Top
Image Alt

رأي الأحناف في الأشربة المتخذة من غير العنب، والراجح من أقوال العلماء فيها

  /  رأي الأحناف في الأشربة المتخذة من غير العنب، والراجح من أقوال العلماء فيها

رأي الأحناف في الأشربة المتخذة من غير العنب، والراجح من أقوال العلماء فيها

إن الخلاصة عند فقهاء الحنفية، أن الشراب من الخمر المتخذ من العنب يوجب الحد مهما كان حجم المشروب، أما من غير الخمر، مما كان متخذًا من مختلف الأشربة، فإن ذلك لا يوجب الحد إلا إذا حصل الإسكار، ولهم على هذا أدلة.

فقد استدل فقهاء الحنفية لصحة ما ذهبوا إليه بجملة من الأخبار، ما بين مرفوع، وضعيف؛ حيث أخرج الإمام أبو حنيفة في مسنده، عن ابن عباس قال: ((حرمت الخمر قليلها وكثيرها، وما بلغ السكر من كل شراب)) وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب))، وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اشربوا، ولا تسكروا”، وفي روايات أخرى كثيرة محل استدلال فقهاء الحنفية.

ومن تلك الأدلة، ما ورد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة، والعنبة)) إلى غير ذلك من الأدلة.

يبقى لنا أن نقول: ما هو الرأي الراجح من بين هذين الرأيين؟ رأي الجمهور، أو هو رأي فقهاء الحنفية؟ ولعل الراجح من هذا، هو ما ذهب إليه عامة أهل العلم في هذه المسألة.

وقول الحنفية، لا تخلو الأدلة عندهم من كلام، ومن ثم نقول: إذا تطرق إلى الدليل وَهْمٌ أو شك أو تضعيف، فإنه لا ينهض أن يكون دليلًا في محل النزاع، ومن ثم فلا ينبغي التعويل عليه كثيرًا؛ لضعف حجته، خاصة في تلك الأيام، وفي هذا العصر الذي تغلو الحضارات، والمجتمعات الراهنة، تنبيه الشاردة عن منهج الله -تبارك وتعالى- غلوًّا عظيمًا، وهي تصطنع للخمر مسميات لا تغني من حقيقة المسألة شيئًا، ولا تفلح في التمويه على حقيقة الخمر المسكر بمثقال ذرة؛ إذ هي مسميات فاسدة متكلَّفة، لا جرم أن يتبادر منها للإنسان السوي، وللحس الإسلامي الواعي، قطعية التحريم دون تردد أو شك؛ لأنها أسماء كثيرة مصطنعة، تحمل مقصودًا واحدًا دون سواه، وهو الخمر المسكر، الخمر الذي يذهب بالعقل، والذي يتبلد معه الحس والضمير والوجدان؛ لينقلب معه السكران إلى كائن مترنح مضطرب، كائن متلجلج، قد خامر السكر عقله ودماغه وأعصابه، حتى بات يهذي هذيان الأحمق والمعتوه من غير ضابط، ولا وازع، فسموه بأسماء مترادفة لا تتجاوز الخمر في جوهره وتأثيره ومضمونه، كمسميات: “البيرة، والنبيذ، والكنياك، والشمبانيا، والويسكي”، وغير ذلك من المسميات الفاضحة المخزية، التي لا تعني غير الخمر بذاته وعينه ومضمونه.

وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جامع معبر: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)) وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رءوسهم المعازف، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم قردة وخنازير)).

ويعزز ذلك مقالة عمر في تعريف الخمر على الجملة عندما قال: “الخمر ما خامر العقل”، وبناءً على ذلك فكل ما خامر العقل، وأثر فيه بالإسكار يعتبر خمرًا، بغض النظر عن جنسه، أو المادة التي أُخذ منها.

أيضًا ورد عن ابن عمر رضي الله عنها قال: خطب عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل)).

يضاف إلى ذلك ما بينه في أدلة الجمهور، من الأخبار الصحيحة الدالة على قطعية التحريم لشرب ما قل أو كثر من أيِّ مادة تتضمن إسكارًا، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)).

وبذلك وبناءً على ما تقدم، لا يبقى أدنى مجال للشك في صحة ما انتحاه عامة العلماء من تحريم المسكرات، مهما تنوعت أسماؤها وصفاتها، ومهما تفنن العصاة والآثمون والفجرة في تسميتها، سواء منها ما كان مأخوذًا من العنب، أو التمر، أو التين، أو العسل، أو غير ذلك من المخدرات كالحشيش، والأفيون، وغير ذلك من المسميات الحديثة.

أما الحشيش، والأفيون فإنهما محرَّمان، وإن شربهما يوجب الحد لا محالة، فهما صنفان من المخدرات التي تورث الفتور والضعف والخور، فضلًا عن ستر العقل والأعصاب، والجهاز التنفسي بأغشية من الخدر والخمور والاسترخاء، هذا فيما يتعلق عن الرأي الراجح، أو الأولى بالاختيار.

error: النص محمي !!