Top
Image Alt

شروط الترجمة، وعناصرها

  /  شروط الترجمة، وعناصرها

شروط الترجمة، وعناصرها

لقد أوجز الجاحظ في عبارة بليغة الشروط الواجبة توافرها في المترجم؛ إذ يقول في معرض حديثه عن الشعر العربي وصعوبة ترجمته، وذلك في كتابه (الحيوان): “لابد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون من أعلم الناس باللغة المنقولة أو المنقول إليها حتى يكون فيهما سواء”.

فإذا ما أضفنا إلى هذين الشرطين شرطا ثالثا وهو: لزوم الأمانة في الترجمة حتى يكون مترجما لا مصنفا،فإن هذه الشروط الثلاثة مجتمعة تمثل أساس عملية الترجمة، كما يمكن أن نضيف إليها: عدم الخلط بين الأساليب الكتابية، وهذا الأمر يقتضي من المترجم أن يكون متمكنا من اللغة؛ إذ لابد قبل النقل من إجادة اللغة التي ينقل إليها النص، فإذا قعدت اللغة بالناقل عز عليه أن يترجم ترجمة صحيحة يعول عليها، وجاء كلامه مهلهلا لا يضبط معنى، ولا يؤدي رسالة محددة الأهداف. 

إن مراعاة الأسلوب أمر بالغ الأهمية في الترجمة، بشرط ألا يؤدي هذا إلى الخروج عن هدف المؤلف أو إلى الإبهام والغموض.

كما يمكن أن يضاف إلى الشروط شرط آخر وهو: الالتزام بالنص، فينبغي على المترجم أن يلتزم بالنص وألا يقدم أو يؤخر إلا فيما يقتضيه تركيب اللغة العربية، ويرتبط بهذا ما يسمى بالتلخيص في الترجمة، فبعض المترجمين اتخذوا التلخيص منهجا لهم في الترجمة، لا لعدم قدرتهم على الأداء الكامل في ترجمة النص؛ بل لاعتبارات خاصة، بينما يرى آخرون أن ظاهرة التلخيص في الترجمة ظاهرة معيبة تخرج بالمترجم عن مناهج الصواب؛ حيث يطلق العنان لقلمه ويجد في النص ما لم يكن يريده المؤلف، ويتصرف في المعنى بالزيادة والنقصان حسب هواه، فيفسد بذلك النقل، ويضيع الأصل، ويشترط آخرون في الترجمة ألا تبدو كترجمة، أي: أن الترجمة تخفي نفسها، وكأن المؤلف نفسه هو كاتبها بلغتها المنقولة إليها، ومما يتصل بشروط الترجمة شروط اختيار الكلمة؛ حيث ينبغي أن تنم الكلمة المختارة عن ذوق أدبي يوجهه إحساس بجمال اللفظة، وعدم نفور الذوق العام أو العرف العام منها.

هذا بجانب أن تكون الكلمة سهلة على الألسن في الاستعمال، ولا يكون فيها تنافر في الحروف يتنافى مع الفصاحة، ويتصل بهذا قضية المجازات والاستعارات، فيرى بعض العلماء أن معالجتها تختلف من مترجم إلى آخر، فبعضهم يرى أن الترجمة أمانة ويجب أن تؤدى المجازات والاستعارات كما كتبها أصحابها الأصليون، بينما يرى آخرون عدم التقيد بما جاء في الأصل الأجنبي من مجازات واستعارات، فالترجمة ذوق قبل أن تكون قيدا وتقيدا، والمجازات والاستعارات تتقارب في اللغات بتقارب أصلها ومتنها وفكرها. 

أما حين تتباعد اللغتان -المنقول منها والمنقول إليها- في الأصل والجذر والنحو والبيان والمجاز والفكر، فإن الاستعارة والمجاز يبدوان صارخين حين الترجمة.

وهكذا يختلف العلماء في هذه القضية أما بالنسبة لأسماء الأعلام، فإنه ينبغي الالتزام بتقرير لجنة اللهجات بمجمع اللغة العربية في القاهرة سنة أربع وستين وتسعمائة وألف من الميلاد؛ حيث رأى تطبيق قواعد كتابة الأعلام الأجنبية على أسماء الأشخاص والمصطلحات العلمية المعربة؛ لأنها بمثابة الأعلام، ورأى أن يكتب العلم الأجنبي على حسب نطقه في موطنه،فنسلممن البلبلة التي تلمس في نطق اللغات الأوربية الحديثة لعَلم واحد من أصل يوناني، أو لاتيني بطرق مختلفة، كما أنه بوسعنا -كما ذكر التقرير- أن نجد في العربية الرموز التي تعبر عن الأصوات الأجنبية، تماما كما صنع المستشرقون حين وجدوا رموزا للدلالة على الأصوات العربية غير الموجودة في لغاتهم.

ويستحسن أن تكتب الصورة العربية للعَلم الأجنبي بين قوسين، كما ينبغي في أثناء كتابة الصورة العربية للعلم الأجنبي أن تكتب صورته الأجنبية -أي رسمه- بحروفه الأجنبية بين قوسين، على أية حال فإن المترجم ينبغي أن يتمتع -علاوة على ما ذكرت- بموهبة واستعداد ودقة ملاحظة، وخاصة حينما يكون المترجم مترجما شفويا، فيجب أن تكون أذنه أذنا لاقطة وعينه عينا لماحة، وذاكرته ذاكرة قوية وقادرة على اختزان المعلومات فيها واسترجاعها كيفما شاء وفي الوقت المناسب، مع القدرة على الحفظ الفوري، وحسن التصرف في المواقف الصعبة، والقدرة على التكيف حسب ما يتطلب الموقف، وكذا التحكم في الأعصاب والتصرفات.

وينبغي أن يكون المترجم عموما متقنا للّغتين المنقول منها والمنقول إليها، عارفا بموضوع الترجمة إلى حد التخصص.

إن العلماء يؤكدون على دور المترجم ويقيدونه بشروط عديدة، فالمترجم جزء من البيئة الثقافية التي يعيش فيها، ولابد أن يكون ملما بخصائص اللغة التي سيترجم منها، وملما أيضا باللغة التي سيترجم إليها، فلا يعتمد على القاموس وحده، فلابد من فهم المغزى العام للمعنى، ولابد أن يكون ماهرا في استشارة القواميس، وعلى وعي تام بالجوانب الدقيقة للمعنى والقيم الانفعالة السلوكية المهمة للكلمات، والخصائص الأسلوبية التي تحدد إحساس الرسالة، ومعظم الأخطاء تنشأ من عدم معرفة المترجم باللغة المنقول إليها.

لذا يوصي العلماء بأن يكون لدى المترجم معرفة بالموضوع الذي يترجمه، ولديه الرغبة النفسية الحقيقية ولديه موهبة المحاكاة والقدرة على أداء دور المؤلف، وسلوكه وكلامه.

وينبغي أن يكون محايدا بعيدا عن الذاتية، فلا يضم انطباعاته الخاصة إلى الرسالة حتى لا يحدث تحوير أو تبديل لها، وخاصة في النصوص الدينية؛ لذا يشير بعض العلماء إلى عنصرين هامين من عناصر الترجمة وهما: روح المؤلف، والتطويع، فالمترجم لابد أن ينفذ إلى روح الكاتب، وأن يفهم شخصية المؤلف تمام الفهم. 

وأما عنصر التطويع، فالمقصود به: تطويع اللغة العصية لقبول المعاني الأجنبية قبولًا لا يظهر فيه شذوذ أو نشوز، وعملية التطويع هذه تقوم على مقومات مهمة هي في حد ذاتها من بين الشروط الواجب توافرها في الترجمة، ومن بين هذه المقومات: عدم الخلطبين الأساليب الكتابية، وأيضا الالتزام بالنص.

error: النص محمي !!