Top
Image Alt

سمات النقد الأدبي في العصر الأموي

  /  سمات النقد الأدبي في العصر الأموي

سمات النقد الأدبي في العصر الأموي

وعلى أية حال هناك معالم أو سمات لهذا النقد الأدبي الذي نتحدث عنه، وهو النقد في العصر الأموي، وهذه السمات تتلخص فيما يلي:

أولًا: أن النقد الأدبي تخلّص في معظم الأحيان من الأحكام السريعة، والتعليقات الموجزة التي كانت تعبر عن الاستحسان أو الاستهجان في جملة، دون أن تذهب إلى تعليل أو تحليل.

كما أن النقد في هذا العصر رقت عبارته، وخلا من الكلام المبهم، وأصبح يعرض لما يتميز به الشعر من أحاسيس ومشاعر وعواطف، يحاول الناقد أن يبينها ويكشف عن أبعادها، وأن يعللها تعليلًا واضحًا وعميقًا ودقيقًا أحيانًا.

ثانيًا: تجاوَزَ النقد الأموي بنية الشعر ومعانيه إلى نقد الشعور والأحاسيس، والتفرقة بين إحساس وإحساس، والتمييز بين صياغة وصياغة، والالتفات إلى الفروق بين المعاني، وكل هذا مرت عليه شواهد ونماذج تؤكده.

ثالثًا: اهتم النقاد في هذا العصر بوضوح المعنى وغموضه، ولفتوا أنظار الشعراء إلى ذلك، وحاولوا أن يضعوا أيديهم عليه، وقد ورد في هذا الإطار أن ابن أبي عتيق سمع ابن قيس الرقيات يقول في وصف ناقته:

تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر

*سواء عليها، ليلها ونهارها

فقال له عندما مر به فسلم: “وعليك السلام يا فارس العمياء، فسأله عن سبب تسميته هذه التسمية، قال: أنت سميت نفسك حيث تقول: سواء عليها ليلها ونهارها، أي: على الناقة، وما يستوي الليل والنهار إلا على عمياء. قال: إنما عنيت التعب، أي: أنها لا تتعب في ليل ولا نهار. قال: فبيتك يحتاج إلى ترجمان يترجم عنك”.

فابن أبي عتيق يأخذ على هذا الشاعر غموض المعنى، مع أننا يمكن ألا نقبل هذا النقد؛ لأن فيه شيئًا من التعسف، فالمفترض أن السامع العربي يفهم قصد الشاعر بقوله: سواء عليها ليلها ونهارها؛ لأنه يمتدح ناقته، حيث إنها لا تتعب في الليل ولا في النهار.

وعلى أي حال؛ فهذا يدل على أن النقد في العصر الأموي اهتم بالمعنى واللفظ، والإحساس والعاطفة، وجمال الصياغة وروعتها.

رابعًا: اهتم النقد في هذا العصر بعناصر الجمال في الأدب؛ فقد تنوعت اهتمامات النقاد، وكانوا يستحسنون أبياتًا في معنى خاص، أو يستجيدون مطلع قصيدة، أو يستحسنون قصيدة كاملة.

ويذكر في هذا أن أبا عمرو بن العلاء كان يستحسن بعض أشعار دُريد بن الصمة، ويقول: “وأحسن شعر قيل في الصبر على النوائب قول دريد بن الصمة:

يُغار علينا واترين فيُشتفى
 
*بنا إن صبرنا، أو نغير على وِتر

بذاك قسمنا الدهر شطرين قسمة

*فما ينقضي، إلا ونحن على شطر”

وكان يستجيد قصيدة المثقب العبدي، التي يقول فيها:

فإما أن تكون أخي بحق
 
* فأعرف منك غَثّي من سميني

وإلا فاطَّرحني واتخذني

*عدوًّا، أتقيك وتتقيني

وقال في استحسانها واستجادتها: “لو كان الشعر مثلها؛ لوجب لكل الناس أن يتعلموه”.

وقد كان أبو عمرو بن العلاء من علماء اللغة والرواة، وقوله هذا يدل على أن نقده لم يقف عند اللغة فحسب، وإنما يتجاوزها إلى المعاني.

إذًا: من هذا كله يتبين لنا أن النقد في العصر الأموي اتسع مجراه وتعمق، وأنه أضاف إلى النقد الذي كان سابقًا عليه في العصر الجاهلي والعصر الإسلامي الكثير، وأن الشعراء أفادوا كثيرًا جدًّا من هذا النقد الذي كان يوجه إليهم، وقد استمرت هذه الإضافات في العصر العباسي.

error: النص محمي !!