Top
Image Alt

شروط الحديث المقبول

  /  شروط الحديث المقبول

شروط الحديث المقبول

الحديث المقبول له شروط لا بد من تحققها حتى يكون مقبولًا، وإذا فَقَد الحديث شرطًا أو أكثر من هذه الشروط؛ صار مردودًا، وهذه هي شروط الحديث المقبول:

الشرط الأول: اتصال الإسناد:

تعريف الإسناد: هو الطريق الموصل لمتن الحديث، أو هو عبارة عن سلسلة الرواة الذين تحملوا الحديث واحدًا عن آخر حتى وصلوا به إلى قائله الأول.

تعريف المتن: هو نص الحديث أو ألفاظ الحديث التي تقوم بها المعاني.

قلنا: الشرط الأول اتصال الإسناد، والمراد باتصال الإسناد أن يكون كل راوٍ في الإسناد قد تحمَّل الحديث عمن فوقه مباشرة بطريق من طرق التحمل، وهذا يعني أن الإسناد لم يسقط منه راوٍ أو أكثر.

الشرط الثاني: عدالة الراوي، أو عدالة الرواة:

يُشترط في الراوي الذي تُقبل روايته أن يكون عدلًا في دينه.

تعريف العدل لغة: العدل في اللغة ضد الجور، وما قام في النفس أنه مستقيم يُقال: عدَّل الحكم تعديلًا أقامه، وعدَّل فلان زكاه، وعدّل الميزان سوَّاه.

والعدّل في اللغة أيضًا: هو عبارة عن المتوسط في الأمور من غير إفراط في طرف الزيادة والنقصان، ومنه قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي: عدلًا، فالوسط والعدل بمعنى واحد، فالأمة الإسلامية هي أعدل الأمم على الإطلاق.

والعدالة في اصطلاح الفقهاء: هي ملكة راسخة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة جميعًا، وذلك إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات.

العدالة في اصطلاح المحدثين: حتى يكون الراوي عدلًا عند المحدثين لا بد أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، سالمًا من أسباب الفسق، سالمًا من خوارم المروءة.

أولًا: الإسلام: يُشترط في الراوي عند الأداء والتحديث أن يكون مسلمًا، فلا تُقبل رواية الكافر للآتي:

  1. أجمعت الأمة الإسلامية على ردِّ رواية الكافر؛ لأنه ليس أهلًا للرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا منصب شريف لا يصل إليه الكافر.
  2. الفاسق غير مقبول الرواية فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} [الحجرات: 6] أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة بالتثبُّت من خبر الفاسق، كما أنه رتَّب ردّ خبره على فسقه، فعلَّة ردِّ خبر الفاسق إنما هي الفسق، والكفر أعظم أنواع الفسق على الإطلاق؛ فمن باب أولى تُردُّ رواية الكافر. ولأن الكافر عدو لديننا فكيف نأتمنه على سنة نبينا؟! غير أنه يجوز للكافر أن يتحمَّل الحديث وأن يحضر مجالس العلماء، ولكن لا يؤدِّي إلا بعد الإسلام، فإن أسلم جاز له أن يؤدي ويُحدِّث حتى بما سمعه وتحمَّله في حال كفره.

إذًا إسلام الراوي شرط عند الأداء والتحديث، وليس بشرط عند التحمّل والسماع.

ثانيًا: البلوغ: ذهب جمهور العلماء إلى أنه يُشترط فيمن تُقبل روايته أن يكون عند الأداء والتحديث بالغًا، والمراد بالبلوغ هنا البلوغ الفطري، أو باستكمال خمس عشرة سنة إذا لم يبلغ بلوغًا فطريًّا، وإنما شرطنا في الراوي أن يكون عند الأداء والتحديث بالغًا؛ لأن البلوغ هو مناط التكليف، ولأن الإنسان عندما يصل إلى سنّ البلوغ يُصبح ناضجًا مكتملًا؛ لأنه أصبح عنده القدرة على أن يُنجب مثله، كما أن الإنسان عند هذا السن يستشعر المسئولية، ويكون محاسبًا على كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال، أما غير البالغ وهو غير المكلف فلا تُقبل روايته، وقيل: تُقبل رواية المُميِّز إذا لم يُجرّب عليه الكذب، وهذا خلاف ما عليه الجمهور.

وهذا الشرط وهو البلوغ إنما يُشترط عند الأداء والتحديث، وليس بشرط عند التحمّل؛ فيجوز للصبي المميز أن يتحمل الحديث وأن يحضر مجالس العلماء غير أنه لا يجوز له أن يؤدي ما تحمله قبل البلوغ إلا بعد البلوغ، فإن وصل سن البلوغ جاز له أن يؤدي ما تحمله قبل البلوغ، وهذا بلا خلاف بين العلماء، ويدل على قبول روايته الإجماع والمعقول، أما الإجماع فمن وجهين:

الوجه الأول: الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على قبول رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير، وغيرهم من أحداث الصحابة مطلقًا من غير فرق بين ما تحمَّلوه في حال الصغر وبعد البلوغ.

الوجه الثاني: إجماع السلف والخلف على إحضار الصبيان مجالس الحديث وقبول روايتهم لما تحملوه في حالة الصبا وبعد البلوغ.

وأما المعقول: فهو أن التحرز في أمر الشهادة أكثر منه في الرواية، ولهذا اختلف في قبول شهادة العبد، والأكثر على ردها، ولم يُختلف في قبول رواية العبد. وقد أجمعوا على أن ما تحمله الصبي من الشهادة قبل البلوغ إذا شهد به بعد البلوغ؛ قُبلت شهادته فالرواية من باب أولى.

ثالثًا: العقل: يُشترط فيمن تُقبل روايته أن يكون عاقلًا، فلا تقبل رواية المجنون إذا كان جنونه مطبقًا بالإجماع، وكذا إذا كان جنونه متقطعًا وأثَّر في زمن إفاقته، أما إذا لم يؤثر جنون الراوي في زمن إفاقته قال ابن السمعاني: تُقبل روايته.

رابعًا: السلامة من أسباب الفسق: يُشترط فيمن تُقبل روايته أن يكون سالمًا من أسباب الفسق، والأمور التي يصير بها المسلم فاسقًا أن يرتكب كبيرة، أو يُصرَّ على صغيرة، فإن ارتكب الراوي كبيرة من الكبائر أو أصر على صغيرة ولم يتب؛ رُدَّت روايته بالإجماع، لاحتمال كذبه، فإن تاب قبلت روايته؛ وذلك لأن الفاسق لا يرتكب ما يرتكب من المعاصي مع الإصرار إلا لجُرأته على الله، وعدم مبالاته بأوامره ونواهيه، فما المانع والحالة هكذا أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: السلامة من خوارم المروءة: يُشترط فيمن تُقبل روايته أن يكون سالمًا من خوارم المروءة.

تعريف المروءة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات، والمروءة يُرجع في معرفتها إلى العرف المنضبط بالشرع، فإذا تعارف أهل بلد على استباحة محرم كأن يتعارفوا على شرب الخمر، أو سفور النساء، فهذا عرفٌ باطلٌ، والذي يخلُّ بالمروءة أمران:

الأمر الأول: الصغائر الدالة على الخسَّة ونقص الدين، وعدم الترفُّع عن الكذب، وذلك كسرقة شيء حقير مثل اللقمة أو غير ذلك.

الأمر الثاني: المباحات التي تُورث الاحتقار وتذهب بالكرامة، مثل: المزاح الخارج عن حد الاعتدال، والأكل في السوق، والبول في الشارع، ونحو ذلك، مما يدل على سُرعة الإقدام على الكذب وعدم الإكتراث به.

الأدلة على اشتراط العدالة فيمن تقبل روايته:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن نتثبَّت من خبر الفاسق، ولا نعتمد على روايته في الأخبار، كما أن الله تعالى رتَّب رد خبر الفاسق على فسقه، فعلة ردّ خبر الفاسق إنما هي الفسق؛ فيلزم من ذلك أن يكون الراوي الذي تُقبل روايته عدلًا في دينه. قال الله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، وقال سعد بن إبراهيم: “لا يُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات”، وقال محمد بن سيرين: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم”.

قال الإمام الحازمي في شروط من تُقبل روايته: الشرط الأول: الإسلام وهو المقصود الأعظم، فرواية أهل الشرك مردودة، ومستند ذلك الكتاب والسنة والإجماع، فإن تحمل الرواية وهو مشرك ثم أدَّاها في الإسلام أي: بعد إسلامه؛ فلا بأس بذلك.

ثم قال في شرط العدالة: “قد أجمع أهل العلم على أنه لا يُقبل إلا خبر العدل، وكل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، وإمعان النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عدالة الصحابي ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى لأصحاب النبيصلى الله عليه وسلم، وصفات العدالة هي اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنب الفواحش المفسِّقة، وتحرِّي الحق والتوقي في اللفظ مما يُسلم الدين والمروءة، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر”.

بما تثبت العدالة؟

تثبت عدالة الراوي بواحد من أمرين:

أولًا: التنصيص:

إذا نص عالم من علماء الجرح والتعديل على عدالة الراوي فهو عدل مؤتمنٌ، وهذا هو الصحيح الذي قال به علماء الحديث وغيرهم. وقيل لا تثبت عدالة الراوي إلا إذا نصَّ على عدالته عالمان قياسًا على الشهادة، ولكن قياس الشهادة على الرواية قياس باطل؛ لأنه قياس مع الفارق، كما ستعرف.

ثانيًا: الاستفاضة والشهرة:

فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم، وكثر ثناء الناس عليه بالثقة والأمانة؛ استغني بذلك في إثبات عدالته، ولا يحتاج مع ذلك إلى معدِّل ينصُّ على عدالته، وذلك كالأئمة الأربعة المتبوعين والبخاري وغيرهم ممن عُرفوا بين الناس بالاستقامة والصدق، مع البصيرة والفهم؛ فهؤلاء لا يُسأل عن عدالتهم، وإنما يُسأل عن عدالة من كان في عِدَاد المجهولين، ومن خفي أمره على الطالبين. سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فقال أحمد: “مثل إسحاق يُسأل عنه؟! إسحاق عندنا من أئمة المسلمين”.

مذهب ابن عبد البر في إثبات العدالة:

توسَّع ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في إثبات العدالة فقال: “كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول في أمره أبدًا على العدالة حتى يتبيَّن جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يحمل هذا العلم من كلّ خلفٍ عُدُوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) أخرجه ابن عدي وغيره من حديث ابن عمر، وهو حديث ساقط سندًا ومتنًا”. وفيما قاله الإمام ابن عبد البر اتساع غير مرضي، وسوف نُناقش هذا المذهب، ونبيِّن ضعف هذا الحديث في باب الجرح والتعديل إن شاء الله تعالى.

الشرط الثالث: ضبط الراوي:

يُشترط في الراوي الذي تُقبل روايته أن يكون ضابطًا لحفظه.

تعريف الضبط لغة: لزوم الشيء وحبسه، وضبط الشيء حفظه بالحزم، والرجل ضابط أي: حازم.

تعريف الضبط اصطلاحًا: هو أن يكون الراوي متيقظًا غير مغفل، حافظًا إن حدَّث من حفظه، ضابطًا لكتابه إن حدث من كتابه، وإن كان يُحدِّث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالمًا بما يُحيل المعنى.

أنواع الضبط: نوعان:

النوع الأول: ضبط صدر:

المراد بضبط الصدر: أن يحفظ الراوي ما يسمع من شيوخه ويتمكَّن من استحضار ما سمع في أي وقت شاء، من غير زيادة أو نقصان. هذا إذا كان الراوي يروي باللفظ الذي تحمَّله عن شيخه أو شيوخه، أما إذا كان يروي بالمعنى فلا بد أن يكون مع ذلك بصيرًا باللغة العربية، عالمًا بمدلولات الألفاظ، عالمًا بمقدار التفاوت بين المترادفات؛ وذلك لأن الأحكام إنما تُؤخذ من ألفاظ الحديث، وأن يكون عالمًا بمقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها حتى لا يُحيل الحرام حلالًا أو الحلال حرامًا.

النوع الثاني: ضبط كتاب:

 المراد بضبط الكتاب: أن يسجل الراوي ما يسمع من شيوخه في كتاب لديه منذ سماعه وتصحيحه، ويحفظ هذا الكتاب عنده في مكان أمين حتى لا تمتدُّ إليه يد بتغيير أو تحريف أو زيادة أو نقصان، ويستطيع الأداء منه متى شاء.

وشرط الرواية من الكتاب: ألا يُعير الكتاب لأحد وأن يُحافظ عليه، فإن أعاره لأحد؛ فلا يجوز له أن يروي منه بعد ذلك، لجواز أن يغير فيه المستعير، وهذا بخلاف الكتب التي اشتُهرت كصحيح الإمام البخاري وضبطها الشُّراح.

أي النوعين يوصف بالتمام والنقصان، هل ضبط الكتاب أم ضبط الصدر؟

الضبط الذي يوصف بالتمام أو النقصان إنما هو ضبط الصدر؛ لأن الناس إنما يتفاوتون في درجة حفظهم واستحضارهم للمحفوظ عند التحديث به، أما ضبط الكتاب فلا يُوصف بذلك؛ لأن أقل تقصير في حفظ الكتاب يُخرجه كله عن دائرة الضبط.

قياس ضبط الراوي: تُعرف درجة ضبط الراوي بالآتي:

1. نقارن بين مرويَّات الراوي الذي نريد معرفة درجة ضبطه وإتقانه، ومرويات الأئمة الحُفَّاظ المتقنين الذين جزم العلماء بتمام ضبطهم كالإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم، وتكون النتيجة كالآتي:

أ. إن وجدنا أن مرويَّات الراوي الذي نريد معرفة درجة ضبطه تُوافق مروياتهم دائمًا، ولو من حيث المعنى، وإن خالفهم، فالمخالفة نادرة؛ فهذا الراوي تام الضبط، وحديثه صحيح.

ب. إن وجدنا مرويات الراوي الذي نريد معرفة درجة ضبطه تُخالف مرويات هؤلاء الأئمة إلا أن موافقته لهم أكثر من مخالفتهم؛ فهذا الراوي خفيف الضبط وحديثه حسن لذاته ما لم يُتابع، فإن توبع ارتقى من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.

ج. إن وجدنا مرويات الراوي الذي نريد معرفة درجة ضبطه تُخالف مرويات هؤلاء الأئمة إلا أن مخالفته أكثر من موافقتهم؛ فهو سيء الحفظ وحديثه ضعيف ما لم يُتابع، فإن توبع ارتقى إلى الحسن لغيره، كما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

2. يُعرف ضبط الراوي بالامتحان كما صنع أهل بغداد مع الإمام البخاري؛ حيث قلبوا له متون مائة حديث وأسانيدها، فلما ردَّ كل متن إلى إسناده؛ أقرُّوا لهم بالحفظ، وعظم عندهم جدًّا، وعرفوا منزلته في هذا الشأن وأذعنوا له بالفضل.

مراتب الضبط:

اتضح مما سبق أن الضبط مراتب متفاوتة:

أولًا: المرتبة العليا: وهي التي يُوصف صاحبها بتمام الضبط، وحديث صاحب هذه المرتبة صحيح لذاته.

ثانيًا: المرتبة الوسطى: وهي التي يوصف صاحبها بخفَّة الضبط، وحديث صاحب هذه المرتبة حسن لذاته ما لم يُتابع.

ثالثًا: المرتبة الدنيا: وهي التي يُوصف صاحبها بسوء الضبط، وحديث صاحب هذه المرتبة ضعيف ما لم يُتابع كما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ:

تعريف الشاذ لغة: هو المنفرد عن الجمهور بقول أو عمل.

تعريف الشذوذ اصطلاحًا: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؛ سواء كان ذلك بالعدد أو بالحفظ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجهٍ من وجوه الجمع المعروفة، وكما يكون الشذوذ في المتن يكون في الإسناد، فإذا روى الراوي الثقة حديثًا ووجدنا هذا الحديث يُخالف حديث من هو أوثق منه، ولم يمكن الجمع بين الحديثين بوجهٍ من وجوه، ولم يمكن معرفة تاريخ كل نص، لنصير إلى الناسخ والمنسوخ؛ فحديث الثقة يقال له: الشاذ، وحديث الأوثق يقال له: المحفوظ.

الشرط الخامس: السلامة من العلة القادحة:

تعريف العلة لغة: هي المرض.

تعريف العلة القادحة اصطلاحًا: هي عيب في الحديث يمنع من الاحتجاج به. مثال ذلك: أن يُروى الحديث بإسناد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويُروى نفس الحديث بإسناد موقوف على الصحابي، والموقوف أصحُّ من المرفوع؛ ففي هذه الحالة الوقف يُعلّ به الرفع، ويُمنع الحديث أن يُعامل على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وكما تتطرَّق العلة إلى الإسناد تتطرَّق إلى المتن، وقد تكون علة الإسناد قادحة في المتن أيضًا، وسوف نتحدث عن الحديث المُعَلِّ بالتفصيل في باب الحديث الضعيف إن شاء الله.

الشرط السادس: المتابع عند الاحتياج إليه أو العاضد:

ولما كان الحديث الحسن لغيره من قسم الحديث المقبول، فإنه احتاج إلى العاضد أو المتابع حتى صار حسنًا لغيره؛ لأن الحديث الحسن لغيره في أصله حديث ضعيف غير أنه رُوي من وجهٍ آخر، أو بإسناد آخر فارتقى من الضعيف إلى الحسن لغيره.

تعريف العاضد لغة: التقوية والمعاونة.

تعريف العاضد اصطلاحًا: مجيء الحديث بإسناد آخر أو من وجهٍ آخر يجبر ما في الإسناد الأول من ضعف وقصور، أو يرتقي بالحديث من درجة إلى درجة أعلى، فإذا جاء الحديث الذي في إسناده انقطاع أو راوٍ لم تحقق فيه شروط القبول، كأن يكون مجهولًا إلا أنه ليس كذَّابًا ولا متهمًا بالكذب بإسناد آخر؛ فإن هذا الحديث يتقوَّى بالإسناد الثاني، ويرتقي من الضعيف إلى الحسن لغيره. ويقال للإسناد الثاني الذي تقوَّى به الحديث الضعيف: العاضد أو المتابع، وكذلك إذا جاء الحديث الحسن لذاته بإسناد آخر؛ فإنه يرتقي إلى الصحيح لغيره، كما سترى ذلك إن شاء الله تعالى.

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: “يُعرف كون الراوي ضابطًا بأن تعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لروايتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة؛ عرفنا حينئذٍ كونه ضابطًا ثبتًا، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم؛ عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه، والله أعلم.

error: النص محمي !!