Top
Image Alt

خيار المجلس

  /  خيار المجلس

خيار المجلس

وخيار المجلس يمكن تعريفه: بأنه حق شرعي يثبت بمقتضاه لكل واحد من المتعاقدين الحرية في فسخ العقد ما لم يتفرقَا بأبدانهما، أو يخير أحدهما الآخر فيختار العقد، يخيره يعني يقول له: اختر، إما إتمام العقد وإما الفسخ، فقد يختار العقد، ومعنى ذلك: أن العقد لا يكون لازمًا إلا بالتفرق عن مجلس العقد، أما قبل التفرق؛ فإنه يجوز لكل واحد منهما فسخ العقد وإمضاؤه، ما لم يخير أحدهما صاحبَه فيختار العقد، فإن خيره وقال له: اختر، فاختار نفاذ العقد؛ لزم العقد، وبطل الخيار.

الحكمة في مشروعية هذا النوع:

شرع خيار المجلس؛ مأمنًا للرضا، ورفقًا بالمتعاقدين؛ لأن العاقد قد يندم على العقد بأن تظهر له أمور خفية تدعوه إلى عدم إبرام العقد وإتمامه، لذا فقد منح الشارع كِلَا المتعاقدين الحقَّ في إمضاء العقد وفسخه ما دام المجلس منعقدًا؛ تداركًا لِمَا قد يستجد من أمور.

وهذا النوع من الخيار اختلف فيه العلماء، على رأيين:

الرأي الأول: وهو رأي الشافعية، والحنابلة، ومَن وافقهما، حيث ذهب هذا الفريق إلى القول بثبوته، – أعني: ثبوت خيار المجلس، ومشروعيته- وعلى هذا قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، ومَن بعدهم، ومما حكي عنه ذلك من الصحابة؛ علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وطاوس، والحسن، وغيرهم.  وعلى هذا، فإن العقد لا يلزم إلا بالتفرق عن مجلس العقد مهما طال أو بالتخاير فيه.

بينما هناك رأي آخر -هو الرأي الثاني- وذهب إليه الحنفية جميعهم والمالكية، إلا ابن حبيب منهم، حيث ذهبوا إلى القول بعدم مشروعية خيار المجلس، وأوجبوا لزومَ العقد بنفس الإيجاب والقبول، وإن لم يتفرقَا.

أما الفريق الأول:

فقد استدل ببعض الأدلة:

منها: ما رواه الشيخان بسنديهما، عن ابن عمر رضي الله  عنهما أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقَا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعَا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقَا بعد أن تبايعَا، ولم يترك واحد منهما البيعَ، فقد وجب البيع)).

أيضًا: ما روي عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه  وسلم أنه قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقًا، فإن صدقَا وبينَا، بُورِكَ لهما في بيعهما، وإن كذبَا وكتمَا، مُحِقت بركةُ بيعهما)).

والدلالة في هذين الحديثين على مشروعية خيار المجلس واضحةٌ، فالنبي صلى الله عليه  وسلم بالحديث الأول: بين انعقاد العقد مالم يتفرقَا، يعني: علَّق لزومَه على التفرق، أو أن يخير أحدهما الآخر، وفي الحديث الثاني: علق النبي صلى الله عليه  وسلم لزومَ البيع على عدم التفرق: ((ما لم يتفرقَا))، يعني: فإذا تفرقَا لزم العقد.

أما أصحاب المذهب الثاني، فقد استدلوا بالكتاب، والسنة، والمعقول:

أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ} [النساء: 29]، فالآية الأولى، والثانية، ربطت العقد بالرضا، وبين الله تعالى في الآية الأولى ضرورةَ الوفاء بالعقد ما دام قد انعقد ولم يعلقه على شيء خارجي، وفي الآية الثانية ربط العقد بالرضا، والرضا علامتُه الإيجاب والقبول فما دام ذلك قد تم؛ فقد لزم العقد.

واستدلوا على ذلك أيضًا ببعض الأحاديث الواردة في السنة؛ ومنها: قوله صلى الله عليه  وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقَا، إلا أن تكون صفقةَ خيارٍ، فلا يحل له أن يفارق صاحبه؛ خشيةَ أن يستقيله)).

فأخذوا من هذا أن الذي يمنع لزوم العقد؛ إنما هو الإيجاب والقبول، والتفرق يكون بنهاية الإيجاب والقبول، ولذلك استثنَى من هذا: ((إلا أن تكون صفقة خيار))، أما لو كان لهما الخيار دون هذا التفرق ما استثناه صلى الله عليه  وسلم.

ووجه الدلالة، قالوا: في الحديث دليل على أن المتعاقد لا يملك الفسخ في المجلس، إلا من جهة الإقالة، ولو كان خيار المجلس مشروطًا أو مشروعًا، لَمَا كانت له حاجة في الاستقالة أو الإقالة.

واستدلوا كذلك: بعمل أهل المدينة، واستدل بذلك الإمام مالك.

واستدلوا بالقياس أيضًا، فقالوا: إن البيع عقد معاوضة، فلم يكن لخيار المجلس فيه أثر؛ قياسًا على النكاح والخلع وغيرهما، من العقود التي لا يثبت فيها خيار المجلس.

وأما المعقول، فقالوا: إن خيار المجلس يشتمل على الغرر؛ لأن مدة دوام المجلس مجهولة، كما لو تبايعَا في سفينة تجري في اليم، فأشبه ذلك ما لوشرطَا خيارًا مجهولًا فلا يصح.

والراجح هو القول الأول؛ لأن الخيار فيه واضح، والتفرق أول ما يتبادر أنه تفرق بالأجسام، وراوي الحديث نفسه -وهو ابن عمر- كان إذا أراد لزوم الصفقة قام وتفرق، يعني: قام من المجلس؛ ليحدث هذا التفرق.

وأما عمل أهل المدينة، فالواقع أن كثيرًا من أهل المدينة على خلاف هذا.

وأما القياس، فهو مع الفارق، فبعض العقود لا تقبل الخيار أصلًا، ولا تقبل الفسخ أصلًا، مثل عقد النكاح وعقد الخلع، ولكن بعض العقود قد تقبل هذا مثل عقود المعاوضات.

وعلى كلٍّ فالراجح؛ هو القول الذي ذهب إلى مشروعية خيار المجلس.

وسبب ثبوت خيار المجلس: فقد اتفق القائلون بثبوت خيار المجلس على أن هذا الخيار يثبت بحكم الشرع لكلا المتعاقدين، من غير توقف في ثبوته على اشتراط العاقدين أو أحدهما له، فالشرع نفسه هو الذي أوجبه، والعقود التي يثبت فيها خيار المجلس -عند القائلين به- هي العقود اللازمة بين الجانبين القابلة للفسخ، كالبيع والصرف والسلم وغير ذلك من العقود.

ولكن لنا أن نتساءل: ما الذي ينقطع به خيار المجلس؟  

ينقطع خيار المجلس -عند القائلين به- بأحد أمور ثلاثة:

الأمرالأول: التفريق بالأبدان: إذا تفرقَا ببدنيهما فقد لزم العقد، وهذا موضع اتفاق بين القائلين بخيار المجلس، وحُكي عن بعض الشافعية أنه يشترط ألا يزيد خيارهما عن ثلاثة أيام؛ حتى لا يزيد على خيار الشرط، والعبرة في التفرق العرفُ، فإذا قرر العرف: إن هذا تفرق فهذا تفرق بالفعل، وإلا لم يكن تفرقًا.

الأمر الثاني: التخير في المجلس: إذا خيره صاحبه فاختار، فبهذا ينتهي خيار المجلس، فإذا اختار الفسخ؛ انتهى العقد، وإذا اختار إتمام العقد؛ فقد تم ولزم.

الأمر الثالث: وهو زوال الأهلية: فقد اتفق الفقهاء، من الشافعية الحنابلة، على أنه إذا فقد أحد المتعاقدين الأهلية؛ انتهى ما كان له من خيار، فمثلًا: اتفقوا على أنه إذا جُن مَن ثبت له الخيار أو أغمي عليه في المجلس، قام الولي من حاكم وغيره مقامَه في الخيار، واختلفوا في موته: فذهب الحنابلة، إلى أن الموت يبطل الخيار، وهو رأي ضعيف عند الشافعية، والمذهب عندهم انتقاله إلى وارثه؛ لأنه من الحقوق المالية، فيلحق عندهم بالتركة، ومعنى هذا: أن زوال الأهلية إذا كان بجنون، حل محل مَن له الخيار شخص آخر، لكن الراجح أنه إذا مات مَن له الخيار؛ حلَّ ورثته محله.

error: النص محمي !!