Top
Image Alt

درجة أحاديث مسند الإمام أحمد

  /  درجة أحاديث مسند الإمام أحمد

درجة أحاديث مسند الإمام أحمد

لما كان الدافع إلى تصنيف المسند المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضياع، حتى لا تضيع الأحاديث بموت حفاظها، ولما كان من مذهب الإمام أحمد العمل بالحديث الضعيف، وتقديمه على القياس إذا لم يكن في بابه غيره، ولم يكن له معارض، ولم يكن شديد الضعف، فإنه لم يقتصر في مسنده على الحديث الصحيح، بل جمع في مسنده الصحيح والحسان والضعيف الذي يصلح للاحتجاج به في بابه، وهذا ما صرح به الإمام أحمد، وشهد به أئمة الحديث بعد أن استقرءوا الكتاب، ودرسوا أسانيده ومتونه.

ومن يتعامل مع المسند يجد هذه الحقيقة واضحة جلية لا تخفى. قال الإمام أحمد لابنه عبد الله: “قصدت في المسند الحديث المشهور، وتركت الناس تحت ستر الله، ولو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه”.

قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسن الفراء عقب هذا القول: “وقد أخبر عن نفسه كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلًا للصحة، فقد خالفه وترك مقصده”.

قال أبو موسى المديني: “قال الذهبي: قال حنبل: جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله، وقرأ علينا المسند، ما سمعه غيرنا -يعني: كاملًا- وقال الإمام أحمد: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة”.

قال الحافظ ابن حجر: “فهذا قول صريح في أن الإمام أحمد انتقى أحاديث المسند، ولو وقعت فيه الأحاديث الضعيفة والمنكرة فلا يَمنع ذلك صحة هذه الدعوى؛ لأن هذه أمور نسبية، بل هذا كاف فيما قلناه أنه لم يكتف بمطلق جمع حديث كل صحابي”.

قال أبو موسى المديني: “قال الحافظ الذهبي في التعقيب على قول حنبل هذا: هذا القول منه على غالب الأمر، وإلا فلنا أحاديث قوية في الصحيحين والسنن والأجزاء ما هي في المسند، وقدَّر الله أن الإمام قطع الرواية قبل تهذيب المسند، وقبل وفاته بثلاث عشرة سنة، فتجد في الكتاب أشياء مكررة، ودخول مسند في مسند، وسند في سند وهو نادر.

قال الحافظ أبو موسى المديني: أما دخول مسند في مسند فواقع، وقد بينته في كتابي (المسند الأحمد). وأما قوله: فما اختلف فيه من الحديث رجع إليه وإلا فليس بحجة، يريد أصول الأحاديث وهو صحيح؛ فإنه ما من حديث غالبًا إلا وله أصل في هذا المسند، وأما دخول سند في سند فلا أعلمه وقع فيه، ولا شك أن الإمام أحمد مات قبل ترتيبه وتهذيبه”.

قال الإمام الذهبي: “في الصحيحين أحاديث قليلة ليست في المسند، لكن قد يقال: ألا ترد على قوله: فإن المسلمين ما اختلفوا فيها، ثم ما يلزم من هذا القول أن ما وُجد فيه يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها، وفيه أحاديث معدودة شِبْه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر، والله أعلم”.

هل شرط الإمام أحمد ألا يُخَرِّج في مسنده إلا الصحيح من الحديث، كما زعم أبو موسى المديني؟

قال الحافظ ابن حجر متسائلًا: “ما المراد بالصحة هنا؟ إن قيل باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها، أي: شروط الحديث الصحيح، فلا يمكن دعوى ذلك في المسند، مع ما فيه من الأحاديث المعلة والمضعفة، وإن قيل باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث، ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها شديدًا -كما تقدم في الكلام على سنن أبي داود- فهذا يمكن دعواه”.

قال ابن الجوزي: “كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح؟ فقلت: نعم، فعظم ذلك على جماعة يُنسبون إلى المذهب، إلى أن قال: فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء، ثم هو قد رد كثيرًا مما روى ولم يقل به، ولم يجعله مذهبًا له، أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ: مجهول؟!

ومن نظر في كتاب (العلل) الذي صنفه أبو بكر الخلال، رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند، وقد طعن فيها الإمام أحمد، ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسن الفراء في مسألة النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم، ويدل على ذلك أن عبد الله قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خُرَاش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رَوَّاد؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه. قلت: فقد ذكرتَه في المسند. قال: قصدت في المسند المشهور، فلو أردتُ أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه”.

قال الحافظ العراقي: “إنا لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه، والذي رواه أبو موسى المديني بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال: انظروه، فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة، وهذا ليس صريحًا في أن جميع ما فيه حجة، بل فيه أن ما ليس في كتابه ليس بحجة، على أن ثَم أحاديث صحيحة مخرَّجة في الصحيح، وليست في مسند أحمد، وأما وجود الضعيف فيه فهو محقَّق، بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء”.

وقد ضعف الإمام أحمد نفسه أحاديث فيه، فمن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: “رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوًا” وفي إسناده عُمارة وهو ابن زاذان. قال الإمام أحمد: “هذا حديث كذب منكر. قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير”. وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في (الموضوعات) وحكى كلام الإمام أحمد المذكور.

error: النص محمي !!