ذكر الأدلة على إمكان البعث ووقوعه
قد تقدم الكلام على إثبات البعث، والأدلة النقلية والعقلية على ذلك، وذكرنا مسالك القرآن الكريم في إثبات البعث، وإتمامًا لذلك، وزيادة في التفصيل لبعض المسائل المتعلقة بالبعث:
ذكر الأدلة على إمكان البعث ووقوعه:
يجب الجزم شرعًا أن الله -تعالى- يبعثُ جميع العباد، ويعيدهم بعد إيجادهم بجميع أجزائهم الأصلية، وهي التي من شأنِهَا البقاء من أول العمر إلى آخره، ويسوقهم إلى محشرهِم لفصل القضاء؛ فإن هذا حقٌّ ثابتٌ بالكتاب والسنة وإجماع السلف، مع كونِهِ من الممكنات، التي أخبر بها الشارع، وكل ما هو كذلك فهو ثابت، والإخبار عنه مطابق، والأصل فيما لا دليل على وجوبه، ولا على امتناعه الإمكان، كما يقوله الحكماء والمتكلمون، من أن كل ما قرع سمعك من الغرائب قدره في حيز الإمكان ما لم يردك عنه قائم البرهان. فمن زعم عدم إعادة المعدوم ألزم بالمبدأ؛ فإن المعاد مثل المبدأ، بل هو عينه أو أيسر كما لا يخفى.
ومما هو معلوم؛ فإن الأنبياء تأتي بما تدركه العقول أو تتحير فيه، ولا تأتي بما تحيله العقول أبدًا، فتأتي بمحارات العقول، لا بمحالات العقول.
وإمكان المعاد إما لأنه إيجاد ما انعدم، أو جمع ما تفرق، أو إحياء ما أميت، وهذه كلها ممكنة لا إحالة في شيء من ذلك أصلًا، مع ما تواتر من أخبار الأنبياء، والكتب السماوية؛ ولا سيما في القرآن العظيم، والذكر الحكيم ما لا مزيد عليه مثل: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ} [النحل: 38]، {قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ} [التغابن: 7]، {ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16] {فَإِذَا هُم مّنَ الأجْدَاثِ إِلَىَ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس: 51]، {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ} [الإسراء: 51]، {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نّجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَىَ قَادِرِينَ عَلَىَ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4]، {يَوْمَ تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44] {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]، {كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ} [الأنبياء: 104]، {أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَاواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [يس: 81]، {وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.
وأما الأحاديث فكثيرة جدًّا أيضًا، ففي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: ((إنكم ملاقوا الله حفاة عراة غرلًا)) زاد في رواية: ((مشاة)) وفي رواية فيهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: ((يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاةً عراةً غرلًا {كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ} …)). والغُرْل: بضم الغين المعجمة، وإسكان الراء، جمع أغرل، وهو الأقلف.
ومثله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فقلت: الرجال والنساء جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: ((الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)).