Top
Image Alt

شروط الفعل المكلف به ، وتكليف ما لا يُطاق

  /  شروط الفعل المكلف به ، وتكليف ما لا يُطاق

شروط الفعل المكلف به ، وتكليف ما لا يُطاق

شروط الفِعْل المُكلََّف به:

للفِعْل المُكلَّف به شروط كثيرة، منها:

الشرط الأول: أنْ يكون معلوم الحقيقة للمُكلَّف، ليتوجّه قصْده إلى إيجاده. مثال ذلك: المرء مأمور بإجادة الصلاة، فيجب أنْ يَعْلم حقيقتها وكيفيّتها، وأنّها جُملة أفعال من: قيام، وركوع، وسجود، ويتخلّلها أذكار مخصوصة، مُفتتَحة بالتكبير، مختَتَمة بالتّسليم.

فيجب عِلْمه بذلك حتى يصحّ قصْده لهذه الأفعال، ويشرع فيها شيئًا بعد شيّء.

فالتّكليف بالمجهول تكليف بما لا يُطاق، وهو ممنوع. فلو قيل للشخص: “افْعَلْ ما أُضمِره في نفسي أنك تَفْعَله، وإلاّ عاقَبْتُك!”، لكان هذا تكليف بما لا طاقة للمكلَّف في فِعْله”.

الشرط الثاني: أنْ يَعْلم المكلَّف أنّه مأمور بالفِعْل مِن جهة الله تعالى، ليُتصوّر منه الامتثال، وإلاّ لم يُتَصوَّر منه قصْد الطاعة والامتثال.

وإذا لم يُتصوَّر منه قصْد الطاعة، فلا يكفي مجرّد حصول الفِعْل منه، بل لا بدّ مِن نيّة الامتثال؛ وهذا فيما يخصّ الأحكام الشّرعيّة التّعبّديّة، كالصلاة، والزكاة، ونحوها…

أمّا الأحكام الشّرعيّة المعقولة المعنى، فلا يشترط في صحة فعلها نيّة التقرب، ولكن لا أجر له فيها إلاّ أنْ ينوي أن يتقرّب بها إلى الله تعالى؛ وذلك مثل: ردّ الأمانة، وقضاء الدَّيْن، والإنفاق على الزّوجة، ونحو ذلك…

الشرط الثالث: أن يكون معدومًا، وذلك كصلاة الظهر قبل الزّوال؛ وهذا في الحقيقة شرط عقليّ، إذْ يستحيل تكليف إنسان بإيجاد أمْر موجود قبل الأمْر، ولهذا أعرض كثيرٌ مِن علماء أصول الفقه عن ذِكْر هذا الشرط. وهو مبنيّ على التفريق بين الكلام اللّفظيّ والنّفسيّ، وهو باطل.

الشرط الرابع: أن يكون حاصلًا بكَسْب المكلّف.

الشرط الخامس: أن يكون فِعلًا.

الشرط السادس: كون الفِعْل يَصْلح أن يقع طاعة، وهذا شرط عقليّ.

الشرط السابع: أن يكون الفِعْل في قدرة المكلّف. وهذا الشرط فيه خلاف.

تحرير محلّ النّزاع في مسألة: “تكليف ما لا يُطاق”:

ذكرنا مِن شروط الفِعْل المكلَّف به: أن يكون في قُدرة المكلَّف؛ وقد وقع خلاف بيْن العلماء في أنه: هل يجوز أنْ يكلَّف العبْد بما ليس في قدرته أم لا؟ وهي المسألة المعروفة عند علماء أصول الفقه بمسألة: “تكليف ما لا يُطاق”. وهذه المسألة لها تعلّق بالأصليْن: أصول الدِّين، وأصول الفقه.

أمّا تعلقها بأصول الفقه: فلأن البحث في الحُكم الشّرعيّ يتعلق بالحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم به (وهو الفعل). ومِن شرْط الفِعْل أن يكون مُمكِنًا. ويستدعي ذلك: أنّ الفعل الغيْر مقدور عليه، هل يَصحّ التكليف به أم لا؟ ويسمّى أيضًا: “التكليف بالمُحال”.

وأمّا تعلّقها بأصول الدِّين: فلأنها تتعلّق بأحكام القَدَر، وخلْق الأفعال.

وقبل ذِكْر أقوال العلماء في المسألة، نذكر أنواع المُحال؛ إذ بها يتحرّر محلّ النّزاع.

أنواع المُحال:

أنواع المحال ثلاثة:

  1. أنْ يكون متعذِّرًا عقلًا وعادة (وهو: المستحيل لذاته)، كالجمْع بيْن الضِّدَّيْن، كالجمْع بين السّواد والبياض.
  2. أن يكون متعذّرًا عادةً لا عقلًا، كالطّيران في الهواء، والمَشْي على الماء.
  3. أن يكون متعذِّرًًا عقلًا، مُمكنًا عادة، وذلك كمَن عَلِم الله سبحانه وتعالى أنه لا يؤمن؛ فالعقل يُحيل ذلك، ولو سُئل أهل العادة عن ذلك، لم يُحيلوا إيمانه؛ فإحالته لِتعلّق عِلْم الله به أنّه لا يقع.

وهذا القسم جائز عقلًا؛ فقد وقع الاتّفاق على جواز التّكليف به، وعلى وقوعه.

لكن هذا القسم لا يُسلّم أنه مِن قبيل تكليف ما لا يطاق؛ لأنّ عِلْم الله سبحانه وتعالى بعدم إيمانه لا يُخرجه عن كون الإيمان مقدورًا له، ومختارًا، فيصحّ أن تتعلق قدرته بالقصد إليه.

إذًا، فمحلّ النّزاع إنما هو في النوعيْن الأوّليْن.

أقوال العلماء في جواز التّكليف بما لا يُطاق عقلًا:

فإنّ العلماء اختلفوا فيها على أقوال، منها:

الأول: جواز التّكليف به مطلقًا؛ وهو قول جمهور العلماء.

الثاني: عدم جواز التكليف به مُطلَقًا؛ وهو مذهب الحنابلة، وبعض الشافعية، ونُسب للأكثر.

الثالث: التفصيل بيْن المُمتَنع لذاته فلا يجوز، والمُمْتنع عادة فيجوز؛ وهو مذهب الحنفيّة، واختاره بعض الشافعيّة كالآمدي.

أدلة المُجيزين عقلًا:

أنّ فائدة ذلك: امتحان المكلَّف، هل يتوجّه إلى الامتثال، ويتأسف على عدم القدرة، ويضمر أنّه لو قَدَر لفَعَل، فيكون مطيعًا لله بقَدْر طاعته، أو لا يفْعل ذلك، فيكون في حُكم العاصي.

والامتحان سبب مِن أسباب التَّكليف، كما كلّف الله إبراهيم بِذبْح ولده، وهو عالِم أنّه لا يَذْبحه، وبيّن أنّ حكمة هذا التكليف هي: ابتلاء إبراهيم.

أدلة المانعين عقلًا:

أنّه عبث لا فائدة فيه؛ لأن المكلَّف به لا يمكن أن يَقْدر عليه بحال؛ فتكليفه بما هو عاجز عنه عجزًا مُحقّقًا عَبَث لا فائدة فيه؛ إذ إنّ التّكليف بالشيء استدعاء لحصوله، واستدعاء ما لا يُمكن حصوله عَبَث لا يليق بالحكيم الخبير.

أقوال العلماء في وقوع التّكليف بما لا يُطاق شرعًا:

المُجيزون لوقوعه عقلًا اختلفوا في وقوعه شرعًا على أقوال:

الأول: أنه لم يقَع مُطلقًا؛ وهو قول جمهور العلماء، وحكى بعضهم الاتّفاق على ذلك.

الثاني: الوقوع مُطلقًا؛ واختاره بعض العلماء، كالرازي مِن الشافعية، والطّوفي من الحنابلة، ونسبه شيخ الإسلام لشرذمة مِن المتأخِرين.

الثالث: وقوع المُمْتَنع عادة دون المُمْتَنع بالذات؛ وهو اختيار بعض الشافعية كالبيضاوي، وابن السّبكي.

وقد جمع شيخ الإسلام بين الاتفاق على عدم وقوع التّكليف بما لا يُطاق شرعًا، وبين نقل الخلاف، فقال -رحمه الله-: “قلت: وهذا الإجماع هو إجماع الفقهاء وأهل العلم؛ فإنه قد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أنّ تكليف الممتنع لذاته واقع في الشريعة”.

من أدلّة القائلين بعدم وقوع التّكليف بما لا يُطاق شرعًا، وهم الجمهور:

الدليل الأول: الاستقراء، حيث إننا تتبّعنا التّكاليف الشرعية، فلمْ نَجِد منها تكليفًا بما لا يُطاق.

الدليل الثاني: الآيات الدالة على أن الله لمْ يُكلِّف نفْسًا ًإلاّ وُسْعها، وكذلك الآيات الدالة على نَفْي الحَرَج، ونحو ذلك… كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]، وقوله تعالى: {اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

الدليل الثالث: ما ورد في الحديث: ((لمّا نَزَل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، قال الله عز وجل: قد فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قال الله عز وجل: قد فَعَلْتُ)).

من أدلّة القائلين بوقوع التّكليف بما لا يُطاق شرعًا:

الدليل الأول: قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286].

وجْه الدّلالة: أنهم سألوا الله دفْع ما لا طاقة لهم به، وأقرّهم على ذلك في سياق المدْح لهم؛ فلو كان التّكليف بما لا يطاق مُحالًا لما سألوا دفْعَه، ولما أقرَّهم الله تعالى على ذلك، ولا نَدَب غيرهم إليه، لكون ذلك مندفعًا بنفسه؛ فكان طلبه تحصيلًا للحاصل.

وأجيب عن وجه الاستدلال بوجوه، منها:

  • إن الآية لا دليل فيها على جواز تكليف ما لا يُطاق؛ إذ قد يقع السؤال بما لا يجوز على الله غيْره، نحو قوله تعالى: {رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]، ولا دلالة فيه على أنّ الله سبحانه وتعالى يجوز أنْ يَحْكم بالباطل.
  • إن سلّمنا ذلك، فإنّما سألوا ألاّ يُكلِّفهم ما يَثْقل ويشقّ عليهم؛ وهذا سائغ في عُرف أهل اللّغة، أنْ يقول الشّخص للشيء الذي يشقّ عليه: لا أطيقه. وليس معناه: أنهم علموا جواز التّكليف بما لا يُطاق، فسألوا دَفْعَه.
  • لو سلّمنا، فهو مُعارَض بقوله تعالى في نفس الآية: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وبقوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، ولا حرج أشدّ من التكليف بما لا يُطاق.

الدليل الثاني: أنه لو امتنع التكليف بما لا يُطاق: إمّا أن يمتنع لنفس كونه تكليفًا بما لا يُطاق، أو لقُبْحه، أو للإضرار، أو لعدم الفائدة، وإما لامتناع ورود صيغته والكلُ باطل فيجب ألاّ يكون ممتنعًا.

التّرجيح، والفَرّْق بيْن تكليف المُحال، والتّكليف بالمُحال:

الرّاجح: هو قول الجمهور، وهو عدَم وقوع التّكليف بما لا يُطاق مطلقًا في الشّرع، وذلك للأدلّة التي ذَكَرها الجمهور، ولكون هذه الشّريعة رحمة، والشارع لا يقصد إعنات المُكلَّفِين ولا حصول المشقّة التي لا يستطيعون تحمّلها في التكاليف الشّرعيّة.

ثم إنّ الاستطاعة أو الطاقة التي نقول: هذا الأمر ليس في استطاعة المكلّف.

وهذه الاستطاعة لفظ مُجمَل، وهي نوعان:

أنواع الاستطاعة:

النوع الأول: الاستطاعة الشّرعيّة التي هي مِن مناط الأمْر والنّهي، والتي تكون قبْل الفعل. فهذه الاستطاعة لمْْ يُكلِّف الله أحدًا شيئًا بدونها؛ فلا تكليف بما لا يُطاق على هذا المعنى.

النوع الثاني: الاستطاعة التي لا تكون إلا مقارنة للفعل، وهذه هي الكونيّة التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقّق وجود الفِعْل؛ فهذه ليست مشروطة في شيء مِن الأمْر والنّهي باتّفاق المسلمين.

الفَرق بيْن تكليف المُحال والتّكليف بالمحال:

– أنّ التكليف بالمُحال يرجع إلى خللٍ في المأمور به، وهو نفسه مسألة: “تكليف ما لا يُطاق”.

أمّا تكليف المُحال، فيرجع الخلل إلى المأمور نفْسه؛ وذلك كتكليف الجماد، والميِّت، والبهائم؛ فلا يصحّ هذا التكليف بالإجماع، فتكليف المحال لا يجوز عقلًا؛ لكن إذا وردت به الصيغة شرْعًا حُمل على التّكوين، والتّعجيز، كقوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]، {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].

أقوال العلماء في المكلَّف به في النّهْي:

مِن شروط الفِعْل المُكلَّف به: أنْ يكون فعلًا، فلا تكليف إلا بِفِعْل؛ وهذا في الأمْر ظاهر؛ لأنّ مقتضى الأمْر هو: إيجاد فِعل مأمور به، كالصّلاة والصّيام.

مُتعلّق التّكليف في النّهي، واختلاف العلماء فيه:

  1. متعلّق التّكليف في النّهْي هو: كفّ النّفْس عن المَنْهيّ عنه. والكفّ: فِعْل؛ وهذا هو مذهب جمهور العلماء.
  2. المُكلَّف به في النَّهْي: فِعْل ضِدَّ المَنهيّ عنه؛ وهذا لا فَرْق بيْنه وبيْن قول الجمهور، لأن كفّ النّفْس مِن جُزئيات فِعْل الضّدّ.
  3. التفصيل بيْن التَّرْك المجرّد المقصود لنفسه مِن غيْر أنْ يقصد معه ضدّه، كالصوم، فالمكلّف به فيه الفِعْل؛ ولهذا تُشترَط فيه النيّة، وبيْن التّرك المقصود مِن جهة إيقاع ضدّه، كالزّنا؛ فالمكلّف به فيه الضّدّ. وهذا القول في جُملته لا يخالف قول الجمهور مِن حيث اعتبار الكفّ فعلًا. وقال بهذا القول: الغزالي، وابن قدامة.
  4. كفّ النّفس عن المنهيّ عنه ليس بفِعل، بل متعلّق النهي هو العدَم الأصلي، وهو: انتفاء الفِعل مع قطع النظر عن الضّدّ.

فالمُكلَّف به في قولنا: “لا تتحرّك!” نفس ألاّ يفعل، وهو: عدَم الحركة.

وهذا قول أبي هاشم المعتزلي؛ فالتّرك عنده أمْرٌ عدميّ وليس وجوديًّا؛ وهذا القول باطل.

الأدلّة على أنّ الكفّ فِعْلٌ:

استدلّ الجمهور على أنّ الكفّ فِعْل، بأدلّة مِن الكتاب والسّنّة، واللّغة، والمعقول.

فمِن الكتاب:

  1. قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63].

وجْه الدّلالة: سمّى سبحانه وتعالى تَرْكَهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صُنعًا مع أنّه كفّ.

  • قوله تعالى: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة: 79].

وجه الدلالة: سمّى سبحانه وتعالى عدَم تناهيهم عن المنكر -وهو كف- فعلًا.

  • قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].

ووجْه الدّلالة: معنى الأخذ: التّناول، والمهجور: المتروك، فصار معنى الآية: تناولوا متروكًا، أي: فعَلوا ترْكه.

ومِن السُّنَّة:

  1. قوله صلى الله عليه  وسلم: ((المُسلْم مَن سلم المسلمون مِن لسانه ويده)).

وجْه الدّلالة: أنّ الرسول صلى الله عليه  وسلم قدْ سمَّى كفّ الأذى: إسلامًا؛ فدلّ على أنّ الكفّ فِعْل.

  • قوله صلى الله عليه  وسلم في الحديث: ((تكُف شّرَّك عن النّاس؛ فإنّها صدَقة مِنك على نفْسك)).

وجْه الدّلالة: فقد بيّن النبي صلى الله عليه  وسلم في هذا الحديث: أنّ كفّ الشّرّ عن الناس صدقة يُؤجَر عليها الإنسان، فرتّب الأجر على الكفّ، ممّا يدلّ على أنّ الكفّ فِعْل.

مّن اللّغة:

قول الراجز:

لئن قَعَدْنا والنّبيُّ يَعمَلُ

لَذَاك مِنّا العَمَل المُضلَّلُ

وجْه الدّلالة: أنه قد سمّى قعودهم عن بناء المسجد عمَلًا، مع أنّ القعود كفٌّ، ممّا يدلّ على أنَّ الكفّ فِعْل.

مِن المعقول:

أنّ صرْف النّفْس عمّا توجّهت إليه مِِِِِِِِِِِِِن المعصية، وقهْرها على ذلك، وزجْرها عمّا همّت به، هذه أفعال في الحقيقة، غير أن هذه الأفعال لمّا لم تَكن ظاهرة لأنّ متعلّقها: النّفس خفي أمرها.

والرّاجح هو: قول الجمهور، إلاّ أن الثواب لا يحصل في الكفّ إلا مع النّيّة والقصد، أما عند عدم ذلك فلا يحصل الثواب.

فروع مَبنيّة على أنّ الكفّ فِعْل:

  1. إذا ألقى إنسانٌ آخَرَ في غار، أو ماء لا يُمكنه التخلّص منه، فمات، فعلى المُلْقِي: القصاص؛ لكن إن أمكنه التّخلّص فلم يفعل حتى هلك، فلا يجب القصاص؛ لأنّ الكفّ فعْل.
  2. مَن عنده فَضْل شراب، فلمْ يُعْطه مضطرًا حتى مات، يَضْمن دِيَتَه، بناءً على أنّ التّرْك فِعْل.
  3. مَن مَنع فضْل مائه عن زرع جاره حتى هلك، يَضْمَنه، إن قُلنا: إِنَّ التَّرْك كفٌّ.
  4. مَن أمْسك وثيقة حقّ حتى تلف الحق، فإنّه يَضْمَنه، بناءً على أنّ التّرك فِعْل.
error: النص محمي !!