماكنها ودله عليها فوضعها في أماكنها، ثم جددها قُصي جد النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يوم الفتح فجدد صلى الله عليه وسلم أنصاب الحرم، وبعث لهذا تميم بن أسد الخزاعي فقام بهذا العمل.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم بث السرايا لتحطيم الأوثان من حول مكة، وكانت قد كسرت من حول الكعبة من قبل، وأمر صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي بمكة: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنمًا إلا كسره))، هكذا كان شأن الأوثان آخر الأمر بعد أن أقامها عمرو بن لحي الخزاعي في مكة وعند الكعبة، وبثها في رجاء الجزيرة من مكة.
ولقد كان من أثر هذا الفتح العظيم وإسلام قريش أن بادرت القبائل إلى الإسلام؛ لأن فتح مكة، وإسلام قريش زعيمة الوثنية والقائمة على أمرها كان باعثًا للعرب أن يدخلوا في الإسلام؛ لأنهم ما عرفوا الوثنية إلا من مكة التي خرجت منها.