Top
Image Alt

شركة الوجوه

  /  شركة الوجوه

شركة الوجوه

شركة الوجوه معناها: أن يشترك شخصان وجيهان عند الناس، أي: لهما وجاهة مشهوران بين الناس بالأمانة، والناس لهم فيهما ثقة، فيشترك اثنان من أهل الوجاهة، يعني الثقة عند الناس من غير أن يكون لهما رأس مال على أن يشتريا في ذمتيهما بالنسيئة، أي: بمؤجل ويبيعاها بالنقد على ما رزق الله سبحانه من ربح، أي: فارق الأثمان؛ فهو بينهما على ما يشترطان.

ومثال ذلك: زيد وعمرو من أصحاب الوجاهة، يعني: الناس لهم فيهما ثقة، فمن الممكن أن يكونَّا شركة، وليس لهذه الشركة مال، وإنما شركة وجوه أو ذمم؛ فيذهب زيد وعمرو إلى أصحاب البضائع والسلع، فيأخذان سلعًا نسيئة، يعني: بالأجل، ويأخذان هذه البضائع دون أن يدفعا أيَّ مال، ويبيعانها في السوق؛ فيأخذ كل منهما نصيبه من هذا الربح، وهذه تسمى شركة الوجوه أو شركة الذمم؛ لأن كل منهما ليس له مال إنما أعتمد على وجاهته وثقة الناس فيه، ويضمن هذا المال الذي يأخذه ويشترك به مع الآخر.

وسمي هذا النوع من الشركة، شركة وجوه؛ لأنه لا يباع في أيّ زمان، وفي أيّ مكان بالنسيئة إلا لوجيه من الناس عادة، وغير الوجيه لا يبيع له أحد نسيئة، لكن يبيعون بالنسيئة للمعروف المشهور عندهم؛ صاحب الوجاهة، وهي أيضًا معروفة بالشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال، وهي جائزة عند الحنفية والحنابلة؛ لأنها شركة عقد تتضمن توكيل كل شريك صاحبه في البيع والشراء، وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء على أن يكون المشترى بينهما صحيحًا، فكذلك الشركة التي تتضمن ذلك؛ كالوكالة؛ فيمكن أن يوكل شخص آخر يشتري له، ويمكن أن يشترك اثنان وكل منهما يوكل الآخر في التصرف أثناء البيع وأثناء الشراء وأثناء تحمل الدين؛ فكذلك شركة الوجوه أو شركة الذمم.

هذا بالإضافة إلى أن الناس يتعاملون بها في سائر الأمصار الإسلامية من غير إنكار من فقهاء هذه الأمصار، فإن ما اتفقا عليه، يعد عملًا من الأعمال؛ فيجوز أن تنعقد عليه الشركة، يعني كون الشريكين يتفقان على أن يشتريا أشياء نسيئة في ذمتهما وأن يتاجرا فيها؛ هذا عمل، لكن المالكية والشافعية، لم يوافقوا على هذه الشركة وقالوا: إنها شركة باطلة، وعلل المالكية ذلك بأنها شركة فيها أخذ أجر على معروف، فلا يجوز أخذ الأجر على معروف، ولأنها عبارة عن ربا فأحدهما أو كلاهما كلا الشريكين يقترض من الناس ويكسب بدون أن يكون له مال.

وأما الشافعية، فقالوا: هذه الشركة مرفوضة؛ لأنها لا تقوم على مال، لكن الواقع أن كلام الحنفية والحنابلة في هذا الصدد أقوى بدليل تعامل الناس بها وبدليل أنها أعمال؛ لأن ليست الشركة دائمًا تكون على مال، بل قد تكون على مال وقد تكون على عمل.

وأسباب الربح ثلاثة: المال، والعمل، والضمان، وهذا نوع من التضامن، وهذا نوع من الوكالة؛ إذ إن كل شريك يعوض الآخر بعوض ويوكله، صحيح هذا العوض غير محدد بالصناعة أو بعمل مخصوص، لكن هذا الغرر يغتفر أيضًا لحاجة الناس إلى هذه المعاملة.

وبناء على رأي القائلين -وهو الراجح- بجواز شركة الوجوه أو الذمم فإنة يجوز اختلاف حصة كل من الشريكين، فيكون الربح والخسارة بقدر ما يضمن كل منهما؛ لأن ذلك مبني على القدر الذي ضمنه من المال، لما كان الأول قد ضمن في ذمته ستين ألفًا؛ فإنه يأخذ أكثر من صاحبه ولا بأس بذلك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه  وسلم يقول: ((المؤمنون عند شروطهم))، وفي رواية: ((إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا))، وهذا الشرط في توزيع الربح يتفق مع العدالة التي هي روح هذه الشريعة الإسلامية.

والربح والخسارة؛ الربح يكون على قدر حصة كل من الشريكين في رأس المال الذي أخذه نسيئة؛ لأن الربح هنا على قدر الضمان، وكذلك الخسارة تكون على قدر الضمان؛ لأن القاعدة الشرعية الفقهية تقول: الغرم بالغنم، والنبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((الخراج بالضمان))، يعني الغرم بالغنم، والغنم بالغرم، وإذا كانت شركة الوجوه عنانًا؛ خضعت لأحكام شركة العنان، وإذا كانت مفاوضة؛ خضعت لشركة المفاوضة مثل شركة الأعمال، وشركة الأموال؛ فإنها تخضع لأحكام نوع الشركة، أي: النوع العام من العنان أو المفاوضة.

error: النص محمي !!