Top
Image Alt

خيار الرؤية

  /  خيار الرؤية

خيار الرؤية

وخيار الرؤية: هو حق شرعي يثبت بمقتضاه الحق في فسخ العقد، أو إمضائه عند رؤية المعقود عليه، إذا لم يكن قد رآه عند إنشاء العقد، أو كان قد رآه قبل العقد بمدة بعيدة يتغير فيها المحل غالبًا.

فعلى هذا، مَن اشترى شيئًا لم يره كأن اشترى سيارةً مثلًا لم يرها، أو رأى هذه السيارة قبل التعاقد، ولكن مضت مدة، يحتمل تغير السيارة -وهي محل العقد- في هذه المدة، فمَن فعل ذلك، كان له حق رؤية المتعاقَد عليه، فإذا رآه كان له إمضاء العقد، وكان له فسخه.

ويثبت هذا الخيار بحكم الشرع من غير حاجة إلى اشتراطه في العقد، مثله في ذلك مثل خيار المجلس، من حيث إن كلًّا منهما قد أعطاه الشرع لكل من المتعاقدين، ويختلفان في ذلك عن خيارِ الشرط، فخيارُ الشرط لا يثبت إلا إذا اشترطه أحد العاقدين أو كلاهما.

وقد اختلف العلماء في مشروعية خيار الرؤية، واختلافهم هذا ينبني على اختلافهم في مسألة بيع العين الغائبة، هل يجوز بيع عين غائبة، أو لا؟

اختلف العلماء في جواز بيع العين الغائبة، وقد اتفقوا أولًا على جواز بيع العين الحاضرة في مجلس العقد، والتي يشاهدها المتعاقدان والشهود، لكن اختلفوا في حكم بيع العين الغائبة عن مجلس العقد من غير رؤية، وذلك كأن يريد أحد أن يشتري بيتًا، ومجلس العقد في القاهرة والبيت في الإسكندرية، فلا بد أن يكون له خيار الرؤية، فنقول: إن هذا بيع أو إيجارة لعين غائبة.

فاختلفوا في جواز بيع العين الغائبة عن مجلس العقد إلى ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: ذهب الحنفية إلى جواز بيع العين الغائبة عن مجلس العقد، موصوفةً كانت أو غيرَ موصوفةٍ.

وعليه، فإن المشتري إذا رآها ثبت له الخيار، فإن شاء -بعد أن رآها- أمضَى البيع أو الإيجارة أو العقد بوجه عام، وإن شاء فسخ، لا فرقَ في ذلك بين أن يوافق المبيع الموصوف بالصفة التي وُصِف بها أم لا، يعني: هم يثبتون الخيار لِمَن تعاقد على سلعة لم يرها، حتى وإن جاءت على نفس الأوصاف التي اتفق عليها المتعاقدان.

المذهب الثاني: مذهب المالكية والحنابلة -في ظاهر المذهب- والشافعي في القديم من مذهبه: إلى جواز بيع العين الغائبة إذا كانت موصوفةً، فإذا كانت موصوفةً، ووجدها المشتري –عند رؤيتها- كما وُصِفت، فليس له حق الخيار، لكن إذا كانت على غير الصفة؛ يثبت له الخيارُ.

وذهب الشافعي، في الجديد من مذهبه، والإمام أحمد في رواية: إلى أنه لا يجوز بيع الغائب مطلقًا، موصوفًا كان أو غيرَ موصوفٍ، وعليه فلا يوجد عندهم ما يسمى بخيار الرؤية، يعني: أن الشافعي في الجديد من مذهبه، على العكس تمامًا من مذهب الحنفية، وبِناءً على هذا، فقد توسع الحنفية جدًّا في إعطاء حق خيار الرؤية؛ لأنهم أجازوا التعاقدَ على العين الغائبة، بينما رفض الشافعي ذلك من الأساس، وبناءً عليه، فهو لا يعرف خيار الرؤية.

وأما المذهب المالكي، فقد توسط، فقال: إنه يجوز بيع العين الغائبة إذا كان يمكن وصفها، وتُحدَّد بهذا الوصف، فإذا رآها المشتري، فإن كانت كما وُصفت له؛ فليس له خيار، وإن كانت على غير ما وصفت له، فله الخيار.

وللعلماء آراء في مشروعية خيار الرؤية؛ لأن ما سبق أن الخلاف في مشروعية خيار الرؤية، ينحصر في مذهبين:

المذهب الأول: ويقضي بعدم مشروعية خيار الرؤية، وهو قول الشافعي في الجديد من مذهبه.

المذهب الثاني: يقضي بمشروعية هذا الخيار، بثبوته مطلقًا في كل بيع، سواء أكان المبيع موصوفًا أو غير موصوف، تحققت الصفة حين الرؤية أواختلفت، وهذا مذهب الحنفية.

واستدل الحنفية، ومَن وافقهم على مشروعية هذا الخيار بالآتي:

بما روي أن عثمان بن عفان رضي الله  عنه باع لطلحةَ بن عبيد الله رضي الله  عنه أرضًا بالبَصرة، لم يرها واحد منهما، فقيل لطلحة: “إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أرَ، وقيل لعثمان: إنك غُبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أرَ”. فحكَّمَا بينهما جبير بن مطعم، فحكم بأن الخيار لطلحة، يعني: الخيار للمشتري؛ لأن الغالب الأعم أن البائع يعرف ما يبيع.

فالرأي المختار -بعد عرض آراء العلماء في المسألة وأدلتهم- هو ما ذهب إليه الحنفية ومن وافقهم، في إثبات خيار الرؤية؛ وهو الأولى بالاختيار.

أما قول المخالفين: بأن العقد على الغائب مشتمل على الغرر؛ نظرًا للجهالة المترتبة على عدم رؤيته، فمردودٌ بأن الجهالة المنهي عنها، هي الجهالة المفضية إلى النزاع، والجهالة لعدم الرؤية لا تفضي إلى النزاع مع وجود الخيار، فأنت لم تره، إذًا انظر إليه الآن، إن أعجبك امضِ العقد، وإن لم يعجبك افسخ العقد.

الحكمة من مشروعية خيار الرؤية:

شُرِعَ هذا الخيار إتمامًا للرضا؛ لأن علم الشيء بأوصافه مهما بُولِغَ في الوصف، ومهما احتيط في الدقة، لا يبلغ درجةَ العلم بالرؤية؛ ولذلك قالوا: وما راءٍ كمَنْ سَمِعَ.

لكن مَن الذي يثبت له هذا الخيار؟

لا خلافَ بين القائلين بمشروعية خيار الرؤية في أن هذا الخيار يثبت للمشتري.

واختلفوا في ثبوته للبائع، كأن يرِث شيئًا لم يره فيبيعه قبل الرؤية، فهل يثبت له الخيار؟

الحنابلة يقولون: هذا الخيار أيضًا يثبت للبائع في هذه الحالة، كما يثبت للمشتري؛ وهذا القول ذهب إليه أبو حنيفة فترةً من الزمن فأثبته للبائع وللمشتري، ولكن الواقع أن هذه الحالة خاصة جدًّا، والغالب الأعم أن البائع إنما يبع ما يراه.

هل للرؤية في خيار الرؤية مدة معينةً؟

اختلف الفقهاء في مدة ثبوت هذا الخيار، فبعضهم ذهب إلى أنه يثبت فور الرؤية مباشرةً؛ لأنه خيار تعلق بالرؤية، فكان على الفور كخيار الرد، وذهب البعض إلى أنه يتقدر بمجلس الرؤية، يعني: طالما كان المجلس منعقدًا فله الخيار؛ لأن العقد إنما يتم بالرؤية، فيصير كأنه عقد عند الرؤية، فيثبت فيه خيار المجلس، فإذا انتهى المجلس انتهت الرؤية.

والحق أن هذا الخيار لا يتوقف بوقت الرؤية، بل يبقى ثابتًا ما لم يطرأ عليه ما يبطله.

المراد بالرؤية:

وليس المراد بالرؤية التي يثبت بعدها الخيار، معناها اللغوي المتبادر إلى الذهن، وهو مجرد النظر، بل المراد: الرؤية للسلعة رؤيةً متعمقةً تعرف إذا كانت هذه السلعة تروق للمشتري، وهي التي يوافق عليها ويرضى بها، أو لا.

وخيار الرؤية مثله مثل ما سبق من خيارات من حيث تأثيره على لزوم العقد، فإذا ثبت هذا الخيار في عقد، جعله غير لازم في حق مَن ثبت له، فيكون له الحق في فسخ العقد، ويكون له الحق في إمضائه.

أما ما يترتب على العقد من أحكام، فلا أثرَ لخيار الرؤية في شيء منها، بل يكون العقد معه نافذًا تترتب عليه كل آثاره.

وهناك مسقطات لخيار الرؤية، كما كانت هناك مسقطات لغيره من أنواع الخيار، فما هي مسقطات خيار الرؤية؟

خيار الرؤية يبطل بما يبطل به خيار الشرط، من موت، أو عيب بمحل العقد، أو هلاك له، أو إجازة للعقد، أو فسخ بأيِّ لفظ كان، وبأيِّ فعل على نحو ما تحدثنا عنه في خيار الشرط.

error: النص محمي !!