Top
Image Alt

(صحيح ابن حبان) وشروط ابن حبان في كتابه

  /  (صحيح ابن حبان) وشروط ابن حبان في كتابه

(صحيح ابن حبان) وشروط ابن حبان في كتابه

(صحيح ابن حبان) و(مستدرك الحاكم):

تحدثنا قبل ذلك عن الصَّحيح الذي هو زائد على الصَّحيحيْن، والمظانِّ التي يُطلب منها. وأُولى هذه المظانِّ: الكتب التي خصصت للحديث الصَّحيح، ومنها وعلى قائمتها: (المستدرك) الذي -كما يدلُّ عليه اسمه- يأتي بالأحاديث الصَّحيحة التي فاتت الصَّحيحيْن.

ويقارب (صحيح الحاكم) -كما قال ابن الصلاح-: (صحيح ابن حبان) أبي حاتم البستي. وليس معنى “يقاربه” كما عبَّر ابنُ الصلاح هو ترجيح كتاب الحاكم عليه؛ فالواقعُ خلافُ ذلك.

قال العراقي: “وليس كذلك” يعني: ليس المستدرك أعلى درجةً من صحيح ابن حبان، وإنما المراد بقوله: “يقاربه”: يقاربه في التساهل؛ فالحاكم أشدُّ تساهلًا منه.

قال الحازمي في شروط الأئمَّة الخمسة: ابنُ حبَّان أمكنُ في الحديث من الحاكم.

قيل: وما ذُكر من تساهل ابن حبَّان ليس بصحيح:

– فإنَّ غايته أنَّه يُسمِّي الحَسن صحيحًا؛ فإن كانت نسبته إلى التَّساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه، فهي مُشاحَّة في الاصطلاح، يعني: هو اصطلح على أن يدخل الحَسن، ولا مشاحَّةَ في الاصطلاح؛ فلا ينبغي أن يُعترض على ما يصطلح عليه العلماء.

– وإن كانت باعتبار خفَّة شروطه، فإنه يُخرّج في الصَّحيح ما كان راويه ثقةً غير مدلِّس، سمع من شيخه، وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكونُ هناك إرسال ولا انقطاع. وإذا لم يكن في الرَّاوي جرحٌ ولا تعديل، وكان كلٌّ من شيخه والرَّاوي عنه ثقةً، ولم يأتِ بحديث منكر، فهو عنده ثقة. وفي كتاب الثِّقات الذي خصَّصه للرُّواة الثقات، كثيرٌ ممّن هذه حاله.

شرط ابن حبان في كتابه (الصَّحيح):

قال ابن حبَّان: أمَّا شرطنا في نقل ما أودعناه كتابَنا هذا من السُّنن، فإنَّا لم نحتجََّ فيه إلا بحديثٍ اجتمع في كلِّ شيخٍ من رواته خمسةُ أشياء:

الأول: العدالة في الدِّين، بالسَّتر الجميل.

والثَّاني: الصِّدق في الحديث، بالشُّهرة فيه.

الثالث: العقلُ، بما يُحدّث من الحديث. يعني: أن يعقل ما يُحدِّث به من الحديث.

الرابع: العلم بما يحيل من معاني ما يروي، يعني: أن يكون -كما فسَّر غيرُه أو كما عبّر غيره- على علْم باللغة وألفاظها وعباراتها، بحيث يمكن أن يُميِّز بين ما يُغيِّر المعنى من الألفاظ وما لا يُغيِّره.

الخامس: المتعرِّي خبرُه عن التَّدليس، أي: الذي يخلو خبرُه عن التَّدليس.

فكلُّ من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس، احتججنا بحديثه، وبنيْنا الكتاب على روايته. وكلُّ من تعرَّى عن خصلة من هذه الخصال الخمس، لم نحتجََّ به.

شرْطا: العدالة والصِّدق:

ثم فسَّر ابنُ حبان العدالة في الدين بالستر الجميل، قال: العدالة في الإنسان هو: أن يكون أكثر أحواله طاعة الله عز وجل لأنَّا متى ما لم نجعل العدلَ إلا مَن لم يوجد منه معصية بحال، أدَّانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدلٌ. فـالعَدل: من تَغلبُ طاعتُه على بعض معاصيه؛ إذ النَّاس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشَّيطان فيها، بل العدل مَن كان ظاهر أحواله طاعةَ الله عز وجل. والذي يخالف العدل: من كان أكثر أحواله معصية الله. أمّا إذا كان يقترف بعض المعاصي ولكنَّ طاعاته أكثر، فهذا لا يخرجه عن العدالة. هذا ما يُفهم من كلام ابن حبان.

قال ابن حبان: وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدولُ بلده به، وهو غير صادق فيما يروي من الحديث، لأنَّ هذا شيءٌ لا يعرفُه إلا مَن صناعتُه الحديث، وليس كلُّ معدِّلٍ يعرف صناعة الحديث، حتى يُعدِّل العدل على الحقيقة في الرواية والدين معًا.

وهنا يُنبِّه ابن حبان إلى أنه لا يُكتفى بالشهادة لراوٍ ما بأنه عدل، وإنما يُضاف إلى ذلك أن يُجرّب عليه الصِّدق فيما يروي من الحديث؛ فهذا شيءٌ غيرُ ما يشهدُ له عدولُ بلده وجيرانُه.

شرْطا: العقل والعلْم:

واشترط العقلَ بما يُحدِّث من الحديث، وفسَّر ذلك بقوله: هو أن يعقل من اللُّغة بمقدار ما لا يُزيل معاني الأخبار عن سَنَنها، ويعقل من صناعة الحديث ما لا يُسند موقوفًا، أو يرفع مُرسلًا، أو يُصحِّف اسمًا. يعني: أن يكون على دراية بهذه الأمور كلِّها، حتى يعقل ما يُحدِّث من الحديث، زيادةً على ما يعقل من اللُّغة، بمقدار ما يُميِّز بين ما يُزيل الأخبار عن سََننها عن طبيعتها، وما لا يزيل.

ثم فسّر شرط العلم بما يُحيل من معاني ما يَروي، وأن يعلمَ من الفقه بمقدار ما إذا أدّى خبرًا، أو رواه مِن حِفْظه، أو اختصره، لم يُحِله عن معناه الذي أطلقه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر. يعني: يكون يقظًا ومميِّزًا بين ما يُحيل المعنى وما لا يُحيله. وإذا أدَّى الخبرَ مِن حفظه، يكون مطمئنًا إلى أنَّه أدَّى معناه الَّذي أراده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منه.

شرط: تعرِّي الخبر عن التَّدليس:

ثم اشترط أن يكون متعرِّيًا خبرُه عن التدليس، أي: خاليًا خبره من التَّدليس. فسَّر ذلك فقال: هو أن يكون الخبرُ عن مثل مَن وصفنا نعته بهذه الخصال الخمس، فيرويه عن مثله سماعًا، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه هي شروطُ ابن حبان فيما يأخذه من الصَّحيح.

والواقع أنَّ (صحيح ابن حبان) يختلفُ اختلافًا يكادُ يكون جوهريًَّا، عن (مستدرك الحاكم) فهذا مُشترطٌ فيه ألا يكون فيه حديثٌ في الصَّحيحيْن أمَّا (صحيح ابن حبان) فهو فيه ما هو في الصحيحيْن بأسانيد الصَّحيحيْن أو كمستخرج عليها، وفيه ما ليس في الصحيحيْن ممَّا هو زائدٌ عليها.

والذي جرَّده الحافظ أبو الحسن الهيثمي في زوائده على الصَّحيحيْن -كما يقول السُّيوطي- في مجلد، وهو المطبوع باسم (موارد الظَّمآن إلى صحيح ابن حبان) جمع فيه أبو الحسن الهيثميُّ أو أبو بكر الهيثميُّ، ما زاد ابنُ حبان على الصَّحيحيْن.

وربما كان شرطُ الحاكم في صحيحه أقوى وأشدَّ من شرط ابن حبان، لأنَّ شرط الحاكم في الحقيقة هو أن يكون الصَّحيح الذي فيه ملتحقًا بشرط البخاري أو بشرط مسلم، يعني: على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، بالمعنى الذي بيَّنَّاه ونحن نتكلَّم على (مستدرك الحاكم).

ولكنَّ الذي يرفعُ درجة ابن حبان ليس هو أن شروط ابن حبان هي أشدُّ وأقوى، ولكن لأنَّ الحاكم لم يلتزم بما اشترطه، وكانت له أوهامٌ كثيرة، أمَّا ابن حبان، كما يقول العلماء: وفََّى بشرطه، والتزم بشرطه، فكان أقلَّ تساهلًا من الحاكم. يقول السُّيوطي: فالحاصل أنَّ ابن حبان وفَّى بالتزام شروطه، ولم يُوَفِّ الحاكم.

error: النص محمي !!