Top
Image Alt

شرف علم الحديث

  /  شرف علم الحديث

شرف علم الحديث

أمّا عن شرَف علْم الحديث، فقد روي عن العرباض بن سارية,  أنه قال: ((وعَظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجِلتْ منها القلوب، وذرَفتْ منها العيون. قلنا: يا رسول الله، كأنها موْعظةُ مُوَدِّعٍ، فأَوْصِنا، قال صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله والسّمعِ والطّاعة، وإن تأمّر عليكم عبْد، وإنّه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بِسُنَّتي وسُنّة الخلفاء الرّاشدين المَهْديِّين؛ عَضُّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومُحدَثاتِ الأمور؛ فإنّ كلّ بِدعةٍ ضلالة)) رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: “حسن صحيح”.

قال الحافظ المنذري: وقوله صلى الله عليه وسلم: ((عَضّوا عليها بالنّواجذ)) أي: اجتهدوا على السُّنّة، والْزَموها، واحرصوا عليها، كما يَلزم العاضُّ على الشيء بنواجذه، خوفًا من ذهابه وتفلّته. والنواجذ: الأنياب أو الأضراس.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص,  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العلْم ثلاثة: آية مُحكَمة، أو سُنّة قائمة، أو فريضة عادلة. وما سوى ذلك فهو فضْل)) رواه أبو داود، وابن ماجه.

وعن جابر, أنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خُطبته: أمّا بَعْد، فإنّ أصدقَ الحديث: كتابُ الله، وإنّ أفضلَ الهدْي: هدْيُ محمّد. وشرّ الأمور: مُحدَثاتُها، وكلّ مُحدَثة بِدعة))، بنحْو ما تقدّم من الحديث. رواه الإمام مسلم، وأحمد، وغيرهما…

قال الإمام النووي رحمه الله: إنّ مِن أهمّ العلوم: تحقيق معرفة الأحاديث النبويّات -متونها، صحيحِها، وحَسَنِها، وضعيفِها…. وبقية أنواعها المعروفات.

ودليل ذلك: أنّ شرْعنا مبنيٌّ على الكتاب العزيز، والسُّنن المرويّات. وعلى السّنن مدار أكثر الأحكام الفقهيّات؛ فإنّ أكثر الآيات الفروعيات مُجمَلات، وبيانُها في السُّنن المُحكمَات.

وقد اتّفق العلماء على: أنّ مِن شرْط المجتهد مِن القاضي والمُفتي: أن يكون عالِمًا بالأحاديث الحُكميّات؛ فثبَت بما ذكرناه: أنّ الاشتغال بالحديث مِن أجَلِّ العلوم الرّاجحات، وأفضلِ أنواع الخيْر وآكَد القُربات. وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل على بيان حال أفضل المخلوقات -عليه من الله الكريم أفضلُ الصلاة والسلام والبركات؟.

ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات؛ حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوفٌ متكاثرات. فتناقص ذلك وضَعفتِ الهِمم، فلم يَبق إلَّا آثار من آثارهم قليلات، والله المستعان على هذه المصيبة وغيرِها من البليّات.

وقد جاء في فضل إحياء السُّنن المماتات، أحاديث كثيرة معروفات مشهورات.

فعن عمرو بن عوف, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث يومًا: ((اعلَمْ يا بلال، قال: ما أعلَم، يا رسول الله؟ قال: إنّ مَن أحيا سُنّة من سُنّتي أُميتَتْ بعدي، كان له مِن الأجْر مِثْلُ مَن عمِل بها، مِن غير أن يَنقص من أجورهم شيئًا. ومَن ابتدع بِدعةً ضلالةً لا يرضاها اللهُ ورسولُه، كان عليه مِثْلُ آثام مَن عَمِل بها، لا يَنقص ذلك من أوزار الناس شيئًا)) رواه الترمذي وحسّنه.

وقال الحافظ المنذري: وللحديث شواهد؛ فعن أنس, قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبّ سُنّتي، فقد أحَبَّنِي. ومَن أحَبَّني، كان معي في الجنة)) رواه الترمذي.

وقال الإمام السيد محمد بن المرتضى اليماني -رحمه الله تعالى- في مقدّمة كتابه (إيثار الحقّ على الخلْق) ما نصّه: المُحامي عن السُّنّة، الذّابّ عن حِماها، كالمجاهد في سبيل الله تعالى، يُعِدّ للجهاد ما استطاع من الآلات والعُدّة والقوّة، كما قال سبحانه: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون} [الأنفال: 60]. وقد ثبت في (الصحيح): أنّ جبريل عليه السلام كان مع حسّان بن ثابت يُؤيِّده، ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشعاره؛ فكذلك مَن ذَبّ عن دِينه وسُنَّته مِن بَعْده، إيمانًا به صلى الله عليه وسلم وحُبًّا ونُصحًا له، ورجاء أن يكون مِن الخَلَف الصّالح الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَحمل هذا العلْم مِن كلِّ خلَف عُدولُه، يَنْفون عنه تحريفَ الغالِين وانتحال المُبْطِلين)).

والجهاد باللّسان أحَدُ أنواع الجهاد وسُبُلِه، وفي الحديث: ((أفضلُ الجهاد: كلمةُ حقٍّ عند سلطان جائر)). وقد أحسنَ مَن قال في هذا المعنى شعرًا:

 جاهدتُ فيك بقولي يوم يَختصمُ

* الأبطالُ إذ فاتَ سيفي يومَ ينتصِعُ

إنّ اللّسانَ لوصّالٌ إلى طُرُق

*في الحقِّ لا تهتديها الذُّبَّلُ السُّرَعُ

فلهذا ينبغي الاعتناءُ بعلْم الحديث، والتحريضُ عليه، لِما ذَكَرْنا من الدّلالات، ولكونه أيضًا من النصيحة لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم؛ وذلك هو الدِّين، كما صحّ عن سيد البريّات صلى الله عليه وسلم.

ولقد أحسن القائل: مَن جمَع أدواتِ الحديث، استنار قلبُه، واستخرج كنوزَه الخفيّات، وذلك لكثرة فوائده البارزات الكامنات. وهو جدير بذلك، فإنه كلام أفصح الخلْق صلى الله عليه وسلم ومَن أُعطِيَ جوامعَ الكلمات صلى الله عليه وسلم.

فعلْم الحديث علْم رفيع القَدْر، عظيم الفَخْر، شريف الذِّكْر، لا يعتني به إلَّا كلُّ حَبْر، ولا يُحرَمُه إلَّا كلّ غَمْر، ولا تفنى محاسنُه على ممرّ الدّهْر، لم يزل في القديم والحديث يسمو عزةً وجلالة، والله أعلم.

وكَمْ عزّ به مَن كشف الله له عن مُخبَّآت أسراره وجلالِه؛ إذ به يُعرَف المُرادُ من كلام ربّ العاملين، ويظهر المقصودُ من حَبْله المتّصل المتين. ومِنه يُدرَى شمائلُ مَن سما ذاتًا ووصْفًا واسمًا، ويوقَف على أسرار بلاغة مَن شرَّف الخلائقَ عُربًا وعجمًا. وناهيك بعلْمٍ مِن المصطفى صلى الله عليه وسلم بدايتُه، وإليه مُستندُه وغايتُه. وحَسْب الراوي للحديث الشريف شرفًا وفضْلًا وجلالةً ونُبلًا: أن يكون أوّلَ سلسلة آخِرُها الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى حضرته الشريفة بها الانتهاءُ والوصول.

وطالما كان السّلَف الصّالح يُقاسون في تَحمّله شدائدَ الأسفار، ليأخذوه عن أهله بالمشافهة، ولا يَقنعون بالنّقل من الأسفار. وتأسّى بهم مَن بَعْدهم مِن نقَلَة الأحاديث النبويّة، وحَفَظة السُّنّة المُصطفويّة، فضبطوا الأسانيد، وقيّدوا منها كلّ شريد، وسَبروا الرّواة بين تجريح وتعديل، وسلكوا في تحرير المتْن أقوم سبيل؛ ولا غرَض لهم إلَّا الوقوفُ على الصحيح من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم وأفعاله، ونفْيُ الشُّبْهة بتحقيق السّند واتّصاله.

فهذه هي المَنقبة التي تتسابق إليها الهِممُ العوالي، والمَأْثرة التي يُصرف في تحصيلها الأيّام والليالي.

يقول الإمام أبو الطيب السّيّد الحسيني -عليه الرحمة والرضوان- في كتابه (الخُطّة): اعلَمْ: أنّ العلوم الشّرعيّة ومفتاحَها، ومشكاةَ الأدلّة السمعية ومصباحَها، وعُمدة المناهج اليقينيّة ورأسَها، ومبنى شرائع الإسلام وأساسَها، ومستندَ الروايات الفقهية كلِّها، ومآخذَ الفنون الدينيّة دقِّها وجِلِّها، وأسوةَ جُملة الأحكام وأسَّها، وقاعدةَ جميع العقائد وأست قُصِّها، وسماء العبادات وقُطْب مدارها، ومركز المعاملات ومحطّ حارِّها وقارِّها: هو علْم الحديث الشريف الذي تُعرف به جوامع الكَلِم، وتنفجر منه بنابيعُ الحِكم، وتدور عليه رحَى الشّرع بالأسْر، وهو مِلاك كلّ نهْي وأمْر، ولولاه لقال من شاء ما شاء، وخبط الناس خبط عشواء، وركبوا متن عمياء. فطوبى لِمَن جَدّ فيه، وحصل منه على تنويه، يملك من العلوم النواصي، ويُقرِّب من أطرافها البعيد القاصي. ومن لم يَرضع من دَرِّه، ولم يَخُض في بحره، ولم يقطف من زهْره، ثم تعرّض للكلام في المسائل والأحكام، فقد جار فيما حَكَم، وقال على الله تعالى ما لم يعلم. كيف وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والرسول أشرف الخلْق كلّهم أجمعين، وقد أوتيَ جوامعَ الكلِم وسواطعَ الحِكم من عند رب العالمين؛ فكلامه أشرف الكَلِم وأفضلُها، وأجمعُ الحِكم وأكملُها، كما قيل: كلام الملوك ملوكُ الكلام. وهو تِلْو كلام الله العلاّم، وثاني أدلّة الأحكام؛ فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسْرها، وأحكامَ الشريعة المطهّرة بتمامها، وقواعد الطريقة الحقة بحذافيرها، وكذا الكشفيّات والعقليات بنقيرها وقطميرها، تتوقّف على بيانه صلى الله عليه وسلم فإنها ما لم توزن بهذا القسطاس المستقيم، ولم تُضرب على ذلك المعيار القويم، لا يُعتمد عليها ولا يُصار إليها. فكفى خادم الحديث فضلًا: دخولُه في دعْوته صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((نضّر اللهُ امرأً سمِع مقالتي، فحفِظها، ووعاها، وأدّاها)) رواه الشافعي والبيهقي، عن ابن مسعود.

وعن زيد بن ثابت, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نضّر الله امرأً سمِع منّا حديثًا فبلّغَه غيرَه؛ فرُبَّ حامِلِ فقْهٍ إلى من هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقْه ليس بفقيه)) رواه أبو داود، والترمذي وحسّنه.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اللهم ارحمْ خلفائي. قيل: ومَن خُلفاؤك؟ قال: الذين يأتون مِن بعدي، يرْوُون أحاديثي ويُعلِّمونها الناس)) رواه الطبراني وغيره…

وكأن تلقيب المُحدِّث بـ”أمير المؤمنين” مأخوذ من هذا الحديث، وقد لُقِّب به جماعة منهم: سفيان الثوري، وابن راهويه، والبخاري، وغيرهم…

وقد قيل في قوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [الإسراء: 71]: ليس لأهل الحديث منقبة أشرفَ من ذلك؛ لأنه لا إمامَ لهم غيرُه صلى الله عليه وسلم.

وعن أسامة بن زيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يَحمل هذا العلْم مِن كلِّ خَلَف عدولُه، يَنفُون عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المُبطلين، وتأويلَ الجاهلين)) رواه من الصحابة غيرُ واحد، وأخرجه الدارقطني وأبو نعيم. وتعدّدُ طُرُقه يقضي بحُسْنه، كما جزم به العلائي. وفيه: تخصيص حَمَلة السُّنّة بهذه المنقبة العليّة، وتعظيم لهذه الأمّة المحمدية، وبيانٌ لجلالة قَدْر المُحدِّثين، وعلوّ مرتبتهم في العالمين؛ لأنهم يَحمون مشارع الشريعة ومتون الروايات من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، بنقل النصوص المُحكَمة لردّ المتشابه إليها.

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في أوّل (تهذيبه): هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة هذا العلْم وحفْظه وعدالة ناقليه، وإن الله تعالى يوفِّق له في كلّ عصْر خَلَفًا من العدول يَحمُونه ويَنفُون عنه التحريف، فلا يضيع. وهذا تصريح بعدالة حامِليه في كلّ عصر. وهكذا وقع -ولله الحمد.

وهو مِن أعلام النّبوّة، ولا يضرُّ كَوْن بعض الفسّاق يعرف شيئًا من علْم الحديث، إنما هو إخبار بأنّ العدول يحملونه، لا أنّ غيرهم لا يعرف شيئًا منه.

– ومِن شرَفِ علْم الحديث: ما رواه عبد الله بن مسعود, أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ أوْلى الناس بي يوم القيامة: أكثرُهم عليَّ صلاةً)) رواه الترمذي وقال: “حسن غريب”.

وقال ابن حبان في (صحيحه): في هذا الحديث: بيان صحيح على أنّ أوْلى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة هم أصحاب الحديث؛ إذ ليس مِن هذه الأمّة قوم أكثر صلاة عليه منهم.

وقال أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونَقَلَتُها؛ لأنه لا يُعرف لِعصابةٍ من العلماء من الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرُ مَا يُعرف لأهل الحديث.

وكان الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: “لولا أهل المحابر، لخطبت الزنادقة على المنابر”.

وقال أيضًا: “أهل الحديث في كلّ زمان كالصحابة في زمانهم”.

وقال أيضًا: “إذا رأيتُ صاحبَ حديث، فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وكان أحمد بن سريج يقول: “أهل الحديث أعظم درجة من الفقهاء، لاعتنائهم بضبط الأصول”.

وكان أبو بكر بن عياش يقول: “أهل الحديث في كلّ زمان كأهل الإسلام مع أهل الأديان”.

وكان عمر بن الخطاب, يقول: “سيأتي قومٌ يُجادلونكم بشُبُهات القرآن، فخُذوهم بالسُّنَن؛ فإنّ أصحاب السُّنن أعلم بكتاب الله عز وجل”.

فوائد كتابة الحديث وإسماعه للناس:

الفائدة الأولى: عدم اندراس أدلّة الشريعة؛ فإنّ الناس لو جهلوا الأدلّة جملة -والعياذ بالله تعالى- لربّما عجزوا عن نصرة شريعتهم عند خصْمهم، وقولهم: “إنا وجدْنا آباءنا على ذلك” لا يكفي. وماذا يضرّ الفقيه أن يكون مُحدِّثًا، يعرف أدلّة كلِّ باب من أبواب الفقه؟!.

الفائدة الثانية: تجديد الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلّ حديث. وكذلك تجديد التّرضِّي والتّرحّم على الصحابة والتابعين من الرواة إلى وقتنا الحاضر.

الفائدة الثالثة -وهي أعظمها فائدة-: الفوز بدعائه صلى الله عليه وسلم لِمَن بلّغ كلامَه إلى أمّته في قوله: ((نضّر الله امرأً سَمِع مقالتي فوعاها، فأدّاها كما سمِعَها)). ودعاؤه صلى الله عليه وسلم مقبول بلا شك.

وأمّا عن إجلال الحديث وتعظيمه، والرّهبة مِن الزّيغ عنه، فقد روت عائشة, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحدث في أمْرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)) رواه البخاري ومسلم.

ورواه أبو داود، ولفظه: ((مَن صنَع أمْرًا على غيْر أمْرِنا، فهو رَدٌّ)).

وفي رواية لمسلم: ((مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمْرُنا، فهو رَدٌّ)).

وعن أنس, أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رغب عن سُنّتي فليس منِّي)) رواه مسلم.

وعن العرباض بن سارية, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لقد تَركْتُكم على مِثْل البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلَّا هالِك)) رواه ابن أبي عاصم في كتاب (السُّنة)، بإسناد حَسَن.

وعن عائشة, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سِتّة لعَنْتُهم، ولَعَنَهم الله، وكلّ نبيّ مُجاب: الزائدُ في كتاب الله، والمُكذِّبُ بقَدَر الله، والمتسلِّطُ على أمّتي بالجبروت لِيُذلّ مَن أعزّ الله ويُعزّ مَن أذلّ الله، والمُستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والتّارك السُّنّة)) رواه الطبراني، وابن حبّان في (صحيحه)، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وقال المنذري: لا أعرف له علّة.

وعن عبد الله بن عمرو, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يكونَ هواه تبَعًا لِما جِئتُ به)) رواه البغوي في (شرح السُّنّة)، وقال النووي: في (أربعينه): هذا حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجّة بإسناد صحيح.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله في “باب الصيد” من كتاب (الأم): “كلّ شيء خالَف أمْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يكون معه رأي ولا قياس؛ فإنّ الله قطَع العذْر بِقوْل رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لأحَدٍ معه أمْر ولا نهْي، غيرَ ما أمَر هو به صلى الله عليه وسلم”.

وكان  يقول: “رسول الله صلى الله عليه وسلم أجَلُّ في أعْيُننا من أن نُحبّ غيرَ ما قضَى به”.

والمُتمسِّك بالسُّنّة المُطهّرة، إذا اتُّبِعت الأهواء، وأُوثِرت الدّنيا؛ كان أجْرُه عظيمًا.

فعن أبي ثعلبة الخشني, أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائتَمِروا بالمعروف، وانهَوْا عن المُنكَر؛ حتّى إذا رأيتُم شُحًّا مُطاعًا، وهوًى مُتَّبَعًا، ودُنيا مُؤثَرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، فعليْك بنفْسك، ودَعْ عنك أمْر العوامّ؛ فإنّ مِن ورائِكم أيّامًا الصّبرُ فيهنّ كالقبْض على الجمْر. للعامل فيهنّ مِثْلُ أجْر خمْسين رجُلًا يعملون مِثْلَ عَمَلِه)). رواه الترمذي، وقال: “حسن غريب”.

ورواه أبو داود، وزاد: ((قيل: يا رسول الله، أجْر خمسين رجُلًا منّا أو منهم؟ قال: بل أجْر خمسين منكم)).

وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المُتمسِّك بسُنّتي عند فساد أمّتي، له أجْر شهيد)). رواه الطبراني.

ورواه البيهقي من رواية الحسن بن قتيبة، عن ابن عباس رفَعَه: ((مَن تَمسّك بسُنّتي عند فساد أمّتي، فله أجْرُ مائة شهيد)). وعن معقل بن يسار, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عِبادة في الهرْج كهجرةٍ إليّ)) رواه مسلم، والترمذي، وابن ماجه.

error: النص محمي !!