Top
Image Alt

شروط حد الزنا

  /  شروط حد الزنا

شروط حد الزنا

لا بد من شروط تتوافر حتى نقول: بتنفيذ عقوبة الحد، وإذا انتفت تلك الشروط، فلا تقام العقوبة.

أما عن الشروط، فتكمن في عدة شروط:

الشرط الأول: التكليف، بمعنى: أن يكون الزاني مكلفًا، ومن ثم فلا ينبغي أن يقام الحد على الصغير، أو المجنون، أو المعتوه، أو النائم، أو المكره؛ لأن هؤلاء جميعًا ليسوا من أهل التكليف؛ لما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) فهؤلاء جميعًا لا يأثموا بعقوبة حدية، أو لا تقام عليهم العقوبة الحدية، وإن كانوا يدخلون تحت طائلة العقوبة التعزيرية.

فالسكران مثلًا، هل يقام عليه الحد، أو لا؟ هناك من الفقهاء من فرق بين متعدٍّ بسكره، وغير ذلك، فقالوا: يقام عليه الحد إذا كان متعد بسكره؛ لأنه مفتقد لعقله بمعصية السكر، وهو بالعقوبة أولى، فلو تناول الإنسان باختياره ما يسكره، كما إذا تناول نوعًا من أنواع المخدرات المسكرة طواعية، فإننا نقول: هو في تلك الحالة متعدٍ بسكره، ومن ثم يستحق العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية؛ لأنه مفتقد لعقله بمعصية السكر.

وعلى ذلك لو ثبت الزنا، وجب أن يقام الحد على كل من الزاني والزانية، بحسبه من الإحصان وعدمه، فإن كان أحدهما محصنًا -وسوف نتكلم عن الإحصان، وبما يتحقق- كان عليه حد الإحصان، وهو الرجم، وإن كان بكرًا كان عليه حد الأبكار، وهو الجلد والتغريب على الخلاف بين الفقهاء، ولو أقر أحدهما بالزنا دون الآخر، فهل يجب الحد على المقر، وعلى الآخر؟

نقول: رغم أن الإقرار هو سيد الأدلة، إلَّا أنه حجة قاصرة لا تتعدى إلى غير المقر، ومن ثم عند إقرار أحدهما بالزنا، يجب الحد على المقر وحده، أما الذي لم يقر فلا شيء عليه، إلا أن تثبت عليه الجناية بالبينة، وهي ما نتحدث عنها فيما بعد، وفي هذا المعنى ورد عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن رجلًا أتاه، فأقر عنده أنه زنا بامرأة سماها فبعث صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت؛ فجلده الحد وتركها)).

الشرط الثاني: الاختيار، والاختيار، يعني: أن يقدم الزاني على فعلته وهو مختار، أي: وهو غير مكره، أو غير مجبر من قبل آخر على ذلك، فلو أن امرأةً أكرهت على الزنا، أو قع عليها أحد وهي نائمة، فلا حد عليها، وهو ما لا خلاف فيه بالنسبة للمرأة؛ للحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)).

وقد روي في البيهقي، أن امرأةً اجتمع عليها الناس، حتى كادوا أن يقتلوها وهم يقولون: زنت، زنت، فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي حبلى وجاء معها قومها، فأثنوا عليها بخير، أي: امتدحوها، وامتدحوا خلقها، وقال عمر: أخبريني عن أمرك، قالت: يا أمير المؤمنين كنت امرأة أصيب من هذا الليل، فصليت ذات ليلة، ثم نمت وقمت ورجل بين رجلي، فقذف فيَّ مثل الشهاب، ثم ذهب، فقال عمر رضي الله عنه: لو قتل هذه مَن بين الجبلين، أو قال: الأخشبين لعذبهم الله، فخلّى سبيلها”.

هذه المرأة مكرهة على تلك الجريمة؛ ولذلك لم يقم عمر عليها الحد، وإنما خلَّى سبيلها، أما لو كان المكره على الزنا رجلًا، فثمة خلاف في وجوب الحد عليه، أو عدمه، حيث ذهب فقهاء الحنابلة في الراجح من مذهبهم إلى أنه يحد، والدليل عندهم يكمن في أن الوطء لا يكون إلا بالانتشار، أي: انتشار آلة الرجل، وهو، أي: الانتشار ينافيه الإكراه، أي: لا يتحقق انتشار الآلة مع الإكراه على الزنا، وما دام الأمر كذلك، والانتشار حصل، فهذا يعني: أن الإكراه قد انتفى، ومن ثم فيلزم الحد.

أما فقهاء الشافعية، وآخرون فقد ذهبوا إلى عدم وجوب الحد على الرجل، الذي يزني مكرهًا، وحجتهم في ذلك، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه))، ولا شك أن هذا قد أكره على الزنا، ومن ثم فيرفع عنه إثم الزنا، أو عقوبة الزنا طالما أنه مكره، بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيضًا قالوا: إن الحدود تُدرأ بالشبهات، ومما لا شك فيه أن الإكراه شبهة، ومن ثم فيمتنع معها الحد، ويستوي في ذلك ما لو كان المكره رجلًا، أو امرأة، أما الحنفية، فإن الإكراه المعتبر عندهم في رفع التكليف، ما كان واقعًا بفعل السلطان، فأمر السلطان عندهم معتبر إكراهًا، حتى ولو لم يتوعد المكره المأمور، أما الإكراه الواقع من غير السلطان، فلا يكون معتبرًا، إلا أن يعلم المكره المأمور من دلالة الحال، أنه إذا لم يمتثل للأمر قتله، أو قطع يده، أو رجله، أو ضربه ضربًا يخاف معه على نفسه، أو تلف عضو منه.

أما المالكية، فإنهم في ذلك على قولين:

الأول: أنه لا حد على الزاني يزني مكرهًا.

الثاني: أن عليه الحد.

الشرط الثالث لتنفيذ عقوبة الزنا: العلم بالتحريم، وهذا يعني: أنه لا حد على من جهل التحريم، ويتحقق ذلك فيما لو كان الزاني حديث عهد بالإسلام، أي: دخل الإسلام حديثًا، أو ناشئًا ببادية، أو بمنطقة بعيدة عن المسلمين، فإن كان كذلك صدق فيما يدعيه من جهله بأحكام الإسلام؛ لأن ما يدعيه يحتمل الصدق، أما إن كان ناشئًا بين المسلمين، فلا يصدق فيما ادعى.

وكذلك لو ادعى الجهل بتحريم شيء من الأنكحة الباطلة، كنكاح المعتدة مثلًا، فيقبل قوله في ذلك؛ لأن مثل هذا يجهله الكثير من الناس، وهو يخفى على غير أهل العلم؛ لأن ذلك كله شبهة، والشبهات تدرأ الحدود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادرءوا الحدود بالشبهات))، وفي رواية أخرى عن السيدة عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإنّ الإمام أنْ يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة)).

الشرط الرابع: انتفاء الشبهة، فإن كان ثمة شبهة في عملية الزنا فلا حد؛ وذلك لأن الحدود مبنية على الدرء، والإسقاط بالشبهات، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها:

ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: ((ادرءوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم)).

ومن جملة الشبهات الواردة الدارئة للحد: ما لو وطأ زوجته في دبرها، فإن الحرمة في ذلك معلومة، لكن الحد قد يدرأ لشبهة الزوجية، وحل الاستمتاع منها، ولا يحد كذلك بوطء امرأة في نكاح مختلف في صحته، كالنكاح بغير ولي، أو بغير شهود، أو نكاح المتعة، وكذلك نكاح الأخت في عدة أختها، كأن تطلق الزوجة، ثم يتزوج المطلق أختها قبل انتهاء العدة، وكذلك نكاح الزوجة الخامسة في عدة الرابعة المطلقة طلاقًا بائنًا.

فإن مثل هذه الأنكحة، لا يوجب حدًّا؛ لحصول الشبهة بالاختلاف فيها، فإن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، وهو قول عامة العلماء بلا خلاف، وفي هذا المعنى يقول ابن المنذر: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن الحدود تدرأ بالشبهة”، أما الأنكحة التي ذهب أكثر العلماء إلى بطلانها، فلا يمتنع الحد على الواقع فيها؛ وذلك لانتفاء الشبهة، ووضوح الحرمة، كنكاح المرأة الخامسة، أو نكاح المرأة في عدتها، أو نكاح المرأة ذات الزوج، أو المطلقة ثلاثًا، أو النساء ذوات المحارم من نسبٍ، أو رضاع.

فالوطء على واحدة من تلك النساء، لا شك أنه زنا حقيقي لا شبهة فيه، ومن ثَمّ فهذا الوطء يوجب الحد على الواطئ، والموطوءة معًا، هذا الذي ذهب إليه أكثر العلماء، خلافًا لروايات رويت عن الإمام مالك، أنه لا حد مثلًا على الذي يتزوج المرأة في عدتها عامدًا، وهو يعاقب عقوبة تعزيرية، ولا يحد.

error: النص محمي !!