Top
Image Alt

ردة أهل البحرين، وردة أهل عمان ومهرة

  /  ردة أهل البحرين، وردة أهل عمان ومهرة

ردة أهل البحرين، وردة أهل عمان ومهرة

أ. ردة أهل البحرين:

كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين، وكان ملكها يسمى المنذر العبد، وأسلم على يدي العلاء بن الحضرمي، وقد كان ملكًا على البحرين وأقام فيهم الإسلام والعدل، وتوفي رسول الله صلى الله عليه  وسلم وتوفي المنذر بعده بقليل.

لما مات المنذر ارتد أهل البحرين، وملَّكوا عليهم شخصية أخرى، وهو المنذر بن النعمان بن المنذر؛ وكانت حجتهم في ذلك أن محمدًا صلى الله عليه  وسلم لو كان نبيًّا ما مات!

وبهذه الصورة ارتدت قرى البحرين ولم يبق منها سوى بلدة جواثى، كانت هذه البلدة أو القرية أول بلد تقيم الجمعة من أهل الردة –وثبت هذا في (صحيح البخاري) عن ابن عباس- ولكن الذي حدث أن قوى الردة الضالة المضلة أبت إلا أن تحاصر أهل هذه القرية، وتقضي عليها؛ لأنهم بقوا على الإسلام، ووصل الأمر بأهل جواثى، حتى إن بعضهم كان يموت جوعًا؛ حتى فرج الله عليهم بعد ذلك. فقد مُنِعُوا من الأقوات ومنعوا من الطعام وأكلوا أوراق الشجر، ومن ثم رفعوا صيحاتهم إلى الصديق وإلى المسلمين ليدافعوا عنهم.

وسبب بقاء أهل جواثى على الإسلام أن أحد أشرافهم -ويقال له: الجارود بن المعلل- كان ممن هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقام في قومه خطيبًا وجمعهم، وقال لهم: يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمور فأخبروني، إن علمتم إجابتي، وإن لم تعرفوا فلا تجيبوا؛ فقالوا: سَلْ. قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد صلى الله عليه  وسلم قالوا: نعم، نعلم. قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه. قال: فما فعلوا. قالوا: ماتوا. قال: فإن محمدًا صلى الله عليه  وسلم قد مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فقالوا: ونحن أيضًا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

ومن ثم قالوا له: أنت أفضلنا وقائدنا وإمامنا ومعلمنا؛ فكن قائدًا لنا في تلك المرحلة. فثبتوا على إسلامهم، وتركوا ما ذهب الناس إليه من الردة ومن منع الزكاة؛ فأرسل إليهم الصديق العلاء بن الحضرمي، وعندما قدم العلاء بجيوشه واقترب من البحرين جاءته وفود، مثل ثمامة بن أثال في محفل كبير، وجاءته أمراء تلك المناطق، واحتفى بهم العلاء بن الحضرمي، وانضموا إلى جيش العلاء بن الحضرمي؛ فأكرمهم وأحسن إليهم.

تقول الروايات: أنه أثناء ذهاب هذه القوات للجهاد وللقضاء على حركات الردة، حدث أن نفرت الإبل بما عليها، فهربت وأخذت ما عليها من طعام، وأسلحة، ومتاع، وملابس… إلى آخر كل ذلك، ولم يقدروا على شيء منها، ومن ثم ركب الناس من الهم والغم الشيء الكثير، وجعل بعضهم يوصي بعض وتوقعوا الهلاك؛ فدعا منادي العلاء للصلاة وجمع الناس، وقال: أيها الناس، ألستم المسلمين؟! ألستم في سبيل الله؟! ألستم أنصار الله؟! قالوا: بلى. قال: فأبشروا، فوالله لا يخذل الله مَن كان مثلَ حالكم.

نادى العلاء لصلاة الصبح فصلوا الصبح، وبعد الصلاة توجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلبه ومشاعره، ورفع يديه إلى السماء، وألح في الدعاء، ورفع رأسه، وطلب من الله بكامل قوته، النصرةَ والمدد والعونَ والتأييد، واجتهد بالشيء الكثير في الدعاء ومن ورائه المسلمون؛ ففوجئ المسلمون بغدير من الماء بجانبهم ما كانوا يرونه بالليل؛ فمشَى الناس إليه وشربوا منه واغتسلوا، ليس هذا فحسب، بل إنه ما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كل فج بما عليها، ولم يفقد الناس شيئًا من أمتعتهم على الإطلاق. فشعرت جماعة المسلمين بفضل الله عليها وكرم الله ومنِّه بمثل هذه الكرامات العظيمة.

سمع المسلمون بالليل أصواتًا شديدةً، وضوضاءَ عالية، وضجة فظيعة في معسكر المرتدين، فحاول المسلمون أن يتعرفوا على الخبر، فعرفوا أن المرتدين في حالة سكر شديدة؛ فقرر العلاء بن الحضرمي أن ينتهز الفرصة وأن يغير عليهم في هذه الظروف، وبالفعل ركب العلاء من فوره والجيش معه، فانقضوا عليهم؛ فانساحوا فيهم قتلًا وضربًا وأَسْرًا، وقل مَن هرَبَ منهم، واستولى المسلمون على جميع أموالهم وحواصلهم وغنائمهم، وكانت غنيمة عظيمة.

هرب بعض هؤلاء في البحر منهزمين، وركبوا البحر والمسلمون وراءهم يقتلونهم بكل مرصد وطريق، وفر الكثير من هؤلاء الذين هربوا في البحر إلى بلدة أو حصن يسمى “دارين”، ركبوا إليها في السفن.

وقام العلاء بن الحضرمي بتقسيم الغنيمة، وعندما فرَغَ من ذلك قال للمسلمين: “اذهبوا بنا إلى “دارين” نغزو بها هؤلاء الأعداء”. فأجابوا إلى ذلك سريعًا؛ فسار إليها حتى وصل إلى ساحل البحر، ورأوا أنه من الواجب أن يركبوا السفن؛ فرأوا أن الشقة بعيدة ولا يصلون إليهم في السفن، وإذا صنعوا ذلك ذهب أعداء الله، فاقتحم العلاء بن الحضرمي البحر بفرسه وهو يقول: “يا أرحم الراحمين، يا حكيم، يا كريم، يا أحد، يا صمد، يا حي، يا محيي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت يا ربنا”. وأمر الجيش أن يقول مثل ذلك ثم سار في البحر.

بتوفيق الله سبحانه وتعالى جعل الطريق الذي يسير فيه العلاء بن الحضرمي فيه مياه ضحلة وقليلة ومن أسفله الرمال، ومن ثم تحركت الجيوش في مثل هذه الرمال الضحلة، حتى وصلوا إلى أعداء الله، ولا يكثر على الله شيء، عندما ينصر جنده ويهيئ لهم من أسباب النصر ما يعينهم على النصر، خاصة إذا صدقوا في موقفهم من أعداء الله، وفي حرصهم على عقيدتهم وعلى دينهم.

قطع المسلمون تلك المسافة إلى الساحل الآخر، وقاتلوا أعداء الله وقهروهم، واجتازوا غنائمهم، وعادوا مرة أخرى إلى الجانب الآخر -وذلك كله في يوم واحد- ولم يترك للعدو أي أثر، وقسمت الغنائم بين المسلمين؛ فأصاب الفارس ألفين والراجل ألفًا، كل هذا مع كثرة الجيش، ومن ثم كتب إلى أبي بكر الصديق يعلمه بذلك الخبر؛ فرد عليه الصديق شاكرًا ما صنع.

إنَّ التاريخ في مثل هذه المواقف يذكرها وليس له رأي فيها، الأشياء التي تدخل في حد الكرامات أن الشرع يلزم من يراها دون أن يترتب على ذلك أي أثر شرعي أو ديني أو فقهي، يعني: هذا كرم الله وعطاؤه قد يحدث وقد لا يحدث؛ فإذا حدث، فهذا من فضل الله على عبيده المسلمين الصادقين المخلصين؛ لن يترتب على ذلك إبطال حكم شرعي أو فقهي، أو زيادة حكم شرعي أو فقهي، ما أقره الإسلام قد أقره وانتهى، وعقيدة الإسلام واضحة، ودين الله واضح وثابت لن يُزاد فيه ولن ينقص، قد تحدث بعض هذه الأشياء، نعم، ولكن هي في حدود ما حدثت ولمن حدثت لهم، دون أن يزيد هذا من وضعهم في التشريع، في العقيدة، في الدين، هذا أمر يخصهم، وهو بينهم وبين الله سبحانه وتعالى.

ب. رِدة أهل عمان ومهرة:

كان في أهل عمان رجل يقال له: “ذو التاج”: وهو لقيط بن مالك الأزدي، هذا الرجل ادعى النبوة وتابعه الجهلة من أهل عمان، وووصلت هذه الأخبار إلى أبي بكر الصديق، فبعث الصديق بأميرين هما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد، قال: “حذيفة يذهب إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة”.

وسارت هذه القوات وأرسل معهم مددًا هو عكرمة بقواته؛ حتى يساعد هذه القوات عندما تدخل في معارك مع قوات عمان أو المرتدين من عمان ومن مهرة. وأمرهم الصديق بأن ينتهوا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من السير من عمان أو المقام بها.

بلغ لقيط بن مالك هذا مجيء الجيش الإسلامي، وعلى رأسه هذه القيادات العظيمة؛ فخرج في جموعه من أهل الردة وأهل الكفر الذين اتبعوه في ادعائه النبوة، وعسكروا في مكان يقال له: دَبَا- وهي الأصل في هذه البلاد، وسوقُها العظمى- وعندما خرج لقيط بن مالك للحرب، جعل الذراري والأموال والنساء وخلافه من خلفه؛ حتى يكون ذلك أقوى لهم في حربهم مع المسلمين.

وهذا الرجل الكذاب يقاتل عن حسبه ونسبه، وشرفه وعرضه وماله، فهو أقوى لهم في الحرب.

اجتمع المسلمون بمكان يقال له: “صحار” فعسكروا به وبعثوا إلى أمراء الصديق فجاءوا واجتمع الجميع، وبناء على ذلك حدث اللقاء بين الجيشين -جيش الإسلام، وجيش الكفر والردة- وتقاتلوا قتالًا شديدًا، وكاد المسلمون أن يولوا الأدبار، فمنَّ الله عليهم بكرمه ولطفه بأن بعث لهم مددًا، وهي قوات أتت إليهم في هذه الساعة الراهنة، وهذه القوات كانت من بني ناحية وعبد القيس؛ فلما وصلوا إليهم كانوا مددًا للمسلمين، وتم الفتح والنصر على أيدي هذه القوات، وولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم؛ فقتلوا منهم الآلاف، وسبوا السبي الكثير، وأخذوا من الغنائم الشيء العظيم، وبعثوا بالخمس من هذه الغنائم إلى الصديق رضي الله  عنه مع أحد الأمراء، وهو عرفجة الذي ذهب بالغنائم، ثم عاد مرة أخرى إلى أصحابه.

ج. بلاد مهرة وما حدث فيها:

إن الذي توجه إلى بلاد مهرة -كما كانت أوامر الصديق- هو عكرمة بن أبي جهل، ووجد أن جندها ينقسم إلى قسمين رئيسين: قسم يمثل الأكثرية منهم وهم مع رجل يسمى “المصبح”، وقسم آخر -وهم أقل- مع رجل أو أمير يقال له: “شخريت”، ووجد عِكرمة أن هناك بوادرَ خلافٍ وصراع بين الطرفين، وأن كِلا الطرفين ليسوا على وفاق ولا محبة ولا وئام؛ فظهرت هنا شخصية عكرمة القيادية الذي حاول أن يستغل هذا النزاع، وهذا الخلاف الموجود بين هاتين القوتين؛ حتى يوظف هذا الصراع، وهذا الخلاف لصالح الإسلام ولصالح المسلمين.

وبالفعل استطاع أن يضرب بين هذه القوات -قوات الردة التي على رأسها “مصبح” و”شخريت”- وراسل “شخريت”، وحاول أن يضمه إليه وإلى المسلمين، وأن يعيده إلى حظيرة الإسلام.

وبالفعل انضم “شخريت” إلى قوات عكرمة، وقوي بذلك المسلمون، ومن ثم ضعف شأن “المصبح”، وهنا تظهر أيضًا شخصية عكرمة الذي لم يحاول أن يستغل الفرصة مباشرة، وأن يقضي على “المصبح”؛ ولكنه رأى أنه من الحكمة أن يراسل “المصبح”، وبالفعل أرسل له بالرسل والرسائل يدعوه فيها إلى الإسلام، وإلى العودة إلى حظيرة الإسلام، وإلى ترك ما هو عليه من كفر وضلال، ويدعوه إلى السمع والطاعة إلى الله ورسوله؛ لكن “المصبح” اغتر بكثرة من معه من الجند والقوات، خاصة وأنه رأى أن غريمه “شخريت” انضم إلى قوات الإسلام؛ فما كان منه إلا أن رفض هذا التوجه وتمادَى في طغيانه رفضه؛ ومن ثم كان القتال واجبًا، وأنه لن يحسم الأمر سوى لقاء الطرفين والقتال بين الطرفين.

فسار إليه عكرمة بمن معه من الجنود واقتتلوا قتالًا شديدًا مع “المصبح”، وكان القتال أشد من القتال الذي حدث مع “دَبَا” قبل ذلك، ثم فتح الله على المسلمين بالظفر والنصر؛ ففر المشركون وقتل “المصبح” وقتل معه خلق كثير من قومه، وغنم المسلمون أموالهم، وكانت الغنائم أشياء عظيمة. فبعث المسلمون بالخمس إلى الصديق مع “شخريت”، وأخبروه بما فتح الله عليهم من النصر ومن الغنائم، وبعثوا بالبشارة مع رجل يقال له: السائب، من بني عابد بن مخزوم.

error: النص محمي !!