رؤساء أمريكا يتعهّدون بالوطن القومي لليهود ومناصرته
ماذا نجد في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وحديثنا عن النشاط الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية الآن سوف نركّز فيه على: كيف تسلّلوا إلى الاستيلاء على المناصب. أما عن نشاط الحركة الصهيونية بشكل عام في أمريكا، فهذا له موطن آخَر.
نستطيع أن نلحظ في عهد الرئاسات المتوالية في الولايات المتحدة الأمريكية: أيّ مدًى استطاعت الصهيونية أن تؤثِّر على القرار السياسي في أمريكا من خلال استيلائها على المناصب القيادية في هذا البلد.
ففي عهد الرئيس “ويلسون”، كان مستشاره للشئون الاقتصادية: اليهودي الصهيوني “برناردو باروخ”، وكان مستشاره للشئون المالية: اليهودي الصهيوني “هنري مورجانتو”، وكان مستشاره للشئون السياسية: اليهودي الصهيوني الكولونيل “مانديل”، وكان مستشاره في القانون الدولي: اليهودي الصهيوني “ولتر ليمان”، ومستشاره القضائي: اليهودي الصهيوني “جيمس لويس”. وأكثر من هذا: كان كبير المستشارين السياسيِّين: المليونير اليهودي الصهيوني “فرانكفورت”. هذا في عهد الرئيس “ويلسون”.
وفي عهد “روزفلت”، كان اليهودي “برنارد باروخ” مستشاره الاقتصادي، و”هنري مورجانتو” مستشاره المالي … إلى آخره.
نجد أن الهيئة الاستشارية لـ”روزفلت” تقريبًا كانت هي هي نفس اللجنة الاستشارية التي كانت في عهد “ويلسون”، والذي تغيّر أو استبدل فيهودي استبدل بيهودي وصهيوني استبدل بصهيوني. ولا ننسى أن الرئيس “روزفلت” نفسه كان يهودي الأصل صهيوني السلوك؛ ولذلك جمَع في عهده أكبر عدد ممكن من اليهود في دوائر الحكومة الأمريكية، ويسّر لهم كلّ سُبل العيش وسُبل السيطرة على اقتصاديات البلاد في أمريكا. كما أخذت نجمة داود وسليمان تحتلّ مكانتها في الدوائر الأمريكية، وخاصة على الطابع البريدي، وعلى أختام البحرية الأمريكية، وعلى طبعة الدولار الجديد، وميدالية رئيس الجمهورية، وغطاء الشرطة، وإشارة الصدر التي كان يضعها العمدة في كثير من المناطق.
هذه ربَّما تكون أشياء لا تلفت النظر، لكن لها دلالتها المهمة جدًّا.
“روزفلت” رئيس أمريكي، ما علاقة أمريكا بالحركة الصهيونية حتى تتَّخذ من نجمة داود شعارًا للدوائر الحكومية، وتجعلها شعارًا على الطابع البريدي، وعلى أختام البحرية الأمريكية، وعلى طبعة الدولار، وعلى ميدالية رئيس الجمهورية، وعلى غطاء الرأس للشرطة، وإشارة الصدر التي يضعها العمدة في كثير من الولايات الأمريكية ما علاقة هذا بذاك؟ أليست هذه أمور، وإن كانت تبدو في نظر البعض هينة، إلّا أنها تدلّ على ما في قلب “هرتزل” من ولاء وعقيدة صهيونية يحاول أن يُشعر بها بني وطنه، ويلفت نظرهم إلى ضرورة التمسك بهذه الشعارات والولاء للحركة الصهيونية.
إذا انتقلنا إلى “ترومان” الذي جاء بعد “روزفلت”، نجد أنه كان يهودي الأصل صهيوني السلوك، تظاهر بالمسيحية ولكنه لعب دورًا بالغًا في التمكين لليهود في أمريكا، وخاصة في وزارات الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد، وفي (CIN) وفي المخابرات الأمريكية. كما أنه وضع كثيرًا منهم خبراء له في السفارات الأمريكية في البلاد الخارجية.
ثم جاء “أيزنهاور” وهو من سلالة يهودية، كما أنه كان عضوًا في جمعية “بناي برس” الصهيونية، وصديقًا لجماعة “شهود يهوه” الصهيونية، كما نال الدرجة 33 من الماسونية العالمية؛ وهي أسمى الدرجات في تلك الحركة الماسونية. ولا تنسوا أننا قلنا في لقاء سابق: إن الماسونية والصهيونية وجهان لعملة واحدة. وقد تمكَّن اليهود في عهد كلّ من “روزفلت” و”ترومان” و”أيزنهاور” و”كيندي” و”جونسون”: أن يشرفوا على النشاط الذري في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن يكونوا أعضاء عاملين في نوادي وجمعيات ومؤسّسات النشاط النووي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا شك أنّ رؤساء أمريكا المعاصرين قد تأثّروا بالصهيونية وتضامنوا معها إلى حد كبير، وأجِدُني مضطرًّا إلى أن أضع أمامكم هذه القضية.
في عصرنا الحاضر، نجد أن بعض الرؤساء الذين ما زالت أسماؤهم وأصواتهم تتردّد في أجهزة الإعلام العربية والإسلامية والصهيونية، يعلنون ولاءهم للحركة الصهيونية، مع أنهم يعتنقون الديانة المسيحية والمذهب البروتستانتي.
وجدنا الرئيس الأمريكي السابق “جيمي كارتر” وهو أحد ممثِّلي الاتجاه الصهيوني الصليبي، نجده في كثير من المواقف الأمريكية المعاصرة يعلن ولاءه للحركة الصهيونية ولإسرائيل. وكان يرى كرئيس دولة: أن إسرائيل هي أولًا، وهي قبل كل شيء، وأنّ عودتها إلى الأرض التوراتية التي أُخرجوا منها منذ مئات السنين هي مهمّة أمريكية بالدرجة الأولى. أرأيتم؟!
“إن إنشاء دولة إسرائيل -هكذا يقول “كارتر”- هو إنجاز للنبوءة التوراتية”؛ ولذلك كانت سياسة “كارتر” قائمة على أساس أن فلسطين هي الأرض التي وعد الله بها اليهود. وأقرَّ بأن عليه التزمًا كاملًا ومطلقًا نحو إسرائيل كرئيس أمريكي وشخص متديِّن مؤمن بالنبوءة الواردة في التوراة حول ضرورة عودة إسرائيل إلى أرض الميعاد. وكانت فكرته عن السلام تدور حول الأمن الدائم أولًا لدولة إسرائيل، ولا يَعنيه بعد ذلك شأن الفلسطينيِّين أو حقوق الفلسطينيِّين.
وفي زماننا هذا أيضًا، نُدرك بوضوح: مدى التعاطف القائم بين السَّاسة الأمريكان مع اليهود ضد العرب؛ تلبيةً للضغط الصهيوني الموجود في هذه البلاد. وإن بدا التظاهر بالعداء أو الخلاف السياسي والأيديولوجي، فهو لون من التضليل. وبناء المستوطنات الذي يتمّ أمام أعيننا الآن تُجمع له الأموال الأمريكية، وتُهجر إليه اليهود من أمريكا ومن روسيا.
ثم بضغط أمريكي في عهد الرئيس “ريجان”، نجد أن الاستنزاف واستثمار الأموال اليهودية في أرض فلسطين وفي دولة إسرائيل عملٌ مقصودٌ، وتسعى إليه أمريكا ورجال الأعمال الأمريكان؛ حتى إنَّ الشركات المالية في أمريكا باتت تهدِّد أصحاب القرار السياسي في أمريكا بطلبات وتلبية طلبات إسرائيل فورًا ودون إبطاء. نجد أن “ريجان” صرّح في بعض المواقف بأنه يشارك الصهيونية تراثًا توراتيًّا، وأن بيْنه وبين إسرائيل تراثًا مشتركًا في النبوءة التي تتذرَّع بها إسرائيل بعودة المسيح إلى أورشليم ليحكم العالم.
هذه بعض مظاهر دون دخول في التفصيلات، فكرة موجزة عن النشاط الصهيوني في دوائر الحُكم، دوائر القرار السياسي في بلاد أوربا وفي أمريكا. ونستطيع أن نلحظ منها: مدى هذا التغلغل في دوائر القرارات السياسية التي يستطيعون من خلالها الضغط على الحكومات الأوربية والحكومات المتوالية في أمريكا؛ لتلبية مطامع إسرائيل، وتأييد مطالب إسرائيل في المحافل الدولية، والوقوف ضدّ أي حق عربي فلسطيني في المحافل الدولية وفي مجلس الأمن، وفيما يستجدّ من تحالفات دولية؛ لأن الحقيقة: أنّ مجلس الأمن وما تمخّض عنه من قرارات لم يخدم أبدًا أيّة قضية لا للعرب ولا للمسلمين تحت هذا الضغط الصهيوني في دوائر الحُكم في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا.
نستطيع أن نلحظ من خلال هذا التغلغل الصهيوني في دوائر الحُكم في دول أوربا وأمريكا: التعاطف العالمي الأوربي بالذات والأمريكي بصفة خاصة مع دولة إسرائيل، حتى إذا ما دخلت إسرائيل في أيّة أزمة أو في أي حرب مع البلاد العربية ولاحت فيها بوادر النصر للعرب، نجد أنه سرعان ما تتدخَّل هذه القوى لصالح الدولة الصهيونية.
حدث ذلك مرارًا. ولو استقرأنا تاريخ الحروب بين إسرائيل والعالم العربي ابتداءً من عام 1948م إلى 1973م، نجد أنه كلما بادرت أو لاحت بوادر النصر للجيوش العربية، بدأت أمريكا بالتهديد، أو بريطانيا أو دول أوربا، إما باستصدار قرار من الأمم المتحدة، أو من مجلس الأمن، أو التدخل المباشر والتهديد المباشر كما حدث في حرب 1973م؛ حيث كانت دبابات أمريكا تنزل من الطائرة إلى ميدان المعركة مباشرة. هذا التعاطف الذي لا يخفى على أحد، أوجد هذه الدولة على هذه البقعة من الأرض بميلاد غير شرعي أشبه بميلاد اللّقطاء؛ لكنه متعاونًا مع الاستعمار الأوربي ومستعينًا بالنفوذ الأمريكي، استطاع أن يحقِّق في هذه المنطقة حلمًا طالما راود خيال الحركة الصهيونية منذ ثلاثة قرون أو أكثر من ذلك.
وبنظرة سريعة نلقيها على الخريطة الجغرافية للمنطقة العربية بعد ميلاد هذه الدولة ميلادًا غير شرعي، يتبيّن لنا الآتي:
أنه قد تم فعلًا الفصل الجغرافي بين شرق العالم العربي وغرْبه وشماله وجنوبه؛ فبعد أن كان العربي يسير من مصر باعتبارها دولة عربية أفريقية إلى الأردن دولة عربية آسيوية أو إلى السعودية أو إلى سوريا مرورًا بدولة عربية هي فلسطين، أقيمت الحواجز دون هذا المشوار. وبعد أن كان العربي المسلم يأتي من سوريا وتركيا إلى السعودية جنوبًا أو إلى اليمن جنوبًا مرورًا بفلسطين، أقيمت دونه الحواجز. وبدأ الفصل الجغرافي بين شرق العالم العربي وغربه وشماله وجنوبه، وترتّب على هذا محاذيرُ ومخاطر كثيرة نحن نجني ثمرتها الآن. وهذه إحدى مساوئ إقامة هذه الدولة بمعونة أمريكا والاستعمار الغربي.
ثم ترتّب على قيام هذه الدولة: أنّ الدول الإسلامية أصبحت بصفة دائمة في حوار ساخن مع الدول الأوربية؛ لأنها تناصر اليهودية على حقوق العرب والمسلمين في فلسطين، خاصة أنها تتذرَّع لهذا بأسباب واهية كالنصوص الواردة في التوراة وما إلى ذلك.
إن يقظة المسلمين ضارة بالصليبييِّن لا شك؛ فما اتّحد المسلمون إلّا وقويَت دولتهم؛ فهُم إمّا فاتحون أو محرِّرون لبلادهم. لكن هذه اليقظة دونها خرط القتاد؛ لأن إسرائيل والحركة الصهيونية فتحت أعينها تمامًا على تفتيت الحركة الإسلامية، وإثارة الفتن والصراعات بين كل دولة عربية وأخرى، وكل دولة إسلامية وأخرى، حتى لا تتحقق هذه الوحدة، ولو في أدنى صورة منها.
فكان من تأسيس أو من قيام هذه الدولة: أن بعدت عوامل التوحّد بين شرق العالم الإسلامي وغربه وشماله وجنوبه. ثم تحكّم اليهود في الدعاية العالمية إلى حدّ أن أقنعوا العالم بأنهم أصحاب حق، وأن العرب كانوا مغتصبين لأرضهم وحقوقهم. وبدأت هذه الحركة تتحكّم في كثير من القرارات الدولية من خلال النفوذ الأمريكي في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة. وترتّب على هذا: انهيار اقتصادي رهيب في موارد العالم العربي. فبعد أن كانت موارد العالم العربي الاقتصادية توظّف للتنمية وللنهوض وللقيام بحركة نهضوية عامة وشاملة في جميع أنحاء العالم العربي، أصبحت هذه الموارد تستنزف لحروبٍ ما كان أغنانا عنها لولا وجود هذه العلة المرضية في جسد الأمة العربية. وقد اضطرّت بعض البلدان إلى كثير من الديون نتيجة تسليح الجيوش من بلاد أوربية؛ فكان بعضُ البلاد يوافق على توريد السلاح، والبعض الآخر يمتنع مجاملة لهذه الحركة الصهيونية.
هناك آثار سيئة كثيرة جدًّا نتجت عن ميلاد هذه الدولة على أرض فلسطين، ولعب التمكّن الصهيوني دوْره في عدم استقرار المنطقة لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ولا حتى ثقافيًّا. ووجدنا أنّ معظم هذه البلاد العربية بدأت تلعب فيها أصابع الموساد الإسرائيلي الصهيوني بإثارة الفتن الطائفية في بعض البلاد التي يسكنها نصارى ومسلمون، كما حدث في لبنان أكثر من مرة، وكما حدث في مصر أكثر من مرة. وإثارة فتن بين بعض القبائل وبعضها الآخَر، كما في بعض بلدان الإمارات العربية المطلّة على الخليج العربي؛ لأن الحركة الصهيونية من وسائلها في السيطرة على العالَم العربي: محاولة إضعاف العالم العربي بكل وسيلة، إما باستنزاف خيراته وموارده في الحروب، وإمَّا بإثارة القلاقل والفتن بين الحاكم والمحكومين، أو بإثارة الصِّراعات الداخلية والفتن الطائفية بين أهل الملل والمذاهب، كما حدث في كثير من البلدان العربية. المهم: أنَّه لا يهدأ لها بال ما دامت الأمة العربية أو الوطن العربي في حالة هدوء أو استقرار.