Top
Image Alt

شروط القاتل، وشروط المقتول، واستيفاء القصاص

  /  شروط القاتل، وشروط المقتول، واستيفاء القصاص

شروط القاتل، وشروط المقتول، واستيفاء القصاص

ننتقل بعد ذلك إلى بيان شروط القاتل، التي متى توافرت استوجب القصاص، وكذلك شروط المقتول، الذي بالجناية عليه يجب القصاص.

شروط القاتل:

لا شك أن هذه الشروط لها أهمية في وجوب القصاص، أو عدمه، ولكي تتضح هذه الشروط لا بد أن نعلم أن للقصاص أركان، ولتلك الأركان شروط، الركن الأول مثلًا: القاتل، ويشترط فيه أربعة شروط حتى تكتمل الجناية، ويستوجب عند توافر تلك الشروط إنزال القصاص بالجاني.

الشرط الأول: أن يكون القاتل عاقلًا.

إذًا ماذا لو كان القاتل غير عاقل، كأن كان مجنونًا، أو سكرانًا، قال الفقهاء: لا يجب القصاص على المجنون؛ لأنه ليس من أهل العقوبة، ولا يوصف فعله، أي: فعل المجنون بالجناية، ويستوي في هذا الأمر أن يكون الجنون مطلقًا، أو متقطعًا، إلا أنه إذا كان متقطعًا رفعت عنه المؤاخذة حالة الجنون، وأخذ بالعقاب إذا ارتكب الجناية في صحوه.

وماذا عن السكران الذي يقترف الجناية؟

السكران الذي يقترف جناية القتل حال سكره، يجب عليه القصاص؛ لأنه مكلف بالأحكام الشرعية، وإذا لم يترتب على السكر، فلسوف يكون ذلك مدعاة للعدوان وقتل الآخرين، فإن من قصد القتل وبيت النية عليه لا يعجزه أن يتناول المسكر كي لا يقتص منه، فضلًا عن ذلك فإن وجوب القصاص عليه مبني على وقوع طلاقه ونكاحه، وقد ذهب إلى هذا جمهور الشافعية، والحنابلة، والمالكية وآخرون، وخالف في ذلك الحنفية، والظاهرية؛ إذ قالوا: “لا قصاص على السكران؛ لأنه لا يعقل”.

الشرط الثاني: أن يكون بالغًا.

إذا لا قصاص على الصبي دون البلوغ؛ لأنه ليس من أهل العقوبة كالمجنون، ولا يوصف فعله بالجناية، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)).

الشروط الثالث: أن يكون متعمدًا القتل قاصدًا للمقتول.

وعلى ذلك، فإن أخطأ القاتل، فلا قصاص عليه؛ لما جاء في الحديث الشريف: ((العمد قود))، أي: القتل العمد يوجب القود، وهو القصاص، ولا شك في ذلك، فإن القصاص عقوبة متناهية في الاكتمال، ومن ثم تستلزم أيضا جناية متناهية في الاكتمال، وتتمثل الجناية المكتملة في العمد الخالي عن الشبهة، ومن ثم فلو ضرب الجاني المجني عليه ضربة أو ضربتين بقصد التأديب مثلًا، فقتل فلا قصاص؛ لوجود الشبهة.

الشرط الرابع: أن يكون مختارًا، يعني: غير مكره، وهنا نظر؛ لأن للفقهاء كلام في قتل المكره، فإننا نعرج عليه بشيء من التوضيح؛ حيث ذهب فقهاء الحنفية، إلى أن القود على المكرِه، أي: أن القصاص على المكرِه، أي: الذي وقع منه الإكراه؛ لأن القتل حصل منه مباشرة، والمكرَه يعتبر آلة في يد المكرِه، فإنه أخذه، وضربه على من أكره على قتله، والفعل إنما يكون لمستعمل الآلة لا للآلة نفسها.

وذهب فقهاء الشافعية، والحنابلة، والمالكية إلى أن القود -أي: القصاص- على كلا الاثنين المُكرِه والمُكرَه؛ لأن المكرِه الآمر تسبب في القتل بما يقتل غالبا، كما لو أسلمه مثلًا إلى أسد، أو رماه بسهم، والمكرَه المأمور قتله ظلمًا لاستبقاء نفسه -أي: أقدم على قتل الغير لبقاء نفسه- كما لو كان قتله مضطرًّا لقتْله فيلزمه القصاص.

وهناك قول آخر للشافعية، وهو أنه لا قصاص على المكرَه المأمور؛ استنادًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)).

شروط المقتول:

أما فيما يتعلق بالركن الثاني، المتمثل في المقتول، فلا شك أن للمقتول شروط أيضًا حتى نقول بوجوب القصاص.

الشروط الأول: ألَّا يكون المقتول جزءًا من القاتل؛ كما لو كان فرعًا للقاتل وإن علا، كالولد إذا قتله الأب، أو الحفيد إذا قتله الجد، وكذلك الولد إذا قتلته الأم، وجملة ذلك أن الوالد لا يُقاد بولده، ولا الجد بحفيده إذا قتله بأيّ وجه كان من أوجه العمد، وهو قول جمهور العلماء، لكن لفقهاء المالكية تفصيل خفيف في هذا المعنى؛ حيث قالوا: “لا يُقاد الأب بالابن، إلا أن يضجعه فيذبحه؛ هنا يقتص، أما إن رماه بسيف، أو عصا فقتله لم يقتل، وكذلك الجد مع الحفيد”.

الشرط الثاني من شروط المقتول: ألَّا يكون المقتول ملك القاتل، أي: مملوكا للقاتل، كما لو كان القاتل سيدًا، وكان المقتول فتى له، أو أمة؛ وذلك لأنه لو وجب القصاص لوجب له، والقصاص الواحد كيف يجب له وعليه؟ فضلًا عن ذلك، فإنه لا قصاص بين الحرِّ، والعبد.

الشرط الثالث من شروط المقتول: أن يكون المقتول معصوم الدم مطلقًا، أي: أن يكون هناك تكافؤ بين دم القاتل ودم المقتول، ويقصد بذلك أن تكون العصمة على التأبيد، أي: عصمة المقتول على التأبيد، أي: يكون معصوم الدم مطلقًا، وليست محددة بزمن من الأزمان، أو حال من الأحوال، وتأسيسًا على ذلك، لا يقتل المسلم، أو الذمي بالكافر الحربي، ولا بالمرتد؛ وذلك لعدم العصمة أصلًا، كذلك لا يقتل كل منهما بالمستأمن، والمستأمن: هو المحارب الذي يدخل دار الإسلام بأمان خلال فترة من الزمن، فلا يقتل هؤلاء من مستأمن؛ إذ إن المستأمن معتبر من أهل دار الحرب، ولم يدخل دار الإسلام بقصد الإقامة، وإنما دخلها لأداء حاجة له من الحاجات، حتى إذا أتمها رجع إلى داره؛ ولذلك فإن العصمة في حقه غير تامة، ولا مطلقة، ومن ثم فلا ينبغي أن يقتل به المسلم.

هناك بعض المسائل التي بها يستوضح هذا الكلام؛ ماذا عن الحربي إذا اسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا، وقتله مسلم؛ هل يقتص من المسلم، أو لا؟

يرى فقهاء الحنفية: أنه لا قصاص عليه، خلافًا للشافعية، والحنابلة، ووجه القول عند الحنفية على عدم القتل بالقصاص في تلك الحالة: أن هذا وإن كان مسلمًا، فإنه معتبر من أهل دار الحرب، ويدل على ذلك قول الله تعالى:

{ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92]، فكونه من أهل دار الحرب، يورث شبهة في عصمته، ومن جهة أخرى فإنه بعدم الهجرة إلى المسلمين، قد أسهم في إكثار سواد الكافرين، أي: في زيادة عدد الكافرين.

أما الشافعي، وأحمد، فوجهة القول عندهما بوجوب القصاص: أن المقتول مكافئ للقاتل في الإسلام والحرية، فلا حجة بعد توافر هذين الشرطين لمن نفى الوجوب، فضلًا عن الاستدلال بالقصاص من الكتاب، والسنة؛ حيث جاء النص على سبيل العموم في وجوب القصاص في قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } [المائدة: 45]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم))، وغير ذلك من الآيات، والأخبار.

قتل المسلم بالذمي:

معلوم أن الذمي معصوم على التأبيد ما دام في أرض الإسلام، لكن هل يقتل به المسلم؟

خلاف بين الفقهاء، فهناك من يرى أنه لا يقتل المسلم بالذمي، وهناك أيضًا من يرى خلاف ذلك.

من أركان القتل أيضًا -أي: القتل العمد-: القتل: وهو في حد ذاته ركن، ومن ثم فإن له شروط حتى يكون الفعل الصادر من الجاني مستوجب للقصاص، فيشترط أن يكون عمدًا عدوانًا، وهو ما كان الجاني فيه عامدًا في الفعل والقصد، والآلة المستعملة لا بد أن تكون مما يَقتل غالبًا.

ولا شك أن الكلام حول هذا الركن يستوجب الحديث عن القتل بالمباشرة، والقتل بشرط، والقتل بسبب، لكن ربما لا يتسع الوقت للحديث عن ذلك.

كيفية استيفاء القصاص:

هناك كلام للفقهاء في كيفية استيفاء القصاص؛ فالحنفية، والحنابلة في أحد أقوالهم، يرون أن القصاص لا يكون إلا بالسيف، واحتجوا لذلك بقول النبيصلى الله عليه وسلم: ((لا قود إلا بالسيف))، والقود معناه: القصاص كما بينا، إذن المستفاد من الحديث، أن القتل العمد يقتضي ألا يُستوفى بغير السيف، هذا هو الأصل عند فقهاء الحنفية، وأحد الأقوال عند فقهاء الحنابلة.

القول الثاني، وهو للإمام مالك، والشافعي، وأحمد؛ حيث ذهب هؤلاء جميعًا إلى أن المماثلة معتبرة في استيفاء القصاص؛ وعليه فإن للولي أن يقتص من الجاني بنفس الطريقة التي وقعت بها الجناية؛ هذا هو معنى المماثلة، فمثلًا لو تم القتل بحجر، أو خنقًا، أو غرقًا، أو غير ذلك من وجوه القتل، فإنه يقتص منه بمثل ما فعل، وقد احتج أصحاب هذا الرأي بقول الله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقوله: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وما ورد في السنة أيضًا، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد رأس يهودي بين حجرين؛ لقتله جارية بنفس الفعل.

وجدير بالتنبيه أنه ليس بالضرورة ألا يتم القصاص إلا بالمثل؛ فإنه لو تم القصاص بغير السيف جاز، وجاز بالسيف أيضًا، أما احتجاج أبي حنيفة بالنهي عن المثل فقد رُد بأن ذلك محمول على من وجب قتله لا على وجه المكافأة؛ فما دام المقصود المكافأة -ونقصد بالمكافأة: المساواة في كيفية القتل- فلا مجال للاستدلال بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن المثل.

أما حديث: ((لا قود إلا بالسيف))، فقالوا: إن إسناده غير جيد، وجملة القول فيما ذهب إليه هؤلاء، أنه يجب القتل بالمثل، وبنفس الطريقة التي استعملها الجاني، حتى لو قُتل المجنيٍ عليه تمثيلًا.

error: النص محمي !!