شهداء المسلمين، وقتلى المشركين، حصار المسلمين أمام هوازن، وثباتهم
أما شهداء المسلمين في حنين فكانوا أربعة شهداء هم:
أيمن بن عبيد، ويزيد بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب، وسراقة بن الحارث بن عدي، وأبو عامر الأشعري الذي كان قائدًا للمسلمين الذين توجهوا إلى أوطاس.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر بجمع السبايا -سبايا حنين- والأموال التي أصابها المسلمون، وجعل على هذه المغانم مسعود بن عمر الغفاري، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها، وكان صلى الله عليه وسلم يقصد من حبسها بالجعرانة حتى تسلم هوازن، وتجيء قبل أن يحدث قسم لهذه الغنائم، ولعله كان يود أن يعاملهم معاملة قريش؛ لأن إسلام هؤلاء وقوتهم إنما يدعم قوة الإسلام في هذه النواحي.
مسير المسلمين لحصار الطائف، وتطوير أساليب الحصار:
بعد هذا توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف التي تحصن بها الفلول من هذا اللقاء في حنين، وقد تحصنت ثقيف وكان معهم مالك بن عوف قائد هوازن.
وكانت الطائف تمتاز بموقعها الجبلي، وبأسوارها القوية، وحصونها التي كانت تعينهم على الصمود والدفاع، ولم يكن إليها سبيل سوى الأبواب التي أغلقتها ثقيف بعد أن أدخلت من الأقوات ما يكفي لطول الحصار من النبي صلى الله عليه وسلم، وهيأت من وسائل الحرب والدفاع ما يكفل لها طول الصمود.
ولم يكن أمام المسلمين إلا أن يحاصروا الطائف وأن يشتدوا في حصارها، وكانت مدة الحصار نحوًا من خمسة عشر يومًا،
فسلك المسلمون في تقدمهم نحو الطائف الطريق القديم الذي يدخل الطائف من ناحية الجنوب، فكان يستحيل اقتحامها من ناحية الشمال، لأن التضاريس الجبلية المعقدة التي تعطيها مناعة وتحصينًا زائدًا.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يحول بين ثقيف وبين إمدادها من هوازن من الشرق، ومن جنوب الطائف.
هذا وقد نزل المسلمون قريبًا من حصون الطائف؛ ولذا فإنهم كانوا في متناول سهام ثقيف، فأصيب بعضهم فتحولوا بعسكرهم إلى الموضع الذي بنى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مسجده وهو المعروف اليوم بمسجد عبد الله بن عباس، وكان الطائف قديمًا إلى الجنوب الغربي من هذا المسجد.
ولعلنا نلاحظ أن هذه المعركة من أولها في حنين وفي حصار الطائف إنما كانت السهام تلعب دورًا كبيرًا في اللقاء.
ومن ثَم فقد استخدم المسلمون في حصار الطائف آلة من الخشب التي كانت تعرف باسم الدبابة كان يدخل فيها الرجال يحتمون من وابل السهام، لأنها كانت مصنوعة من الخشب السميك المغلف بالجلود، وهي مركبة على عجلات مستديرة، فكانوا يحتمون بها، ويمضون تحتها حتى يصلوا إلى الأسوار، يتقون بها إصابات السهام، وهذه أول مرة يستخدم المسلمون فيها آلات مثل هذه الآلات لضرب الحصون ونقبها.
وكان حصول المسلمين على هذه الآلة حينما جاء خالد بن سعيد بن العاص بمنجنيق، ودبابتين من جُرَش اليمانية التي اشتهرت بصنع أمثال هذه الآلات وهي في أعلى وادي بيشة.
وكان لا بد أن يتخذ المسلمون في حصار الطائف أمورًا تطور دفاعهم وأساليبهم في القتال، ومن ثَم استعملوا هذه الآلة، وكذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم المنجنيق، وكان ذلك الاستعمال أول أمره في حصار الطائف كذلك.
ولما لم يكن متوفرًا عند المسلمين من أمثال هذه الآلات التي تستخدم لنقب الأسوار، أو فتح الأبواب، فإن حصار المسلمين لم يكن له أثر واضحٌ لاقتحام الطائف وأسوارها، وهنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بساتين العنب، والنخيل في ضواحي الطائف، حتى يكون في هذا أسلوب ضغط على ثقيف التي لما رأت عزم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر ناشدته ألا يفعل فتركها بعد أن أحدثت هذه المحاولة أثرها في إضعاف معنوياتهم، ولعل هذا يذكرنا بأمره صلى الله عليه وسلم مع بني النضير حينما أمر بقطع نخيلهم وتحريقها، نكاية في العدو حتى يكون ذلك أدعى إلى استسلامه، فليس هذا تخريبًا وليس هذا فسادًا، وإنما هي أساليب تباح في أمثال هذه المواقف، وبخاصة مع أعداء هذا الدين العظيم.