رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الصفة
لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى أهل الصُّفَّة، فقد كانوا موضع رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتعهدهم بنفسه فيزورهم، ويتفقد أحوالهم، ويعود مرضاهم، كما كان يكثر مجالستهم، ويرشدهم ويواسيهم، ويذكرهم ويقص عليهم، ويوجههم إلى قراءة القرآن الكريم ومُدارسته، وذكر الله والتطلع إلى الآخرة، ويشجعهم على احتقار الدنيا وعدم تمني الحصول على متاعها، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها وأشركهم فيها، وكثيرًا ما كان يدعوهم إلى الطعام في إحدى حجرات أزواجه – رضي الله عنهن- ولم يكن يغفل عنهم مطلقًا، بل كانت حالتهم ماثلة أمامه، وقد طلب من ابنته فاطمة رضي الله عنها أن تتصدق عليهم لما ولدت الحسن رضي الله عنه بوزن شعره من الفضة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتصدق على أهل الصُّفَّة، فجعلوا يَصلونهم بما استطاعوا من خير، فكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أهل الصُّفَّة بين أصحابه بعد صلاة العشاء؛ ليتعشوا عندهم، ويقول: ((من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربع فخامس أو سادس))؛ ومن بقي منهم يصحبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره، فيتعشون معه صلى الله عليه وسلم.
ويبدو أن الأمر كان كذلك في بداية الهجرة، فلما جاء الله بالغنى لم تعد هناك حاجة لتوزيعهم على دور الصحابة، وقد استثارت حالة أهل الصُّفَّة سبعين من الأنصار يُقال لهم القراء، وهم الذين استشهدوا يوم بئر معونة، فكانوا يقرءون القرآن، ويتدارسونه بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصُّفَّة والفقراء.
وينهي الأستاذ أكرم ضياء العمري حديثه عن أهل الصُّفَّة قائلًا: “رحم الله القوَّامين الصوَّامين المجاهدين الزاهدين أهل الصُّفَّة، وصدق الله العظيم: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273].