شروط وقواعد يجب مراعاتها عند الكتابة
يَنبغي أن نُضِيف إلى ما سَبق: أن البَحْث يتكوّن عَادة من عَدد من الأبواب، وتتكون الأبواب من عَدد من الفُصول، ويتكون الفَصْل من عَدد من العنَاصِر المُترابِطة، ويتكوّن كل عُنصُر من عَدد مِن الأفكار المُتَداخِلة المُتكامِلة، ثم تُصاغ الفِكْرة في عَدد من الفقرات، كما تُصاغ كلّ فقرة من عَدد الجُمَل، وتَتَكون كل جُمْلَة من عَدد من الكَلمات.
هذا التَّنظيم الهَرمي الذي بَدأناه مَن أعلى إلى أدنى، يَحْتَاج كل جانب فيه إلى شَيء من البَيان والإيضاح، ويَجِب -بصفة عامة في كل هذه العنَاصِر- مُلاحَظة جَوانِب الوضُوح والدِّقة، والتَّرابُط المَنطِقي، والتَّسلسُل في الانتقال من عُنصر إلى آخر، ومن فِكْرة إلى أخرى، مُنذ أول جُمْلَة في البَحْث إلى آخر جُمْلَة فيه؛ بحيث يَخلو من الفَجوات، والثَّغَرات، ويَبْرأ من الانتقال المُفاجِئ والاستطرادات التي تَجْعَل البَحْث مُفْتَقِرًا إلى التَّماسُك والانسِجام.
وهذه شروط عامة يَجِب ملاحظتها على مستوى الأساليب والأفكار والمَنْهَج على حدٍّ سواء، أما عند التفصيل؛ فإن هناك أمورًا خاصة يَجِب ملاحظتها عند الكِتابة، وسنقدّم ذلك على النحو التالي:
الشروط والقَواعِد الخاصة التي يَجِب مراعاتها عند الكِتابة:
أولًا: اللغة والأسلُوب:
اللغة والأسلُوب اللّذان يُكْتَب بِهما البَحْث يُشْتَرط فيهما عَدد من الشروط:
الشرط الأول: يَجِب أن تكون الكِتابة وَفْقَ قَواعِد اللغة والإملاء، فلا بُدَّ أن يُراعِيَ البَاحِث في بحثه قَواعِد اللغة العربية، وقَواعِد الإملاء التي اتّفق عليها العلماء. وإذا لم يكن البَاحِث مُتَمكِّنًا بنفسه من تَدقيق اللغة والتزامها، فعليه أن يَستَعين بمَن يُعاوِنه على الكِتابة بلُغة صَحيحة، هذا شرط مُهمّ ولا بُدَّ من مُراعاته.
الشرط الثاني: ليس الاهتمام باللغة مُنْصَبًّا على الجُمَل فقط، بل يَنْبَغي أن يتّجه إلى الكَلمات أيضًا، فالمَفروض أن يَتمَّ اختيار الكلمات الدَّقيقة المُعَبِّرة تَمامًا عن المَعنى المَطلوب، مع تَجنّب الكلمات الغامِضة، أو المُبهَمة، أو ذات المعاني المُشتركة؛ لأن ذلك ربما أدّى إلى الاضطراب، وعَدم وضوح المَعنى. وإذا اضطر إلى استخدام بعْضها، أو الاقتباس من مَصدر قَديم، أو نَص شِعْري مثلًا؛ فعليه أن يَشرح معانيَ هذه الكَلمات في هوامِش بحثه.
الشرط الثالث: يُراعَى كِتابة الكلمات بطريقة صحيحة؛ لأن الخَطأ في كِتابتها سيؤدّي إلى الخطأ في المعنى. فمثلًا كلمة “يكافِئ” غير كلمة “يُكافَأ” الهمزة الأولى على الياء، والهمزة في الثانية على الألف؛ فإذا وُضِعت إحداهما في موضع الأخرى جاء المعنى على عكس المقصود. وكذلك إذا كُتبت كلمة “سُئل” بدلًا من كلمة “سَأل” أو العكس، فإن هذا يؤدِّي إلى عَكس المعنى المَقصود، وهذا يؤدي إلى الارتباك، وعَدم وضُوح المعنى.
الشرط الرابع: يُراعَى ضَبط الكلمات التي تَحتاج إلى تَشكيل حتى لا يُفهم منها معنىً غير المعنى المقصود. ولا داعيَ للإسراف في هذا الشأن بضبط كلمات البَحْث كُلّه أو أكثَره، بل ينبغي الاقتصار على ما تَدعو إليه الحاجة. ويُستثنى من ذلك أن التشكيل في نَصٍّ قُرآني، أو حديث نبوي، أو نصٍّ شِعْري، أو نحو ذلك ممّا تكون الحاجة فيه ماسَّة إلى ضَبط النَّص كُلّه أو أكثره.
الشرط الخامس: يُفضّل استخدام الجُمَل القَصيرة على الجُمَل الطويلة، كما يُفضّل استخدام الأسلُوب البَسيط من حَيث تَركيب الجُمَل، على الجُمَل المُعَقّدة المليئة بالجُمَل الاعتراضية والاستدراكات التي تؤدّي غالبًا إلى غُموض المعنى.
الشرط السادس: يُراعَى الترابط المنطقي بين الجُمَل، مع الابتعاد عن الحَشو والاستطراد والتّكرار المُمِلّ دون ضرورة ماسّة. هذا يتعلّق بالشروط الواجب اعتبارها فيما يتعلّق بالأسلُوب واللغة التي يتمّ بها كِتابة البَحْث.
ثانيًا: تكوين الفقرات التي يتكوّن منها البحث:
- يُقَسَّم النَّص ضَرورة إلى عَدد يَزيد أو يَنْقُص من الفقرات، والفقرة هي: مَجموعة من الجُمل التي تَتّجه جَميعها لإبراز مَعنى واحد أو فِكرة واحِدة، أو حَقيقة واحدة، ولا بُدَّ أن يُراعَى فيها الترابط والتسلسل بين الجُمل المكوِّنة لهذه الفقرة، كما رُوعِي في الحَديث عن الجُمل التي تتكون منها الفقرات؛ بحيث تكون الفقرة مرتبطة بما قبلها وبما بعْدها. هذا هو الأمر الأول.
- تتضمّن الفقرة فِكرة رئيسة يَتمُّ تَناوله فيها بحيث لا تكون طويلة جدًّا، ولا قصيرة جدًّا، وخير الأمور الوسط.
- تَبْدأ الفقرة عند الكتابة بسطر جَديد، لا يَصح أن تتداخل الفقرات بعْضها مع بعض، بل لا بُدَّ أن تَبدأ بسطرٍ جَديد لنُشير بهذه الطريقة في الكتابة إلى أننا نَبدأ فِكرة جديدة، ثم عندما نَبدأ الفقرة بهذا السطر الجديد نُزحْزِح أوّل السطر عن مستوى الكتابة الذي نكتب به إلى اليسار كي يترك فَراغ عند بداية ذلك السطر، وتختم كل فقرة بنقطة تشير إلى انتهاء المعنى.
ثالثًا: استخدام الضّمائر في البحث:
يَنْبَغي عند الكتابة تَجَنّب استخدام ضمير المُتكلِّم مُفردًا أو جَمعًا، متصلًا أو منفصلًا، في جُملة اسمية، أو جُملة فعلية، كأن يقول الباحث مثلًا: “وأنا أرى”، أو “نَحن نَرى”، أو “نَحن نَختار كذا”، أو “أما الرأي الرَّاجِح عِندنا”، أو “نَحن لا نُوافق الباحث الفُلاني على كذا”، هذا كله يجب تفاديه عند الكتابة في البحث، إلَّا عند الضرورة الماسة.
وهذا الذي لاحظناه في المنع من استخدام الضمائر، سواء أكانت مُفردة أو جَمعًا -ضمير المُتكلِّم بالذات، مُتصلًا أو مُنفصلًا، في جُملة اسمية أو جُملة فعلية- هذا أمر المَقصود به: أن يتعلّم الباحث خُلُق التَّواضُع، الذي هو خُلُق إسلاميٌّ وعِلمِيٌّ في الوقت نفسه. ولا بُدَّ أن يَستَعِيض الباحث عن الأساليب التي يأتي فيها ضمير المُتكلِّم إلى أساليب أكثر تَواضُعًا مثل: “ويُمْكِن القَول بأن كذا صَواب”، أو “لعلّ الصَّواب في هذه المسألة كذا”، أو “وربما كان الصَّواب هو كذا”، أو “يَمِيل الباحث، أو المُؤلف إلى اختيار الرأي الفُلاني”، أو “ويَتَّضِح مما سَبق ذِكْره كذا، وكذا”، أو “يَتجلَّى من الأدلة السابقة أن أصح الآراء في المسألة هو كذا”، أو “أن ما ذُكِر من الآراء يَتَعارض مع البَراهين التي سِيقت مما يجعل الرأي الفلاني هو أكثر الآراء قَبولًا”، إلى غير ذلك من الأساليب الدَّالة على التَّواضُع المَحمود، البَعيدة عن الفَخْر والإعجاب بالنَّفس، والتقليل من شأن الآخرين.
رابعًا: الكتابة وعَلامَات التَّرقِيم:
يفضّل أن الكتابة تكون على سَطْر، يُتْرَك بَعده سَطْر خالٍ، لإدخال أي إضافة أو تَصحيح خَطأ، أو نحو ذلك. ثم يَنْبَغي أن يُتْرَك مكان في أسفلِ الصَّفحة لكتابة هَوامِش البحث؛ وهذا أمر سنخصّص له فقرة مُستَقلّة بعد قليل. ويَنْبَغي كذلك مُلاحَظة عَلامَات التَّرقِيم، وإجادة استخدامِها؛ لأنها تُؤدّي إلى وضُوح المعنى، وإعانة القارئ على تَحديد معاني الفَصْل، والوَصْل، والوَقْف، كما تُساعِده على تَغْيير نَبرات الصوت عند القراءة. وهي من المسائل التي لمْ تَكن مَوضِع اهتمام فيما مَضى، ولكنها أصبحت ضَرورية الآن، لِمَا يَترتّب عليها من فوائد مُحقّقة، سَواء أكان الإنسان يَكْتُب بَحثًا علميًّا، أو يَكْتُب مَقالًا، أو يَكْتُب خُطبة، أو يَكْتُب تَعْبيرًا عن شيء، أو حتى يَكْتُب وَثيقة من الوثائق، أو عَقدًا من العُقود، أو نحو ذلك. أصبحت الآن ضرورية جدًّا، مع أنها لمْ تَكن مَلحوظَة عند أسلافِنا القُدامى؛ لكن يَنْبَغي أن نُلاحِظ هذا في الكتابة الحَديثة، وخصوصًا في كِتابة الأبحاث العِلمية.
وسأقدّم بعض عَلامَات التَّرقِيم التي هي في المُقدّمة، التي يَجب مراعاتُها، والتزامُها، والتَّدَرب على استعمالها، والتّدرب على وضْعِها في الأماكن المُناسبة؛ حتى تَصير مَلكة وعَادة لا يُفكّر الإنسان كَثيرًا عند استخدامِها، بل يَستخدمُها بطَريقة تُشبه أن تكون طَريقة آلية:
العلامة الأولى: “النقطة” (.):
تُوضَع في نهاية الجُملة التامّة المعنى. وإذا وضِعت النقطة، فيَنْبَغي أن تكون دالة على أن هذه الجُملة يَحْسُن الوقوف عليها -يعني: تَوقّفْ عِندها لأن المعنى تَمّ- أما إذا لم يَكُن المعنى قد تَمّ بَعْد، فلا تُوضَع النقطة؛ لأنني أنا إذا نَظرتُ إلى سَطْر فوجدت نقطة فيه، فسأفهم قبل أن أقرأ أنّ هذه النقطة هي نهاية مَعنًى، وسينتقل الباحث بَعْده إلى معنى آخر، فإذا لمْ يَنْتَقِل فإنه لا يَكون قد أحسن استعمال النقطة في مَوضعها.
العلامة الثانية: “علامة الاستفهام” (؟):
وتُوضَع بعد الجُملة الاستفهامية، يعني: مَنْ في الدار؟ علامة استفهام … أيّكُم الذي أحضر هذا الكتاب؟ علامة استفهام … رضي الله عنه أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّارضي اله عنهم
[مريم: 69]؟ إذا فَهمنا “أيُّ” هنا على أنها هنا استفهامية، فإذًا تُوضَع بعدها علامة استفهام. وتكون علامة الاستفهام عند الكتابة بالعربية مُوجّهة نحو الكتابة العربية (؟)، وإذا كتبنا باللغة الإنجليزية تكون مُوجهة نحو الكتابة باللغة الإنجليزية، يعني: مُوجهة نَاحِية أول السَّطْر الذي تتمّ فيه الكتابة. يعني: لا يُوضَع ظَهرها للكلام، ولكن يُوضع وَجهُها وهو الفَتحة لها إلى الكلام.
العلامة الثالثة: “علامة التَّعجُب” (!):
وتُوضَع في نِهاية الجُملة، وهي تَدلُّ على حُدوث انفعال في النفس، أو عند ذِكْر رأي مُسْتَغرب، أو عِند وجود رأي لا يُوافِق عليه البَاحِث، وهي مثل الواحد وتَحته نُقطة، أو الألف وتحته نقطه: (!).
العلامة الرابعة: “الفَاصِلة” (،):
وهي: أشبه بعلامة العَطف، أشبه بواو العَطف، وتُوضَع بين الجُمل القَصيرة التي لا يَكْتَمِل بها المعنى ولا يَحْسُن الوقوف عليها. أي إنها تأتي مُتتابعة للحديث عن معنى عام لم يَكْتَمِل بعد، فإذا اكتمل المعنى تُوضَع “النقطة” -كما سَبق القول.
– كما تُوضَع بين أنواع الشيء الواحد، كما نقول: يتكوّن الحيوان من عَدد من الأنواع والفَصائل مثل (:) -نقطتان رأسيتان، وسيأتي الحديث عنها بعد قليل- الأسُود، والفِيلة، والخَيل، والحَمير، والبِغال، وهكذا.
– كما يمكن أن تُوضَع بين الشرط والجَزاء في الجُمل الشَّرطية، مثل: إذا انتَظم الطَّالب في دِراسته، نَجَح بتَفوّق، ومثل الحديث المعروف: ((إن الحاكم إذا حكم فاجتهد فأصاب، فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد)) وهكذا.
– كما تُوضَع بين الأعداد إذا تَعدّدت؛ إذا كنا نَكْتُبها سواء بالتَّرقِيم بالأرقام أو بالحُروف: (13، 15، 17 … إلخ).
– كما تُوضَع بين أسماء المُدن كما أقول: الرياض، القاهرة، دمشق، … إلخ.
– وبعد اسم المنادى مثل: “يا فلان، أقبِل”، (تُوضَع بين “فلان” و”أقبل”).
– ومثل القَسم: “والله، ما كَتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شَيئًا ممّا أمره الله بتبلِيغه”، وهكذا. يعني في الأمور التي لم يَكْتَمِل بها المعنى، وتُوجد فيها أجزاء، أو تُوجد أسماء يَعْطِف بعضها على بعض، تُوضَع الفَاصِلة في موضِعها حتى يُفهم المعنى فَهمًا صحيحًا. ووضعه الفَاصِلة في هذا المَوضع الملائم يحتاج من الباحث والقارئ إلى فَهم دقيق للمعنى، ثم إلى التَّدرب على وضع “الفَاصِلة”، مع “النقطة”، مع “علامة الاستفهام”، مع “علامة التعجب” … إلخ. حتى تُوضَع في مَوضِعها الدَّقيق دون خَلط بينها وبين غَيرها من عَلامَات التَّرقِيم.
العلامة الخامسة: “الفَاصِلة المَنْقوطَة” (؛):
وهي وَسط بين “النقطة” التي تُوضَع في آخر الجُملة عند انتهاء المعنى، وبين “الفَاصِلة” غير المَنْقوطَة التي هي أشبه بعلامة العَطف. ومن أهم استخداماتها: أن تأتي بين جُملتيْن إحداهما سبب للأخرى، يعني: جملة رقم (1)، وجملة رقم (2)، الجُملة الأولى سبب في الأخرى، أو عِلّة فيها، تُوضَع بينهما كأنها تَدلُّ على لام التعليل مثلًا نقول: كانت نَتيجة الدِّراسة جَيدة؛ لأن الطلاب ذاكَروا جيدًا، ونال الباحث درجة امتياز؛ لأنه قدَّم بحثًا متميزًا … وهكذا. فإذا لاحظنا أن الجملتيْن مترابطتان، ولكن الجُملة الأولى سبب للثانية فإننا نَضع علامة “الفَاصِلة المَنْقوطَة” في مَوضِعها الصحيح.
العلامة السادسة: “النقطتان الرأسيتان” (:):
وتُوضَعان بعد القَول، كقولنا: قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7]، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة: 183]، وهكذا.
كما تُوضَعان عند الحديث عن شيء مُكوّن من أقسام. كقولنا: “يتكوّن الكتاب من عِدَّة فصول:”، أو “يتكون البحث من عِدَّة فصول: الفصل الأوّل، وعنوانه: كذا، من صفحة: كذا، إلى صفحة: كذا، والفصل الثاني، وعنوانه: كذا، من صفحة: كذا، إلى صفحة كذا”، وهكذا تُستَعمل “النقطتان الرأسيتان” في هذا الموضع.
كما تُوضَعان عند شَرح شيء، أو تَفسيره بَدلًا من كَلمة “أي”، أو “أعني” وما يُماثِلها، كأن نقول: ليث: أسد -أي: إن الليث هو الأسد- كلمة أرجأ -أي: أخَّر- استجار بفلان: طلب جِواره وحِمايته، وهكذا.
العلامة السابعة: “الشَّرطة على السَّطْر” (-):
وتُوضَع في أول السَّطْر عند الحِوار، بدلًا من ذِكْر اسم السائل والمُجيب في كل مرة، يعني: هناك حِوار بين شخصيّتيْن، أو شخصيات، فبَدلًا من أن أقول: محمد، وعلي، وإبراهيم، وفلان، وفلان، أبدأ مثلًا بمحمد في أول مرة، ثم بالشخص الآخر الذي أحاوره في المرة الثانية، ثم بعد ذلك أكتُب “الشرطة” واحدة على أول السَّطْر لِتَدل بالترتيب على تلك الشخصيات المُشترِكة في هذا الحِوار.
كما تُوضَع بين الأعداد المَكتوبة بالحُروف والكَلمات، الأعداد المُركّبة من أعداد إذا كتبناها بالحروف والكلمات مثل: خَمس وثلاثون – سبع وأربعون – خمس وسبعون … إلخ.
العلامة الثامنة: “الشرطتان على السَّطْر” (- -):
وتُوضَع بين الجمل الاعتراضية مثل: “قال محمد -وقد بَدا منفعلًا: إنني لن أذهب اليوم للقاء فلان”؛ لأن أصل الجُملة: “قال محمد: إنني لن أذهب اليوم للقاء فلان”، ولكني وضعت هذه الجُملة الاعتراضية لأبيّن حالة محمد عندما قال هذا القَول. ولا يصح أن يدخل هذا في صُلب الكلام، وإنما تُكْتَب بين هاتيْن الشرطتيْن جُملة -وقد بدا منفعلًا- أو نحوها …
عندما يقول الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم } [يس: 78]، أصل التركيب لو كان في غير القرآن: “وضرب لنا مثلًا: من يُحيي العِظام وهي رَميم؟”، لكن الله عز وجل ذَكر هذا في القرآن الكريم؛ لكي يُبيّن قبل أن يأتي بالرَّد على هذا المُتطاول على مقام الألوهية، المُتجرّئ على الله عز وجل وقُدرته وصُنعه، يُبيّن أنه نَسي خَلْقه أصلًا، فلو تذكّر خَلْقه الذي خَلَقه الله به بعد أن لم يكن مَوجودًا، وهو الذي خَلَقه ولم يَخلُقه إلَّا هو جل جلاله لو تذكر في هذا، ما سأل هذا السؤال أصلًا. فكأن الله يَردّ عليه قبل أن يأتي بقوله، فتُوضَع الجُملة -ونَسي خَلْقه- بين شَرطتَيْن حتى نَتبيّن أنّ هذه في مَقام الرَّد عليه، وليست من كَلامه هو، ولا حكاية لكلامه، ولكنها كلام الله رب العالمين في الرَّد على هذا المُشرِك المُتطاول على الله سبحانه وتعالى.
العلامة التاسعة: “القوسان” -إما صَغيران ( )، وإمّا كَبيران رضي الله عنه رضي اله عنهم:
ويُستعملان استعمال الشرطتيْن، أي: بين الجمل الاعتراضية، أو يُستعملان لكي تُوضَع بينَهما النُّصوص المُقْتبسة سواء أكان ذلك من القرآن الكريم، أو الحديث النبوي. وفي الكتابة الحديثة يُوضع “القرآن الكريم” بين قَوسيْن يُسمّيان “القوسين الهلاليّيْن” رضي الله عنهرضي اله عنهم، في شَكل هلال، لتمييز القرآن الكريم عند وضعه بين هذين القوسين الهلاليين عن غيره من النصوص الأخرى التي نَقْتبسها من كلام فلان أو فلان.
وربما يُوضَع الحديث النبوي أيضًا بين هذين القوسين الهلاليّين؛ لكي تكون النصوص المُقْتبسة الأخرى بين أقواس عادية -الخَط المنحني ناحية اليمين، وناحية اليسار، ويكون النص بينهما.
وكذلك يُوضَع القوسان لكي يَكون بَينهما الأرقام في بِداية الجُملة، مثل: ما أنا أعدد (1)، و(2)، و (3)، و (4)، و (5)، عند بداية كلّ حديث، فأكتب الأرقام داخل هذين القَوسين؛ وهذا أيضًا من عَلامَات التَّرقِيم التي تَوصَّل إليها العلماء، ويحاولون التزامها قَدْر الإمكان.
العلامة العاشرة: “علامتا التنصيص” (” “):
يُوضَع بينهما ما هو مَنقول من كلام الغَير حتى يتميّز من كلام الباحث نفسه. يمكن أن ينقل الكلام المُقْتبس من كلام الآخرين إما بين قوسين -بعض الناس يفعل هذا، وبعض الناس يضعه بين “علامتي تنصيص”، يعني: قوسيْن صغيرين في بداية الكلام، وقوسين صغيريْن عند نهاية الكلام؛ لكي يكون الكلام الموجود بين هاتيْن العلامتيْن هو كلام مُقتبس من كلام الآخرين.
العلامة الحادية عشرة: “علامة الحَذف” (…):
بمعنى أنه إذا حَذف شيء من النص المُقتبس يُوضَع بَدلًا منه ثلاث نقط (…) على السَّطْر بَدلًا من الكلام المَحذوف؛ حتى يَتبين القارئ أن ههنا حَذفًا، وأن الكلام ليس مُتصلًا. وقد سَبق لنا أن تحدثنا عن هذا الأمر بشيء من التَّفصيل.
العلامة الثانية عشرة: “علامة التابعية” (=):
و”التابعية” هنا ليست داخلة في الأحوال المدنية، أو الشخصية، ولا في التوثيق والتسجيل … إلخ، ولا في الوَكالة، ولكنها عبارة عن شرطتيْن إحداهما فوق الأخرى مثل علامة “يُساوي” التي تُستخدم في الحساب، وتُستعمل في مَواضع محدّدة منها:
– إذا كتب الباحث هامشًا في أسفل الصفحة ثم لم يَكْتَمِل هذا الهامِش، فإن الباحث يُكْمِله في الصفحة التالية، وعليه عندئذٍ أن يضع علامة “التابعية” في نهاية الصفحة الأولى التي وقع فيها الهامش، ثم في بداية الصفحة التالية التي يُستَكمل فيها الهامش. وهاتان العلامتان “علامة التابعية” التي هي عبارة عن شَرطتيْن إحداهما فوق الأخرى (=) يُشْعِران القارئ بمُجَرّد النظر بأن النص ما يَزال مستمرًّا، وهكذا يَتهيأ لإكمال النص في الصفحة التالية، ولا يتوقف عند الصفحة الأولى؛ لأن المعنى لن يكون قد اكتمل بعد. ولكن إذا وضِعت “علامة التابعية”، فإن هذا سَيدل على أن النص ما يَزال مستمرًّا، وأن المعنى ما يَزال مستمرًّا، فيَنْتَقل مُباشَرة إلى الصفحة التي تَليها.
هذه إحدى عشرة علامة من عَلامَات التَّرقِيم، وهي من أهمّها، وتوجد عَلامَات أخرى يمكن عند التدقيق والرجوع إلى الكتب والنظر فيها أن نصل إلى أربع أو خمس عَلامَات أخرى. وقد اخترت هذه العَلامَات الإحدى عشرة، وهي أهم العَلامَات فيها: النقطة، والفَاصِلة، والفَاصِلة المَنْقوطَة، والنقطتيْن الرئيستيْن، والشرطة على السَّطْر … إلخ، وهذه هي أهم عَلامَات التَّرقِيم. ويمكن الاستزادة لمن يشاء.