Top
Image Alt

(سنن الدّارقطني)، و(مُسْتدرَك الحاكِم)

  /  (سنن الدّارقطني)، و(مُسْتدرَك الحاكِم)

(سنن الدّارقطني)، و(مُسْتدرَك الحاكِم)

أولًا: (سنن الدّارقطني):

أ. المؤلِّف:

هو أبو الحسن علي بن عمر، الشهير بالدارقطني، الإمام الحافظ النَّاقِد، صاحب العِلل والتصانِيف الغزيرة. وُلد سنة (306هـ)، وتوفّي سنة (385هـ).

ب. موضوع كِتاب (السُّنَن للدارقطني):

جمَع أحاديث السُّنن والأحكام مُرتَّبة على أبواب الفقه، مع بيانِ حالِها مِن الصِّحَّة والضعْف.

وقد أثنى على موضوعه الخَطيبُ البغْدادي، فقال: “وكتابه (السُّنن) يَدلُّ على معرفته التَامة بمذاهب الفقهاء، وعِنايته بالفقه، لأنه لا يَقْدر على جَمْع ما تَضمّنه ذلك الكتاب إلاّ مَن تَقدَّمت مَعْرفتُه بالاختلاف في الأحكام”.

ج. منهج الدارقطني في كتاب (السّنن):

  1. رتَّبه على أبواب الفقه، حيث بَدأ بكتاب الطهارة، ثم الصلاة… وهكذا على مِنوال كُتب السُّنن.
  2. أورَد حديث كلّ باب بأسانيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغالبًا يُورد الحديث بأكثر مِن طَريق.
  3. يُعقِب على كلِّ حديث يُورده -غالبًا- ببيانِ ما فيه مِن العِلل سَندًا ومَتنًا، ولذلك امتلأ كتابُه بآرائه في جَرْحِ وتَعْديل الرِّجال.
  4. اشتَمل كتابه على: الصحيح، والحسَن، والضَّعيف، وقلَّ أن يُورد فيه الموضوع.
  5. كثيرًا ما يُورد الأحاديث أو الروايات التي ظاهِرُها التّعارض، ثم يُرجِّح بينها.

د. عناية العلماء بـ: (سنن الدارقطني):

  • ترجَم لرجاله: الحافظ سِراج الدِّين ابن الملقِّن، ضِمن كتابه: (إكمال تهذيب الكمال).

ب.رتَّبه الحافظ ابن حجر على الأطراف، ضِمن كتابه: (إتحَاف المَهرة بالفوائد المُبتكَرة من أطراف العَشرة).

جـ.شرَحَه وعلَّق عليه: الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، في كتابه: (التعليق المُغني على سنن الدارقطني).

ثانيًا: (مُسْتدرَك الحاكِم):

أ. المؤلِّف:

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حَمدويه بن نُعيم بن الحَكم الضَّبي، الحافِظ الناقِد، المعروف بابن البيِّع الحاكِم النيسابوري، صاحب التّصانيف. وُلد سنة (321هـ)، وتوفّي سنة (405هـ).

ب. تسمِيَة كتابه: (المستدرَك على الصحيحيْن).

ج. شرْط المؤلِّف ومنهجه في كتابه:

قال -رحمه الله- في مقدّمته: “وقد سألني جماعة مِن أعيان أهل العلْم بهذه المدينة وغيرها: أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المرويّة بأسانيد يَحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن حجّاج بمثلها -إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا عِلّة له-؛ فإنهما -رحمهما الله- لم يدّعيا ذلك لأنفُسهما…”.

ثم قال: “وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رُواتها ثِقات، وقد احتَجَّ بمثْلها الشيخان رحمهما الله تعالى، أو أحدُهما”.

وقال الحافظ أبو عَمرو بن الصَّلاح: “واعتنى الحاكِم أبو عبد الله الحافظ، بالزِّيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في (الصحيحيْن) مما رآه على شرط الشيخيْن وقد أخرجا عن رواته في كتابيْهما، أو على شرط البخاري وحْده، أو على شرط مُسلم وحْده، أو ما أدّى اجتهادُه إلى تصحيحه وإنْ لمْ يكن على شرط واحدٍ منهما”.

د. آراء العلماء في (المستدرَك)، ومنهج الحاكِم فيه:

قال ابن الصَّلاح: “وهو -أي: الحاكِم- مُتساهِل في التَّصحيح، واسِع الخَطو في شرط الصحيح، متساهِل في القضَاء به؛ فالأوْلى أن نتوسط في أمْره فنقول: ما حَكَم بصحَّته ولم نجِد ذلك فيه لِغيْره من الأئمة، إن لم يكن مِن قَبيل الصّحيح فهو من قَبيل الحسَن، يُحتجّ به ويُعمل به، إلاّ أنْ تَظهر فيه عِلّة تُوجب ضعْفه”.

وقال الحافظ زَين الدِّين العراقي -تعليقًا على كلام ابن الصلاح-: “قوله: “وقد اعتنى الحاكِم … إلى آخِره”، فيه أمران:

الأمر الأول: أن قوله: “أوْدَعه ما ليس في واحد مِن (الصحيحيْن) ليس كذلك، فقد أوْدَعه أحاديث في الصحيح وَهْما منه في ذلك، وهي كَثِيرة، منها: حديث أبي سعيد الخدري، مرفوعًا: ((لا تكتُبوا عنِّي سوى القرآن))، الحديث رواه الحاكِم في مناقِب أبي سعيد الخدري، وقد أخرجه مُسْلم في (صحيحه) في كتاب الزُّهد، وقد بيَّن الحافظ الذهبي في (مُخْتصر المسْتدرك) كثيرًا مِن الأحاديث التي أخرجها في (المستدرَك) وهي في (الصحيح).

الأمر الثاني: أن قوله: “ممّا رواه في شرْط الشيخيْن قد أخرجا عن رواته في كتابيْهما”، فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو ما أخرجا عن رواته في كتابيْهما، ولم يُرد الحاكِم ذلك؛ فقوله: “بمثْلها”، أي: بمِثل رواتها لا بهم أنفسَهم، ويحتمل أن يُراد بمثْل تلك الأحاديث، وفيه نَظر”.

قال الحافظ ابن حجر -مُعلِّقًا على شيخه العراقي-: “لكن تصرّف الحاكِم يقوِّي أحَد الاحتماليْن اللّذين ذكرهما شيخنا -رحمه الله-؛ فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا -أو أحدُهما- لرواته، قال: “صحيح على شَرط الشيخيْن، أو أحدهما”، وإذا كان بعض رواته لم يُخرجا له، قال: “صحيح الإسناد” حَسْب؛ يوضّح ذلك: قوله -في باب التوبة- لمّا أورد حديث أبي عثمان عن أبي هريرة، مرفوعًا: ((لا تُنزَع الرّحمةُ إلاّ مِن شَقيّ))، قال: “هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو عثمان هذا ليس هو النَّهدي، ولو كان هو النَّهدي لحكمتُ بالحديث على شرط الشيخيْن”. فدلَّ هذا على أنه إذا لم يُخرجا لأحد رواة الحديث، لا يَحْكم به على شرطهما. وإن كان الحاكِم قد يغْفل عن هذا في بعض الأحيان، فيُصحِّح على شرطهما بعضَ ما لمْ يُخرجا لبعض رواته، فيُحمل ذلك على السهو والنِّسيان، ويتوجّه به حينئذٍ عليه الاعتراض -والله أعلم”.

هـ. آراء العلماء في أحاديث (المستدرَك):

  1. قال الحافِظ أبو عبد الله الذهبي: “عن المُظفر بن حمزة، قال: سمِعت أبا سعد الماليني يقول: طَالعت كتاب: (المستدرَك على الشيخيْن) الذي صنّفه الحاكِم، مِن أوّله إلى آخره، فلم أرَ فيه حديثًا على شرْطهما”.
  2. قال الذهبي -تعليقًا على كلام الماليني-: “هذه مُكَابرة وغُلوّ، وليست رُتبة أبي سعْد أنْ يحْكُم بهذا، بل في (المسْتدرك) شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، بل لعلّ مجموع ذلك ثُلثُ الكتاب، بل أقلّ؛ فإنّ في كثير من ذلك  أحاديث في الظاهر على شرْط أحدهما أو كِليْهما، وفي الباطن لها عِلل خَفيّة مؤثّرة. وقطعة من “الكتاب” إسنادها صالح وحسَن وجيّد، وذلك نحو ربُعه. وباقي الكتاب منَاكِير وعَجَائب، كنتُ قد أفردت منها جزءًا. وبكلّ حال؛ فهو كتاب مُفيد قد اختصرتُه، ويعوزه عملًا وتحريرًا”.
  3. وقال الحافظ ابن حجر -تعقيبًا على كلام الذهبي-: “وهو كلام مُجْمَل يحتاج إلى إيضاح وتبْيِين؛ فنقول: ينْقسِم (المستدرَك) أقسامًا، كلّ قِسم منها يمكن تقْسيمه:

القسم الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يُخرجه مُحتجًا برواته في (الصحيحيْن) أو أحدهما على صورة الاجتماع، سَالمًا من العِلل.

واحترزْنا بقولنا: على صورة الاجتماع، عما احتجّا برواته على صورة الانفراد، كسُفيان بن حسين عن الزهري؛ فإنهما احتجّا بكلّ منهما على الانفراد، ولم يحتجّا برواية سفيان بن حسين عن الزهري، لأنّ سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه.

وكذا إذا كان الإسناد قد احتجّ كل منهما برجل منه ولم يحتجّ بآخر منه، كالحديث الذي يُروى عن طريق شُعبة -مثلًا- عن سمَاك بن حرب، عن عِكْرمة، عن ابن عباس، فإن مُسلمًا احتجّ بحديث سِماك إذا كان من رواية الثقات عنه، ولم يحتجّ بعِكْرمة، واحتج البخاري بعِكْرمة دون سمَاك؛ فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما، حتى يجتمع فيه صورة الاجتماع؛ وقد صرَّح بذلك الإمام أبو الفتح القُشيري وغيره…

واحترزت بقولي: أنْ يكون سالمًا من العِلل، بما إذا احتجّا بجميع رواته على صورة الاجتماع، إلاّ أنّ فيه من وُصِف بالتدليس، أو اختَلط في آخر عمره، فإنّا نعلم في الجملة أنّ الشيخيْن لم يُخرجا مِن رواية المدلِّسين بالعنعنة إلاّ ما تحقّقا أنه مسْموع لهم من جهة أخرى، وكذلك لم يُخرجا من حديث المخْتلطِين عمَّن سمع منهم بعد الاختلاط  إلاّ ما تحقّقا أنه صحيح  حديثهم قبل الاختلاط. فإذا كان كذلك، لم يَجُز الحُكم للحديث الذي فيه مدلِّس قد عنعنه، أو شيخ سمع ممّن اختلط بعد اختلاطه، بأنه على شرطهما، وإن كانا قد أخرجا ذلك الإسناد بعيْنه، إلاّ إذا صرَّح المدلِّس من جهة أخرى بالسماع، وصحَّ أنّ الراوي سمِع مِن شيخه قبَل اختلاطه؛ فهذا القسم يوصف بكونه على شرطِهما أو شَرط أحدهما.

ولا يوجد حديث في (المستدرك) بهذه الشروط لم يُخرجا له نظيرًا أو أصلًا، إلاّ القليل -كما قدّمناه-. نعم، فيه جملة مُستكثرة بهذه الشروط، لكنها ممّا أخرجها الشيخان أو أحدُهما، استدركها الحاكِم واهمًا في ذلك، ظانًّا أنهما لم يُخرجاها.

القسم الثاني: أنْ يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته، لا على سبيل الاحتجاج، بل في الشواهد والمتابعات والتعليق، أو مقْرونًا بغيره، ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنّبا ما تفرّد به أو ما خالف فيه، كما أخرج مسلم مِن نسخة العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ما لمْ يتفرّد به، فلا يَحْسن أن يُقال: إنّ باقي النسخة على شرط مسلم، لأنه ما خرَّج بعضها إلا بعد أن تبيّن أنّ ذلك ممّا لم ينْفردَ به؛ فما كان بهذه المثَابة لا يلتحق أفرادُه بشرطهما.

وقد عَقد الحاكِم في كتاب (المدخل) بابًا مستقلًا ذكَر فيه مَن أخرج له الشيخان في المُتابعات، وعَدد ما أخرجا من ذلك، ثم إنه -مع هذا الاطلاع- يخرج أحاديث هؤلاء في (المستدرك)، زاعمًا أنها على شرطهما؛ ولا شك في نزول أحاديثهم عن درجة الصحيح، بل رُبما كان فيها الشاذّ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسَن.

والحاكِم -وإن كان لا يُفرِّق بين الصحيح والحسَن، بل- يجعل الجميع صحيحًا، تبعًا لمشايخه -كما قدّمناه عن ابن خُزيمة وابن حِبان-، فإنما يناقَش في دعواه أنّ أحاديث هؤلاء على شرطِ الشيخيْن أو أحدهما؛ وهذا القسم هو عُمدة الكتاب.

القسم الثالث: أنْ يكون الإسناد لم يُخرجا له، لا في الاحتجاج ولا في المتابعات، وهذا قد أكثر منه الحاكِم، فيُخرج أحاديث عن خَلْق ليسوا في الكتابيْن ويصحِّحها، لكن لا يدَّعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادّعى ذلك على سبيل الوهْم، وكثير منها يعلّق القول بصحّتها على سلامتها من بعض رواتها، كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث، عن إسحاق بن بَزْرج -بالموحّدة بعدها زاي، ثم راء-، عن الحسن بن علي (في التّزيّن للعيد)، قال في إثره: “لولا جهالة إسحاق لحكمتُ بصحّته”، وكثيرًا منها لا يتعرض للكلام عليه أصلًا، من هنا دخلت الآفة كثيرًا فيما صحّحه، وقلَّ أن تجد في هذا القسم حديثًا يلتحِق بدرجة الصحيح، فضلًا عن أن يرتفِع إلى درجة الشيخيْن، والله أعلم.

و. اعتذار العلماء عن الحاكِم في تساهُله وغفلته:

قال الحافظ ابن حجر: “إنما وقع للحاكِم التساهُل لأنه سوَّد الكتاب ليُنقِّحه، فعاجَلتْه المنيّة ولم يتيسّر له تحْريره وتنقيحه”، قال: “وقد وجدتُ في قريِب نِصف الجزء الثاني مِن تجزئة ستةٍ من (المستدرك): “إلى هنا انتهى إملاء الحاكِم”، – قال-: وما عدا ذلك مِن الكتاب لا يُؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة، والتساهُل في القدْر المُملى قليل بالنسبة لما بعْده”.  وقال طاهر بن صالح الجزائري الدمشقي: “ويُقال: إنّ السبب في ذلك: أنه صنَّفه في أواخر عُمره، وقد اعترتْه غَفلة، وكان ميلاده في سنة (321هـ)، ووفاته في سنة (405هـ)، فيكون عمره أربعًا وثمانين سنة”.

ز. عِناية العلماء بـ: (مستدرَك الحاكِم):

  1. اعتنى به العلماء رِِواية وسَماعًا، كغيره من كتب الحديث المسنَدة، كذلك اعتنوا بدراسة منهجه فيه.
  2. لخَّصه الإمام أبو عبد الله الذهبي، في كتابه: (تلخيص المستدرك)، مع تَعقّبه في أحكامه على الأحاديث.
  3. ألّف أبو عبد الله الذهبي -أيضًا- جزءًا في الأحاديث المناكير، والواهيات، والموضوعات، التي في (المستدرَك).
  4. ترجم لرجاله: الحافظ سراج الدِّين عُمر بن علي، المعروف بابن المُلقِّن، ضمن كتابه: (إكمال تهذيب الكمال).
  5. رتَّبه الحافظ ابن حجر على الأطراف، ضمْن كتابه: (إتحاف المَهرة بالفوائد المبْتكرة من أطراف العشرة).
  6. وللحافظ ابن الملقِّن تلخيص للمستدرَك، طُبع في سبعِ مجلّدات.
error: النص محمي !!