Top
Image Alt

شعر الفِرَق السياسية

  /  شعر الفِرَق السياسية

شعر الفِرَق السياسية

وأول فرقة نتحدث عنها وعن شعرها، هي: فرقة الخوارج:

والخوارج: هم الذين خرجوا على علي رضي الله  عنه   بعد أن كانوا أنصاره يقاتلون تحت رايته، وبعد أن قبل التحكيم بينه وبين معاوية، خرجوا عليه ورفضوا التحكيمَ، واتهموه بالتقصير في حقه، أو أنه لا يؤمن بحقه، ثم تطرف منهم مَن تطرف واتهم عليًّا بالكفر، ثم اتهموا جميع المسلمين الذين يخالفونهم بالكفر، وراح الخوارجُ يقاتلون كلَّ مَن عداهم وكلَّ من لا يؤمن بفكرهم.

وعاشوا طوال العصر الأموي يقاتلون الأمويين ويَخرجون عليهم، وكانوا يذهبون إلى أن الخلافة حق لأي مؤمن عادل تقي، ولا يقصرون هذا الحق على القرشيين، وكان في الخوارج إقبال شديد على الآخرة وزهدٌ كبير في الدنيا، ورغبة شديدة في الاستشهاد في سبيل عقيدتهم التي يؤمنون بها، ويكاد شعرهم لا يخرج عن معاني تصوير حياتهم، وتصوير جهادهم، وقتالهم، ورثاء شهدائهم، والتعبير عن رغبتهم في لقاء الله، والرغبة فيما أعدَّه من الجنان للأتقياء المجاهدين.

فشعرهم يصور إيمانهم بعقيدتهم ولا يصور عقيدتهم بتفاصيلها، وهو من الناحية الفنية شعر الطبع الذي لا يعرف التكلف ولا الصنعة، وهو في أغلبه شعر مقطوعات لا يبدأ بمقدمة كما كان العهد في القصيدة التقليدية؛ فلقد كانوا مشغولين بالقتال والحرب، ولا وقتَ عندهم للتجويد والتحسين وبناء القصائد الطوال.

ويتضح في شعرهم كذلك التأثر الواضح بالقرآن الكريم، وبما ورد فيه من الحديث عن ثواب الشهداء، وعن الجنة، وما ورد فيه من الترغيب في الزهد في الدنيا.

ومن أشهر شعراء الخوارج: قطري بن الفُجاءة، وعمران بن حطان، والطرماح بن حكيم.

ومما يدل على عقيدتهم في علي رضي الله  عنه   قول عمران بن حطان مُشيدًا بالضربة الآثمة التي وجهها عبد الرحمن بن ملجم لعلي بن أبي طالب رضي الله  عنه   فقتله، يقول عمران بن حطان:

يا ضربة من تقي ما أراد بها

*إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينًا فأحسبه

*أوفَى البرية عند الله ميزانا

وبالتأكيد هذا قول غير صحيح، ومن شعر عمران أيضًا قوله بعد أن قتل أبو بلال مرداس سنة واحد وستين للهجرة، وكان أحد قادتهم، يقول عمران:

لقد زاد الحياة إلي بغضًا

*وحبًّا للخروج أبو بلال

أحاذر أن أموت على فراشي

*وأرجو الموت تحت ذرَى العوالي

ولو أني علمت بأن حتفي

*كحتف أبي بلال لم أبال

فمن يك همه الدنيا فإني

*لها والله رب البيت قالي

ولامرأة من الخوارج شعر تُصور فيه رغبتها في الموت، وتعجلها إياه، واستثقالها الدنيا، تقول:

أحمل رأسًا قد سئمت حمله

وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عني ثقله

فهي ترغب في الموت شهادةً في سبيل الله وفي سبيل ما تؤمن به!!

وللطرماح بن حكيم أبيات يتمنَّى فيها أن يكون موته شهادة في سبيل الله، وألا تكون وفاته وفاةً تقليديةً يُحمل بعدها على نعش كما يحمل الناس، فيقول:

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن

*على شرجع يعلى بخضر المطارف

الشرجع: النعش. وخضر المطارف: الفُرش الخضر التي تفرش عليه.

يقول:

ولكن أحن يومي سعيدًا بعصبة

*يصابون في فج من الأرض خائف

فوارس من شيبان ألف بينهم

*تُقى الله نزالون عند التزاحف

إذا فارقوا دُنياهم فارقوا الأذَى

*وصاروا إلى موعود ما في المصاحف

وقد كان الخوارج مجتهدين في العبادة، صوامين قوامين بالليل والنهار، مجاهدين في سبيل ما يعتقدون أنه الحق، وقد كان قتل إخوانهم يزيدهم رغبةً في الاستشهاد واللحوق بهم، وهذا عمران يخاطب زوجه جمرةَ، فيقول:

يا جمر يا جمر لا يطمح بك الأمل

* فقد يكذب ظن الآمل الأجل

يا جمر كيف يذوق الخفض معترف

*بالموت والموت فيما بعده جلل

كيف أواسيك والأحداث مقبلة

*فيها لكل امرئ عن غيره شغل

وفي موضع آخر يخاطب زوجه مذكرًا إياها بأن الموت نهاية كل حي، وأنه ما دام الموت سيأتيه، فالأفضل أن يأتيه وهو يجاهد في سبيل ما آمن به، يقول مخاطبًا زوجه:

إن كنت كارهة للموت فارتحلي

*ثم اطلبي أهل أرض لا يموتونا

فلست واجدة أرضًا بها بشر

*إلا يروحون أفواجًا ويغدون

يا جمر قد مات مرداس وإخوته

*وقبل موتهم مات النبيونا

يا جمر لو سلمت نفس مطهرة

*من حادث لم يزل يا جمر يعيينا

إذًا لدامت لمرداس سلامته

*وما نعاه بذات الغصن ناعونا

وهكذا يستلهم الخوارج في شعرهم حياتهم وعقيدتَهم التي آمنوا بها، ويعبرون بهذا الشعر عمَّا آمنوا به ويصورون حياتهم.

وأما الشيعة:

فهم أولئك الذين كانوا يعتقدون أن الخلافة حق لعلي رضي الله  عنه   ولأبنائه مَن بعده، وكانوا يعتقدون أن الذين استولوا على أمر الحكم ظالمون مغتصبون، وكانوا يحملون في قلوبهم عداءً وحقدًا شديدين لبني أمية، ولما قتل علي رضي الله  عنه   وقتل أبناؤه من بعده، حزن أولئك المتشيعون عليهم حزنًا شديدًا، وأحس كثير منهم بالذنب على أنه لم ينصر هؤلاء المظلومين.

وأشعار الشيعة تشيع فيها زفرات الحزن والندم، وتشيع فيها كذلك صرخات الألم، وصيحات الغضب على بني أمية؛ ومن شعرائهم: أبو الأسود الدؤلي، وكثير عزة، والكميت بن زيد، وغيرهم كثيرون، وقد فصلوا في شعرهم في بعض الأحيان مبرراتِ ما اعتقدوه، وردوا على خصومهم، وأعلنوا حبهم وولاءهم لعلي وأبنائه وبُغضهم للأمويين.  من هذا الشعر مثلًا قول أبي الأسود الدؤلي:

أحب محمدًا حبًّا شديدًا

*وعباسًا وحمزةَ والوصيا

أحبهم لحب الله حتى

*أجيء إذا بعثت على هويا

هوى أعطيته منذ استدارت

*رَحى الإسلام لم يعدل سويا

بنو عم النبي وأقربوه

*أحب الناس كلهم إليا

فإن يك حبهم رشدًا أصبه

*ولست بمخطئ إن كان غيا

ويتسم شعر الشيعة بأنه شعر ديني ذو صِبغة سياسية، وهو شعر عاطفي حزين حزنًا بالغًا، متميزًا وصادقًا، وقد مال كثير من الشعراء إلى نزعة عقلية في مُحاجة خصومهم، وبَسْطِ أصول مذهبهم، والاستدلال على صحته.

كما يتسم هذا الشعر بطابع شعبي أسطوري سببه غلو الشيعة في عقيدتهم، وتطرف بعضهم في المذهب، وقد كان قَتْلُ الحسين رضي الله  عنه   بابًا من أبواب المغالاة، والزعم بأن الجن بكته وقالت فيه شعرًا، ومن العقائد التي يدينون بها: أن المهدي الذي ينتظرونه لتخليصهم وتخليص الناس من الظلم، والعودة بالحكم إلى البيت الهاشمي، يختفي في مكان ما من الأرض، وأنه يعيش ويحيا وسيعود يومًا إلى الدنيا، وأوصاف هذا المهدي تظهر في قول الكميت:

بمرضي السياسة هاشمي

*يكون حيًّا لأمته ربيعا

وليثًا في المشاهد غير نكس

*لتقويم البرية مستطيعا

يقيم أمورَها ويذب عنها

*ويترك جَدْبها أبدًا مريعا

 ويزعمون أن هذا المهدي يُقيم في شِعب من شعاب “رضوى المورقة” يحظَى بصحبة الملائكة الأبرار وبحديثهم الشهي؛ وذلك لأنه حي لم يمت، ولم توارِ عظامه أرض ما، وفي ذلك يقول السيد الحميري:

لقد أمسى بمورق شعب رضوى

*تراجعه الملائكة الكلاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت

*ولا وارت له أرض عظاما

وإن له به لمقيل صدق

*وأندية تحدثه كلاما

 وابن خولة المقصود به محمد بن الحنفية.

وأما الشعوبية:

فهي نزعة عنصرية ظهرت على أيدي الشعراء الفرس الذين كانوا يضيقون ذرعًا بالأمويين وحكمهم؛ لأن الأمويين كانوا يتعصبون للعرب، وكانوا يعاملون الموالي والأعاجم الذين دخلوا في الإسلام معاملةً قاسيةً، فظهرت هذه النزعة الشعوبية عند الفرس، وهي تهدف إلى تمجيد الحضارة الفارسية، وهدم السيادة العربية، وإعادة الدولة الفارسية إلى سابق عهدها وحضارتها، وقد انعكست هذه النزعةُ في الشعر، خاصةً عند إسماعيل بن يسار الذي افتخر بعنصره، فقال:

رب خال متوج لي وعم

*ماجد مجتدَى كريم النصاب

إنما سُمي الفوارس بالفر

*س مضاهاة رفعة الأنساب

فاتركي الفخر يا أُمام علينا

*واتركي الجور وانطقي بالصواب

واسألي إن جهلت عنا وعنكم

*كيف كنا في سالف الأحقاب

إذ نربي بناتنا وتدسو

*ن سفاها بناتكم في التراب

فهو هنا يفتخر بأجداده وأخواله وأعمامه من الفرس، ويطلب من أُمامة العربية أن تترك الفخر بقومها وأن تنطق بالصواب، ويذكر أن جدوده كانوا يربون بناتهم في الوقت الذي كان العرب الأقدمون يئدون البنات، ويدسونهن في التراب. وكانت هذه النزعة في العصر الأموي تظهر على استحياء؛ إذ لم يكن هؤلاء الموالي أو هؤلاء الفرس المتعصبون يجرءون على أن يعبروا عن هذه النزعة بجرأة ووضوح، إلى أن دانت دولة الأمويين وزالت، وجاء العباسيون الذين كان للفرس دَوْرٌ كبير في نصرهم، وإظهار دولتهم؛ فظهرت هذه النزعة ظهورًا واضحًا قويًّا في الشعر العربي، خاصةً عند بشار بن بُرد.

error: النص محمي !!