Top
Image Alt

دور العمالة المهاجرة في التنصير

  /  دور العمالة المهاجرة في التنصير

دور العمالة المهاجرة في التنصير

تحدثنا عن بعض نشاطات المبشِّرين عن طريق أجهزة الإعلام، وخاصّة الصحافة في مصر، وتناولنا مؤسّسة جورجي زيدان -وهي: دار الهلال- ومؤسّسة “الأهرام” في بداية نشأتها؛ لكن بالتأكيد قد طرأ نوع من التطور والتغيير في وسائل ووظيفة هذه المؤسّسات فيما بعد، خاصة بعد قيام الثورة المصرية سنة 1952م، فأصبح نشاطها وطنيًّا مصريًّا؛ لأن الدولة قد وضعت يدها، وغيّرت مناهجها، وغيّرت موظّفيها، وأخذت تأخذ خطًّا وطنيًّا لصالح العرب ولصالح أبناء الشعب المصري.

أريد أن أضع أمامكم بعض الوسائل الغائبة عنّا في هذه المنطقة، وهي تقوم بوظيفة تبشيرية على جانب كبير من الأهمية. هذه الوسيلة التي لم نُعِرْها اهتمامًا: ما يطلَق عليها: العمالة المهاجرة تحت حراسة الكنيسة. وأقصد بالعمالة المهاجرة هنا: العمالة الآسيوية المهاجرة طلبًا للرزق، أو تحت ستار طلب الرزق إلى بعض دول الخليج العربي؛ إذ من المعلوم أنّ منطقة الخليج العربي أصبحت في العقود الأخيرة من أهمّ مناطق العالم المعاصر بالنسبة لجذب العِمالة من الخارج؛ نظرًا لظروفها الاقتصادية والاجتماعية التي تغيّرت تغيرًا جذريًّا في النصف الأخير من القرن العشرين، وأصبحت محلّ أنظار العالم كلّه شرْقِه وغربه، ويحاول الجميع أن يسعى إلى هذه المنطقة، إمّا طلبًا للرزق، وإمّا تحقيقًا لأهداف معيّنة هو يطلبها.

ولقد عُقد في بيروت في سنة 1979م مؤتمرٌ نظّمتْه إحدى الهيئات التبشيرية، وكان من أهمّ ما عُرض في هذا المؤتمر، أو من أهم القضايا التي عُقد من أجْلها هو: عرْض أوضاع منطقة الخليج عرضًا كاملًا، وأن تبحث أوضاع هذه المنطقة بحثًا اجتماعيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا، ودوْر العمالة المهاجرة إليها، وهل يمكن أن تنهض بالعبء الذي تُوظّف من أجْله أم لا؟ ولاحظتْ هذه الهيئة أنّ ثمانين في المائة من سكان هذه المنطقة هم في الأساس كانوا من العمالة المهاجرة. لا تنسَوْا أنّ هذا المؤتمر عُقد سنة 1979م، يعني: منذ ما يقرب من ربع قرْن، لاحظت الجماعات التي تقدّمت ببحوث إلى هذا المؤتمر: أن نسبة عدد السكان الأصليِّين -وهم العرب- إلى نسبة المهاجرين إليها تساوي: واحد إلى خمسة، وثمانون في المائة من سكان هذه المنطقة كانوا في الأساس من العمالة المهاجرة، وأنّ أوضاع هذه العمالة تدعو للقلق، ولا بد من الاهتمام بها وبدوْرها الإيجابي في تغيير الشكل السكاني للمنطقة. وترتّب على هذا الموقف، وعلى القرارات التي انبثقت عن هذا المؤتمر: أن أعَدَّت هذه الهيئة دراسة مستقلة عن الشكل السكاني لمنطقة الخليج، وعن محاولة التعرف على نسبة العمالة المهاجرة إليها بشيء من الدِّقة، وعن الديانات المختلفة لهذه العمالة. وقام بعض القسس بتنظيم زيارات متكرّرة لبعض دول الخليج، والعمل على تأمين العمل لبعض القسس والمربِّين المسيحيِّين الذين يتكلّمون اللغة العربية لقيادة العِمالة المسيحية المهاجرة إلى هذه المنطقة، وأن تعمل تحت ظل هذه الكنيسة.

ولقد أعدّت أمانة السِّر المنبثقة عن مؤتمر الكنائس العالمي وثائقَ عن هؤلاء المهاجرين، ودرسوها بعناية فائقة، وبدءوا يعملون على أساسها. وبناء على هذه الدراسة، أعلن مؤتمر الكنائس سنة 1975م: أنه يجب على الكنائس أن تدافع عن حقوق هؤلاء العمّال المهاجرين إلى دول الخليج، وأن تسعى لدى الحكومات القائمة لتحسين أوضاعهم. ولقد أنشأ هذا المؤتمر لجنة خاصة لمتابعة أحوال هذه العمالة، ومتابعة تنفيذ القرارات التي صدرت عن هذا المؤتمر بشأنها، ثم أجرى عملية استطلاع للرأي حول هذه الأمور الآتية:

  1. مدى استجابة الأسرة الدولية لنداء مؤتمر الكنائس العالمي المنعقد في إفريقيا وفي آسيا وفي الشرق الأوسط بخصوص هذه العمالة المهاجرة، وبخصوص حقوقها التي نصّت عليها وثائق الأمم المتحدة المتعلِّقة بحقوق الإنسان.
  2. البحث عن أيسر السبل لمتابعة أحوال هذه العمالة المهاجرة في دول الخليج، ومحاولة الوقوف على بعض الصعوبات التي يشكون منها، والعمل على حلّ هذه الصعوبات عن طريق الاتصال بالحكومات القائمة.
  3. ثم البحث عمّا يأتي:

كيف يمكن للكنائس البروتستانتية والكاثوليكية والأرثودكسية أن تؤمِّن رسالة العمالة في منطقة الخليج لهؤلاء العمال. وقدّرت هذه الهيئة عدد العمال المسيحيين المهاجرين إلى منطقة الخليج رجالًا وإناثًا في جميع مستويات العمالة، ما بين عمالة فنية، وعمالة يدوية، وعمالة علمية أحيانًا، وجدوا أن هذه العمالة يتراوح عددها بين اثنيْن ونصف وثلاثة مليون مسيحي، معظمهم من دول آسيا وقليل منهم من إفريقيا.

ولقد أعدّت هيئة الأمانة العامة للهجرة في مؤتمر الكنائس العالمي وثائق عن هؤلاء المهاجرين لدراستها، والعمل على أساسها؛ لكي يكون العمل منظمًا. ثم قرّر المؤتمر العام للكنائس سنة 1975م: أنه يجب على الكنائس المختلفة -خاصة التي لها فروع في بلاد الخليج العربي: أن تدافع عن حقوق العمالة المسيحية المهاجرة إلى هذه المنطقة، والعمل على تحسين أحوالهم. ولا ننسى أننا تحدثنا في لقاء سابق: أنّ أول إرسالية تبشيرية في دول الخليج كانت إرسالية بروتستانتية تعمل تحت حماية الاحتلال البريطاني، وكان يشرف عليها الكنيسة البروتستانتية في أمريكا.

ثم صدر حديثًا كتابٌ مهمّ جدًّا عن منظمة عالمية مسيحية تعمل في باكستان، عنوان هذا الكتاب: (صلّ يوميًّا لنشر المسيحية في منطقة الخليج). ولتقوية الكنيسة بين العمالة المهاجرة، وخاصة القادمين إلى هذه المنطقة من باكستان، كان من بين الصلوات المطلوبة: أن يصلّوا من أجل فتح مركز للدارسين للإنجيل بالمراسلة من باكستان والهند لتنمية برامج الإذاعة الموجّهة إلى هذه المنطقة.

وممّا سهّل للمبشرين عملَهم في هذه المنطقة: أنهم كانوا يعتمدون في تنفيذ برامجهم على هذا العدد الضخم: 2.5 إلى 3 مليون عمالة غير مسلمة، بالإضافة إلى أنّ آخر إحصائية لعدد المبشّرين في الشرق الأوسط قد بلغ 1300 مبشّر يعملون في هذه المنطقة. ويذكر الإنجيليون: أنّ عدد المبشرين في منطقة الخليج وحدها تقريبًا حوالي أربعين في المائة من هذا العدد، موزّعين على المحميّات البريطانية المطلّة على الخليج التي انبثق عنها ما يسمّى بدول الخليج الآن. كما أن هناك عددًا كبيرًا منهم يعملون في المجالات الفنية والصناعية دون أن يعلنوا عن هويّتهم، وليس من السهل التعرف على طبيعة نشاطهم.

وقد تكلّمنا أيضًا في لقاء سابق: أنّ الكنيسة البروتستانتية في البحرين قد انبثقت عنها فروع في معظم الدول الخليجية المطلّة على الخليج العربي الواقع في شرق الجزيرة العربية.

هذه بعض الملامح العامة التي ينبغي أن تلفت نظرنا لأهمية هذه القضية؛ لأن العمالة الموجودة في دول الخليج، لا أقول كلّها، وإنما معظمها ليس القصد من حضوره في هذه المنطقة هو طلب الرزق، وإنما هناك أعمال أخرى معلّقة بوجود نوعيّة معيّنة من هذه العمالة، ويكفي أن نعلم -وأنا كنت واحدًا من الذين زاروا بعض الجامعات العربية في دول الخليج: أن سيدات البيوت كنّ يستقدمْن العمالة من الفِلبّين، من ماليزيا، من باكستان والهند، ثم تغيب عن البيت لحظة، وتحضر فجأة فترى أنّ العاملة الفلبينية أجلست أمامها أطفال البيت، وأخذت تعلِّمهم وتعوِّدهم على شعائر وطقوس العبادات المسيحية. بعضهم كان يعلِّم الأطفال كيف يضع يده على جبهته ثم على صدره يمينًا ويسارًا، ثم يقرأ بعض التراتيل؛ بل إنّ البعض دخل في بيته فوجد العاملة أوقدت بعض النيران وجلست أمامها؛ تعلِّم الأطفال كيف تقدِّس هذه النار، وكانت عاملة هندية.

إذن أنا أنبِّه وألفت النظر إلى ضرورة -على الأقل- التحفظ في استقدام العمالة المهاجرة إلى هذه المنطقة، ومحاولة التعرف على نشاط هذه العمالة، خاصة الذين يعملون داخل البيوت، والذين يقودون السيارات لبعض الأُسَر ذات اليسار في هذه المنطقة. هذه نقطة كان لا بد أن أتوقّف أمامها.

error: النص محمي !!