Top
Image Alt

شروط صحة عقد الصرف

  /  شروط صحة عقد الصرف

شروط صحة عقد الصرف

متى يكون عقد الصرف صحيحًا؟

يكون عقد الصرف صحيحًا، إذا توافرت فيه شروط عديدة استنبطها الفقهاء من الغرض من هذا الحديث الذي ذكرناه.

هذه الشروط يمكن إجمالها في أربعة شروط:

الشرط الأول: التقابض في المجلس، أي: قبل تفرق المتعاقدين بأجسادهما، وتسامَح المالكية في الأجل اليسير، فلا بأس أن يكون هناك فاصل قصير ريثما يقوم أحدهما فيحضر المال، أو أن يعده، لكن ذلك كله ينبغي أن يكون قبل تفرق المجلس، وقبل إنهاء هذا المجلس.

ويحل الآن القبض الحكمي، مثل استلام الشيك ونحوه، محل القبض الحقيقي؛ رفعًا للحرج، يعني: ليس من الضروري أن نصر علي القبض الحقيقي بأن يمسك البائع الثمن، فيعطيه للمشتري، والمشتري يمسك الثمن بيده ويتقابض باليد، ليس هذا من الضروري الآن؛ لأن هناك بعض الوسائل يمكن أن تحل محل هذا القبض الحقيقي، ويسميها الفقهاء المعاصرون بالقبض الحكمي، مثل استلام الشيك، وما إلى ذلك من الوسائل العصرية، وهذا رفعًا للحرج؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت لرفع الحرج عن الناس، ولو أصر العلماء على القبض الحقيقي لِكُل شيء طلب الشرع فيه التقابض؛ لأدى ذلك إلى وقوع الناس في المشقة والحرج، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185].

وتصح الوكالة في القبض، يعني: ليس من الضروري أن يقبض البائع بنفسه ولا المشتري بنفسه، وقبض الوكيل كقبض الموكل تمامًا؛ لأنه يحل محله ويؤدي أداءَه بأمره؛ لأنه وكيل عنه، وإن تم قبض بعض البدل دون البعض الآخر؛ صَح العقد فيما تم القبض فيه، مثلًا: لو كان ألف دينار ويتبادل أو يُصرف بعشرة آلاف درهم فقدم المشتري خمسمائة دينار فقط، فأعطاه الصارف خمسة ألف درهم، صح ذلك فيما تم القبض، فيه دون ما لم يتم القبض فيه، إلا إذا صحح في المجلس، يعني: أعطاه خمسمائة وانتظر قليلًا، فأعطاه الخمسمائة الأخرى في مجلس العقد؛ صح في كامل المبلغ؛ وهذا شرط التقابض. 

الشرط الثاني: خلو العقد من خيار الشرط، يعني: يمنع في عقد الصرف أن يدخله خيار الشرط، كأن يقول: وافقت بشرط أن أستشير محامي، أو بشرط أن أراجع ولدي أو أولادي،  فيمنع دخول خيار الشرط؛ لأن خيار الشرط يمنع انتقال الملك، ويمنع انتقال المثمن، ويمنع انتقال الثمن، بخلاف خيار العيب، فإنه لا يمنع الملك، فإذا اشترى أحدهما من الآخر عملةً أو نقدًا ثم وجده معيبًا، فله الحق في رده، وأن يأخذ الأرش.

وكذلك خيار الرؤية عند مَن يرى أن الأثمان تتعين بالتعيين، فللفقهاء وجهة نظر في الأثمان، هل تتعين أو لا ؟ يعني: أن يقول هذا الألف من الدنانير، هل يتعين هذا الألف أو لا؟

للفقهاء في ذلك اتجاهان، بعضهم يقول: إن الأثمان تتعين بالتعيين، وبعضهم يرى أن الأثمان لا تتعين بالتعيين، فكلها سواء؛ ولذلك فإن مَن يرى أن الأثمان تتعين بالتعيين يكون له خيار الرؤية، ومَن يقول: إنها لا تتعين يرى أنه ليس له خيار الرؤية، ولما كان الحنفية ممن يقولون: إن النقود أو الأثمانَ لا تتعين بالتعيين، قالوا: لا يتصور خيار الرؤية في النقد؛ لأنه إن تعيب انتقل إلى غيره، أو ليس من الضروري أن يكون هو بالضرورة الذي عَيَّنه، فإن النقد لا يتعين عندهم بالتعيين، بينما غيرهم يرى أنه يتعين، فعند من يرى أنه يتعين، يعطي المتعاقد خيار الرؤية إذا رأى ما اشتراه واكتشف أنه ليس على الأوصاف التي اتفق عليها، فله  الحق في رده. 

الشرط الثالث: خلو العقد من اشتراط الأجل، يعني: لا يقل: أعطني مدةً سأشتري هذا بعد أسبوع أو بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر؛ لأن الأجل يفوت القبض، والمفروض في الصرف أن يتم القبض في المجلس حقيقةً أو حكمًا.

أما إذا اشترط أحدهما على الآخر أجلًا ثم تنازل عنه، قال: أنا تنازلت عن شرطي في الأجل، صح العقد؛ لأن هذا تصحيح للعقد، والشرط الذي اشترطه شرط يفسد العقد، فإذا ألغاه أو تنازل عنه وخلا العقد من هذا الشرط الفاسد، صح العقد.

الشرط الرابع والأخير: التماثل، يعني: كما قال النبي صلى الله عليه  وسلم: ((مثلًا بمثل، سواءً بسواء))، وهو شرط في بيع أحد النقدين بجنسه، ذهبًا بذهب، أو فضةً بفضه، فلا بد من التساوي، لكن إذا اختلف جنس كل منهما عن الآخر، كأن باع ذهبًا بفضة، أو باع فضةً بذهب، فلا يُشترط التماثل بل يصح التفاضل، ويصح أن يكون أحد البدلين أكثرَ من الآخر.

والجزاف أيضًا، الجزاف معناه عدم تحديد المقدار كالكومة، والصبرة، وما في الصرة، وهذا المال، وهذه الدراهم، وهذه الدنانير دون تحديد لقدرها، إذا بُودلت وصرفت بنقد من غير جنسها؛ صح هذا، وصح التساوي، وصحت الزيادة في أحدهما والنقص في الآخر، وجاز الجزاف.

والمراد بالتساوي: في العلم وفي واقع الأمر، يعني: لا بد أن يعلم كلٌّ من المتعاقدين بهذا التماثل، يعني: في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، بنفس الجنس؛ لأن الجهل بالتساوي يساوي التفاضل، وهو ممنوع، ولا بد من العلم، ولا بد من مطابقة هذا العلم للواقع، فإن كان عندهما علم بالتساوي، لكن الواقع غير ذلك؛ فلا يجوز، أو الواقع أن البدلين متساويان، لكن ليس عند المتعاقدين علم بذلك، فلا يجوز كذلك؛ لأن الجهل بالتساوي، يساوي العلم بالتفاضل. فالمراد بالتساوي: التساوي في علم كل منهما، والتساوي في الواقع وفي نفس الأمر.

error: النص محمي !!