Top
Image Alt

شبهة المعارضة للقرآن الكريم

  /  شبهة المعارضة للقرآن الكريم

شبهة المعارضة للقرآن الكريم

المسألة الثالثة: شبهة المعارضة للقرآن الكريم: القرآن الكريم معجزة ربانية، ووحي إلهي، لا نرى فيه إلا أنوارًا متبرجة، وبراهين ساطعة، أنزله رب العالمين لهداية خلقه، وهو -جَلًّ وَعَلَا- الْمُتَّصِفُ بِصِفَاتِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْإِحَاطَةِ وَالْكَمَالِ؛ فَأَنَّى لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؟ وَقَدْ بَسَّطَ الْقُرْآنُ رِدَاءَ التَّحَدِّي لِلدُّنْيَا قَاطِبَةً -إِنْسًا وَجِنًّا- أن يجيئوا بمثله أو بسورة من مثله، فعجزوا، وها هو قد سَجَّلَ عليهم هذه النتيجة مسبقًا -كما مرت الآيات- والعجز والفشل والهزيمة ثابتة كلها لهم ثبات التحدي، لازمة لهم لزومها ما بقي الملوان، ومع ذلك فقد تجرأ أناس في محاولات هازلة أو فاشلة، فظنوا أنهم يستطيعون بالإتيان بشيء من مثل هذا القرآن أو يقاربه، ومع أنهم ليسوا بأسوياء ولا ذوي علم؛ فإن ما نقل عنهم لا يزيد عن تفاهات كلامية مخجلة، أو عبارات ركيكة نزلت بهم إلى مقام الاستهزاء والسخرية بين الناس، فباءوا بغضب من الله وسخط من الناس، وَخَرُّوا أمام عظمة هذا القرآن صرعى، كأنهم أعجاز نخل خاوية. من ذلك ما نقل عن مسيلمة الكذاب؛ فقد زعم أنه أوحي إليه بكلام يشبه القرآن فقال كلامًا نصه: “إن أعطيناك الجماهر، فصلِّ لربك وجاهر”، وكلام أخر أيضًا: “والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، والخابزات خبزًا” كلام لعله تعمد أن يكون فيه سجعًا، يحاكي به القرآن، ولكن هيهات، فمثل هذا الهراء والسخف، ليس إلا محاكاة يقلد بها آيات القرآن، لا ترقى إلى أسلوبه ولا معناه، وَسَخِرَ مِنْهُ حتى أصحابه، يقول العلامة الزرقاني -معقبًا على هذه الكلمات- لَقَدْ طَلَعَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى النَّاسِ بِهَذَا الْهَذَرِ وَالْهَزْلِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْإسفاف ليس من المعارضة في قليل ولا كثير، وأين محاكاة الببغاء من فصاحة الإنسان، وأين هذه الكلمات السوقية الركيكة من ألفاظ القرآن الرفيعة ومعانيه العالية، وهل المعارضة إلا الإتيان بمثل الأصل في لغته وأسلوبه ومعانيه، أو بأرقى منه في ذلك؟ ولا إِخَالُ -انتهى كلام العلامة الزرقاني، وَلَا إِخَالُ- مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ وَأَضْرَابَهُ قَدْ قَدموا، أو قدموا ما يعارض القرآن، أو قدموا على هذا الشيء للمعارضة، فالقرآن أكبر من ذلك، ومسيلمة أحقر وأعجز من التطاول بهذا، فلعله أراد -بعد العجز- أن يحول أنظار قومه إلى ميدان آخر؛ كَالْكَهَانَةِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، لَعَلَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُمْ حظوة في ارتداء هذا الثوب الغريب، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ ( إِعْجَاز الْقُرْآنِ) يقول -يقول الرافعي-: إن مسيلمة لم يرد أن يعارض القرآن من ناحية الصناعة البيانية؛ إذ كانت هذه الناحية أوضح من أن يلتبس أمرها عليه، أو أن يستطيع تلبسها على أحد من العرب، وإنما أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ سبيله إلى استهواء قومه من ناحية أخرى، ظنها أهون عليه، وأقرب تأثيرًا في نفوسهم؛ ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى الْعَرَبَ تُعَظِّمُ الْكُهَّانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وكانت عامة أساليب الكهان من هذا السجع القَلِق الذي يزعمون أنه من كلام الجن، كقولهم: يا جنيح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله… إلى آخر الكلام الذي ورد في الحديث. فكذلك جعل يطبع مثل هذه الأسجاع في محاكاة القرآن؛ ليوهمهم أنه يوحى إليه كما يوحى إلى محمد، كَأَنَّمَا النُّبُّوَةُ وَالْكَهَانَةُ ضرب واحد، على أنه لم يَفْلَحْ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ أَيْضًا، فَقَدْ كَانَ كَثِيرُونَ ممن تبعهم من أشياعه والمقربين منه، كانوا يعرفونه بالكذب والحماقة، ويقولون: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تَعَاطِيهِ الْكَهَانَة حَاذِقًا، وَلَا فِي دَعْوَى النَّبوة صادقًا، وَإِنَّمَا كان إتباعهم إياه -كما قال قائلهم- كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر. ويروى أيضًا -غير كلام مسيلمة الكذاب يروى-: أن بعض الشعراء والأدباء كأبي العلاء المعري والمتنبي وابن المقفع حاولوا المعارضة للقرآن، بَيْدَ أَنَّهُمْ صَدَقُوا مَعَ أَنْفُسِهِمْ، فَقَدْ تَرَاجَعُوا بَعْدَ الْعَيِّ وَالْعَجْزِ، وَأَيْقَنُوا أَنَّ عَظَمَةَ الْقُرْآنِ لَا تُطَاوِلُهَا قُوَى البشر، ولا تقرب من سفحها بلاغة البلغاء، فمزقوا أوراقهم، وأعلنوا فشلهم، ولعلهم في محاولاتهم هذه أرادوا أن يضيفوا دليلًا تجريبيًّا -وهم النوابغ في فصحى الْخَالِدَة- على عجز البشر عن معارضة الكتاب العزيز، وهذا رأي كثير من العلماء. يقول العلامة الزرقاني -عن تجربة هؤلاء الثلاثة-: إنهم حدثتهم نفوسهم مرة أن يعارضوا القرآن، فما كادوا يبدءون هذه المحاولة حتى انتهوا منها بتكسير أقلامهم، وتمزيق صحفهم؛ لأنهم لمسوا بأنفسهم وعورة الطريق واستحالة المحاولة، وأكبر ظني -وَالْكَلَامُ لِشَيْخِنَا الْعَلَّامة الزرقاني، وأكبر ظني- ظن الكاتبين من قبلي: أنهم كانوا يعتقدون من أعماق قلوبهم بلاغة القرآن وأعجازه من أول الأمر، وإنما أرادوا أن يضموا دليلًا جديدًا إِلَى مَا لَدَيْهِمْ منْ أَدِلَّةٍ ذَاقُوهَا بِحَاسَّتِهِمُ الْبَيَانِيَّةِ مِنْ بَابِ {وَلَـكِن لّيَطْمَئِنّ قَلْبِي} [البقرة:260]، ويا ليت شعري إن لم يتذوق أمثال هؤلاء بلاغة القرآن وإعجازه؛ فمن غيرهم؟ انتهى كلام العلامة الزرقاني. ولا شك أن المحاولات الفاشلة -زعم معارضة القرآن- سوف تتجدد بين الحين والحين، وبخاصة من أعداء الإسلام -كَالْبَهَائِية والقديرية واليهودية العالمية- الَّذِينَ يدسون بين الحين والحين على شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت” يدسون عليها بعض العبارات المنزوعة من توراتهم المحرفة، ويغيرون ويبدلون في عبارات القرآن، يوهمون العوام وغير المسلمين أنها آيات قرآنية، يظنونها تروج على الناس، ولكن الله الذي تكفل بحفظ كتابه على الدوام سَيَمْحَقُ باطلهم، ويرد كيدهم في نحورهم، ويكشف زيفهم، كما قال: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة: 32]. خاتمة: وفي ختام هذا الموضوع -موضوع إعجاز القرآن الكريم- أشير إلى أن وجوه القرآن في القرآن الكريم مفتوحة، لم تنتهِ فيها اجتهادات البشر، والقرآن العظيم يختزن في آياته من الأسرار ما لا يُحْصَى وهي باقية فيه ما بقي هذا الشرع إلى يوم الدين، لا سيما الأسرار العلمية في الكون وفي الأنفس؛ مصداقًا لقوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاَفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]. وإذا كان علماء الأمة وأبناؤها المخلصون المخاطبون بهذا الكتاب الكريم ومعرفة إعجازه ممن سلف في القرون الأولى قد آمنوا بهذا الكتاب وأيقنوا بأنه معجز؛ فإن المحدثين منهم -مع إذعانهم وصدقهم- قد عُنُوا عناية خاصة بالإعجاز العلمي باعتباره بابًا عظيمًا، وبرهانًا ساطعًا ناطقًا للإيمان بهذا الكتاب، والدلالة على أن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم هُوَ رَسَولُ اللَّهِ حَقًّا، وَتِلْكَ مُعْجِزَتُهُ الْبَالِغَةُ الْبَاقِيَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَاسِيَّمَا نَحْنُ فِي عَصْرِ الْعُلُومِ وَالْحَضَارَةِ. وَقَدْ بهر الناس بهذه العلوم في مشارق الأرض ومغاربها، العلوم الإنسانية، والعلوم الكونية تقدمت وتطورت بخطوات واسعة لدى الغرب الذي لا ينطق بالعربية، ولا يعرف إعجاز القرآن من هذا الباب، وإنما من جهة الإعجاز العلمي، فإن الحضارة العلمية التي تجوب عالم الفضاء، وتكشف أسرار الخلق في الإنسان وغيره سوف تكشف، بل قد اكتشفت وأيقنت بأن هذا الكتاب يحوي من الأسرار العلمية والاكتشافات الحضارية ما يجعل البشرية تؤمن بيقين أنه معجزة من رب العالمين أيد الله بها خاتم الأنبياء والمرسلين -سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد أنزلت عليه وبلغها للعالمين قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان. وفي ختام هذا المبحث عن إعجاز القرآن الكريم أؤكد أن الإعجاز العلمي هو من أعظم أبواب الإعجاز لهذا القرآن الكريم؛ لأن الحضارة البشرية قد تقدمت كثيرًا، واتسعت فيها العلوم والمعارف -لا سيما علوم الفضاء- وأيقن الإنسان اليوم أن هذه المعجزات التي أَشَارَ إِلَيْهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وأنزله الله على نبيه خاتم الأنبياء والمرسلين منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، وإذا كانت هذه الحقائق لم تعرفِ الْبَشَرِيَّةُ -لم تعرفها البشرية- إلا في القرن الأخير أو عدة سنين أو عشرات السنين؛ فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ دِلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّهُ تَنْزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَ كِتَابَهُ مَلِيئًا بِالْأَسْرَارِ ودلائل الإعجاز، يتحدى الثقلين إلى يوم الدين. والحقيقة من أراد التوسع فالكتب فيها المزيد، لقد ركزت على أربعة أوجه من وجوه الإعجاز، وهناك العلماء -كالعلامة السيوطي في (الإتقان) والعلامة الزركشي قبله في (البرهان) ومن بعدهما العلامة الزرقاني تحدث عن إعجاز القرآن، وَتَوَسَّعَ في الحديث عنه، وبين خصائص أسلوب القرآن باعتبار أن الإعجاز البياني اللغوي هو أعظم وجوه الإعجاز، وذكر من خواص أسلوب القرآن سبعة أنواع مفصلة، وذكر لها أمثلة كثيرة، وتحدث عن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، ومن أراد أن يرجع إليه أو إلى المراجع ليزداد علمًا فيها فهناك (الإتقان) و(البرهان) و(مناهل العرفان) في المبحث السادس عشر والسابع عشر، كتب أكثر من مائة وثلاثين صفحة حول هذا الموضوع.

error: النص محمي !!