Top
Image Alt

دور نصارى لبنان في النشاط التنصيري في مصر

  /  دور نصارى لبنان في النشاط التنصيري في مصر

دور نصارى لبنان في النشاط التنصيري في مصر

أيضًا أجد من الضروري: أن أشير إلى بعض الوسائل التي قامت بدَوْر كبير في النشاط التبشيري في بلادنا العربية، خاصّة من وسائل الإعلام ذات الشهرة التاريخية في منطقتنا العربية:

لقد قامت بعض الصحف بأخطر الأدوار التبشيرية في مصر على وجه الخصوص، وفي العالم العربي على وجْه العموم. نحن نعلم: أن بعض اللبنانيِّين -الموارنة بالذات- قد هاجروا إلى مصر بدعوى زائفة ومكشوفة في بداية القرن العشرين، وهي: طلب الأمان في مصر، بلد الحرية وبلد النور. طلب الأمان من ماذا؟ من الظلم والطغيان الذي كانوا يعانونه في بلادهم، وبلادهم هي لبنان. هكذا كانوا يبررون هجرتهم إلى مصر. ولكن قد أثبت الواقع التاريخي عكس ذلك تمامًا؛ فقد كان الموارنة الذين هاجروا إلى مصر بالذات معظمُهم من خريجي الأدْيِرة والكنائس والمدارس التبشيرية، الذين حملوا معهم بذور الفتنة وأساليب التنصير في ربوع مصر، وأخذوا يباشرون نشاطهم تحت حماية الاستعمار الأجنبي، الذي كان مسيطرًا على كلّ مرافق الحياة في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين، إلى تاريخ قيام الثورة المصرية، من 1882م إلى أن رحل في عهد الثورة المصرية.

وكان نشاط الموارنة شديد الأثر جدًّا؛ لأنه هيّأ الوجدان المصري للاستعمار الثقافي. ولقد أشار إلى هذه الحقيقة: المؤرخ الأمريكي “بيتر جران”؛ حيث قال: “لقد سعَت فرنسا إلى زرع فئة من التجار المارونيِّين الشوام في الإسكندرية ودمياط ورشيد، تحت حماية النفوذ الأجنبي”.

من الذي يصرح بهذه الحقيقة؟ المؤرخ الأمريكي “بيتر جران”. وكان لهؤلاء بعض الصحف التي أطلق عليها الشيخ عبد الله النديم: “صحف الأُجراء”. وكان يسمي ما ينشرونه فيها بـ”القاذورات”، هذه هي عبارة المؤرخ الأمريكي.

وقام “جورجي زيدان” بتأسيس دار الهلال بمصر، وهي مؤسسة تبشيرية خالصة. وكذلك أنشئوا مجلة (الكاتب المصري)، وقيل: إنها تأسست بأموال صهيونية. وعليكم أن تراجعوا الأفكار الثقافية التي نُشرت في هذه المجلة في أوائل عهدها.

ولا ينبغي أن ننسى: أنّ جريدة الأهرام قد تأسست بأيد صليبية خالصة، وكان من بنود تأسيسها: ألا يعمل فيها إلا النصارى، ولا يقوم بتوزيعها إلا النصارى. وكان من أكبر مؤسسيها: أولاد “تقلا”: بشارة تقلا وإخوانه الذين هاجروا إلى مصر سنة 1873م تحت حماية الحملة الفرنسية. وكان صاحب دوْر كبير في تأليب الإنجليز ضدّ أحمد عرابي.

هذه أمور ينبغي أن نعرفها لأنها تاريخ. وكان قلم بشارة تقلا مدافعًا عن الإنجليز أحيانًا، وعن الفرنسيين أحيانًا أخرى. ولقد سجّل الزعيم العربي أحمد عرابي في (مذكراته): كيف خدعه بشارة تقلا -مؤسس جريدة الأهرام في مصر. فقد كان مؤمنًا بمبادئ عرابي أو هكذا كان يدّعي ويتظاهر. يقول أحمد عرابي: “وبعد ساعة -يعني: بعد ساعة من دخول الإنجليز مصر- جاء بشارة تقلا هذا ليزورني، محرّر جريدة الأهرام آنذاك. وظننتُ أنه قدِم ليعزِّيني، ويبدي عواطفه نحوي؛ لأنه قد أقسم بدينه وشرفه أنه واحد منا، وأنه يعمل لحرية وطننا. ولكنه لما دخل علي، توقّح أشد التوقح، ثم قال: “إيه عرابي! ماذا فعلت؟ ماذا حلّ بك؟”. ورأيت أنّ الرجل خائن لا محالة”. ثم يستطرد الزعيم أحمد عرابي في وصف لقائه ببشارة تقلا هذا، الذي عاون الإنجليز، وعاون الفرنسيين بقلمه ضد أحمد عرابي.

والدوْر الذي لعبه هؤلاء -أولاد تقلا هذا- لا يقلّ عنه ما قامت به مؤسسة جورجي زيدان في مصر. فتحت ستار التنوير والنهضة والتقدمية، زلزلت كثيرًا من ثوابت الأمّة ومن قيَمها في الشارع المصري الحديث. واستطاعت أن ترسِّخ في وجدان الأمّة العربية كثيرًا من الأحاديث، وتعمل على الترويج لها، مثل قولهم: بأن الحملة الفرنسية هي بداية عصر النهضة في مصر. وللأسف الشديد راج هذا على كثير من حمَلة الأقلام، ومن مثْل دعواهم: أن الخلافة العثمانية تمثِّل عصر الظلام؛ هكذا أيضًا راج على كثير من حمَلة الأقلام في مصر. نحن لا ننكر أنّ الخلافة العثمانية في آخِر عهدها وقعت في كثير من الأخطاء، لكن لا ننسى أن الخلافة العثمانية ظلت رمز وحدة الأمة الإسلامية خمسة قرون متتالية.

كما روّج جورجي زيدان وأنصاره: أن اتّصالنا بفرنسا هو الذي علّمنا معنى الحرية، وأنه أخذ بيدنا إلى سلّم الحضارة. أرأيتم هذه القيَم؟ وهذه الأفكار روّج لها جورجي زيدان ورفاقه الذين أسّسوا دار الهلال في مصر، وجعلوا منها منبرًا لنشر هذه الأفكار التي تعمل على محوريْن:

المحور الأوّل: زلزلة ثوابت الأمّة من جانب، بإثارة الشكوك والشبهات، ثم تزيين الفكر الغربي والثقافة الغربية، ومحاولة تقليد الغرب، ومناداة وطرح البديل الغربي بديلًا عن الفكر الإسلامي من جانب آخَر.

وأظن مَن يتابع القائمين على أمر هذه المؤسسة -مؤسسة الهلال- يَعلم يقينًا: أنها منذ تأسيسها إلى هذه اللحظة ما زالت تتبنّى الفكر الغربي وتدعو إليه، تحت ستار التنوير والتقدمية. وهي أُسِّست خصيصًا للنشاط التبشيري في مصر. وإذا راجعنا بعيْن تاريخية ناقدة ما تولّت نشره مؤسسة الأهرام في أوّل عهدها، ومَن كانت تستكتبهم من أسماء وأعلام، وما كان ينشر لهم في هذه المؤسسة، نستطيع أن نقول بيقين: إنّ هذه المؤسسة قد قامت بدور تبشيري تغريبي في المنطقة العربية لا يقلّ أبدًا عن دوْر المستشرقين، ولا عن دوْر المبشِّرين الذين كانت وظيفتهم الأساسية هي التبشير؛ ولذلك نحن نَعُدّ هذه المؤسسة ذات هدف تغريبي تبشيري في منطقتنا العربية.

وإلى هنا أجدني في حاجة إلى التوقف؛ لأنني مضطر أن أبدأ في قضية جديدة تتعلق بالنشاط التبشيري، ووسائل المبشِّرين في منطقتنا العربية؛ ولذلك أتوقف هنا لأتناول هذه الوسيلة الأخيرة بشيء من التفصيل. وأدعوكم إلى مراجعة هذه المعلومات بشيء من التفصيل في كتاب: (تيارات فكرية معاصرة)، وكتاب: (أجنحة المكر الثلاثة)، وكتاب: (التبشير والاستعمار). الكتاب الأول: (تيارات فكرية معاصرة) تأليف: محمد السيد الجليند، خاصة الصفحات من 71 إلى 103. وكتاب: (أجنحة المكر الثلاثة) تأليف: عبد الرحمن حسن الميداني الصفحات: 82 ، 61، 63. وكتاب: (التبشير والاستعمار) تأليف: د. مصطفى خالدي، ود. عمر فروخ، في مواضع متعدّدة منه؛ بل إن الكتاب كلّه في علاج هذه القضية.

error: النص محمي !!