Top
Image Alt

صفات هيئة الإشراف العلمي

  /  صفات هيئة الإشراف العلمي

صفات هيئة الإشراف العلمي

الإشراف العلْمي هو:

الجهد العملي الذي يقوم به عالِم أو أستاذ متخصِّص، في توجيه باحث أو باحثِين أثناء القيام بالبحث، أي: أن يكون هنالك أستاذ مشْرف مرشد، موجِّه معلِّم، مصوِّب مصحِّح، يأخذ بيد الباحث، وخصوصًا إذا كان في مراحله الأولى عندما يضع أولى خطواته على طريق البحث العلْمي، يكون بحاجة إلى مَن يتولّى قيادته وتوجيهه والإشراف عليه.

وهذا الإشراف الذي يقوم به الأساتذة يتضمّن:

المعاونة، والتوجيه، والإشراف على جميع مراحل البحث، ابتداء من المساعدة في اختيار الموضوع أو اقتراحه، ومرورًا بالقراءة حول الموضوع، أو إجراء التجارب عليه.

ثم المصاحبة للباحث في تعريفه بالمصادر، والمعاونة على استحضارها -وقد يكون بعضها من مكتبة الأستاذ المشرف نفسه- ويُضاف إلى ذلك: المعاونة على صياغة البحث، وتدقيق نتائجه، ثم استثارة همة الباحث في إتمام البحث، ومعاونته على تخطِّي العقبات، وحلِّ المشكلات التي تواجه الباحث من أي نوع كان، سواء أكانت مشكلات تتعلّق بمصادر البحث، أو تتعلّق بالآلات والأجهزة التي يحتاج إليها البحث، أو تتعلّق ببعض المعوّقات الإدارية، أو تتعلّق بمعاونته على أن يخرج في مهمّة علْمية أو في بعثة علْمية، أو نحو ذلك من الأمور التي يقوم بها الأساتذة الأكثر خبرة، والأقدم في مجال البحث العلْمي بسبب خبرتهم الطويلة في نطاق هذا المجال.

ويمكن القول: بأن دور المشرف العلْمي الذي يقوم به الأستاذ شديد الأهمية، وهو مثْل المرشد في السّفر أو الدليل في أي عمل. وهو الذي يقود الباحث ويأخذ بيديه ويصوِّبه إذا أخطأ، ويشجِّعه إذا أنتج، ويؤازره إذا واجه الصِّعاب والعقبات.

إذا كان الطلاب الذين يخوضون نطاق البحث العلمي يشترط فيهم عددٌ من الشروط؛ ليكونوا أهلًا للقيام بهذه المهمّة، فإنّ هنالك شروطًا مهمّة أيضًا لا بد أن تتحقّق في هؤلاء المشرفين على البحث العلْمي؛ حتى يقوموا بواجبهم على الوجه الأكمل.

وهؤلاء المشرفون هم بالفعل وفي الواقع أساتذة كبار مدرّبون، خاضوا غمرات البحث العلْمي وتمرسوا به، واكتسبوا تجارب علْمية كثيرة متنوّعة، ممّا قاموا به من البحوث، وممّا حضروه من المؤتمرات، وممّا تَوصّل إليهم عن طريق المتابعة في مجال بحوثهم، وقد حُكّمت أبحاثهم على أيدي أساتذة أكبر منهم، واعتُرف لهم بالجدارة والأصالة والمكانة العلْمية.

وينبغي أن نعلم: أنّ الإشراف الحقيقيّ ليس عملًا روتينيًّا ولا ينبغي أن يكون كذلك، ولا يستطيع القيام به كما ينبغي إلَّا الأكفاء من الأساتذة المتميِّزين؛ حتى إنّ بعض الجامعات تشترط فيمن يتولّى الإشراف: أن يكون على الأقلّ بدرجة أستاذ مشارك، أو بدرجة أستاذ؛ وهذا هو صاحب المقام الأصلي في هذا الموضوع: الأساتذة. ويُسمح أيضًا للأساتذة المشاركين، وقد تسمح بعض الجامعات لبعض الأساتذة المساعدين أن يشاركوا في الإشراف، بشرط أن يكونوا قد قدّموا بحثيْن مُحكّمين على الأقل، فلا يُكتفى بتحصيل درجة الدكتوراه، وإنما يجب أن يكون هنالك جهد علْمي آخَر زائد على ما حصلوه في الماجستير والدكتوراه. ومعنى ذلك: أنهم يُختارون بعناية شديدة؛ ليكونوا قادرين على توجيه البحث العلْمي، وقيادة الطلاب فيه إلى أفضل النتائج وأحسن الدروب والمسالك، التي يتحقّق لهم بها النتائج العلمية المتوقّعة أو المنتظرة.

ولا يُكتفى بهذا المستوى العلْمي فقط، وإنما يجب أن يُضاف إليه عدد من الأوصاف والخصائص التي يستحق بها هؤلاء أن يتقلّدوا هذا المكان الرفيع في قيادة البحث العلْمي.

ومن هذه الأوصاف والخصائص:

الخبرة الطويلة، والممارسة المتنوّعة للبحث؛ فكما قلت: لا يُكتفى بالدكتوراه أو بالماجستير؛ لأن الذين يحصلون على الدكتوراه، ثم لا يتابعون البحث العلْمي يكونون بحاجة إلى تجديد معلوماتهم، وخصوصًا في مجالات العلوم التطبيقية والعملية التي تتطوّر الآن بسرعة مذهلة توجب على من يتخصّصون في هذه المجالات أن تكون معلوماتهم حديثة جدًّا، وليست ممّا مضى عليها سنوات بل شهور. ولهذا يجب عليهم أن يقوموا بتجديد هذه المعلومات عن طريق الاشتراك في المؤتمرات العلْمية، والاتصال بكلّ ما هو جديد عن طريق المجلَّات المتخصِّصة أو المؤلّفات أو البحوث المُتبادَلة، أو “الإنترنت” أو أيّة وسيلة من الوسائل التي تمكِّنهم من متابعة الجديد في نطاق البحث العلْمي.

ثم لا تكون الأوصاف التي تتحقّق في هؤلاء المشرِفين أوصافًا علْمية فحسب، وإنما يجب في هؤلاء العلماء المشْرفين أن يكونوا قُدوة علْمية وأخلاقية لمَن يقومون بتوجيههم؛ لأن وظيفتهم الأساسية هي أن يكونوا في موضع هذه القدوة من الناحية العلْمية ومن الناحية الأخلاقية؛ ومن هنا، يجب عليهم أن يبتعدوا عن كلّ ما يمسّ صورة هذه القدوة في نفوس الباحثين، فهؤلاء يمثِّلون مكانة الأب بالنسبة للباحثين.

ويجب أن يكونوا على هذا النحو من التمسك بالأخلاق الرفيعة، ومن المعاونة على بناء شخصية هؤلاء الطلاب، ومِن التّنزّه على كلّ ما يشين، أو ما يمسّ السمعة العلْمية أو الأخلاقية.

يوجد أحيانًا بعض المشرفين يأخذون نتائج أبحاث طلابهم، ويتقدّمون بها إلى المؤتمرات العلْمية، وهذا يمسّ المكانة الأخلاقية لهؤلاء الباحثين الكبار، الذين يتصرّفون في مثل هذه المسائل على نحو لا يتّفق مع مكانتهم العلْمية.

وربما يقع بعض هؤلاء المشرفين أحيانًا -وهذا للأسف يَحدث- ويمكن ضبطه عن طريق التّحكيم العلْمي لإنتاج بعض الأساتذة، أن يقوموا بأخذ بحوث سبقهم إليها غيرُهم، ثم إضافة هذه البحوث لأنفسهم؛ وهذا يمس هذه المنزلة العلْمية والأخلاقية لهؤلاء الأساتذة. ولا يفوت على العلماء المتخصِّصين اكتشاف مثل هذه الأمور التي توصف صراحة بأنها سرقات علْمية تقلِّل من شأن هؤلاء الأساتذة، وتجعل الجامعات غير راغبة في استكمالهم لوظائفهم فيها؛ لأنهم ليسوا جديرين بأن يتولّوْا مثل هذه المكانة الرفيعة التي ينبغي أن تتوفّر للعلماء.

هذه القدوة العلْمية والأخلاقية التي تتوفّر في هؤلاء الأساتذة المُشْرفين، عليها القيام بعدد من الواجبات، وهي واجبات متعدّدة:

قيادة الباحث، وتوجيهه، والأخذ بيده، ومساعدته على اختيار البحث، وتخطيط المنهج، ثم معاونته على إنجازه، وتخطِّي عقباته.

ثم تزويد هذا الطالب الذي يقع تحت إشرافهم، بالجديد من المعارف العلْمية، والمصادر والمراجع التي لا يستطيع الباحث الوصول بنفسه إليها.

ثم تقوية عزم هذا الطالب على مواصلة البحث، إذا ما بدا له ضعف أو تردّد، أو واجهتْه بعض العقبات.

ثم يضاف إلى ذلك: ابتكار وسائل المعاونة لهذا الباحث، بالتشجيع، أو بالحزم إذا أحس الباحث منه إهمالًا أو تراخيًا أو انشغالًا عن البحث بما لا يؤدِّي إلى تعمّقه فيه ومواصلة العمل فيه، ثم التصرف بطريقة إيجابية مثمرة بعيدة عن المصالح الشخصية.

وفي النهاية، يمكن القول بأن وظيفة الأساتذة تتلخّص في مساعدة الطالب الباحث على بناء شخصيته العلْمية وملَكاته الإبداعية، واكتساب المهارات المتخصِّصة، وأن يكون هناك فسحة من الوقت والمسافة بين الأستاذ والطالب؛ حتى لا يتدخّل تدخّلًا مستمرًّا في عمله؛ لأنه إذا تدخّل تدخّلًا مستمرًّا في عمل الطالب، فإن ذلك سيؤدِّي إلى توقّف عقليّة هذا الطالب عن ابتكار الحلول، أو التّوصّل إلى ثمرات يدلّه البحث عليها. سيؤدِّي هذا إلى ارتباكه والقضاء على شخصيته، وجعله شخصية باهتة ممسوخة ليس لها مقدرة ذاتية على القيام بالبحث.

وفي كلمة أخيرة: حسن التّصرف من هؤلاء الأساتذة بوصفهم قدوة ومثلًا أعلى لطلابهم؛ حتى يُحسنوا الاستماع إليهم والتّعلّم منهم، والتّوصّل معهم إلى النتائج التي يُنتظر الوصول إليها من هذه الأبحاث العلْمية.

كيفيّة استفادة الطالب من الإشراف العلْمي:

وهو موضوع مهم؛ لأن الإشراف العلْمي ليس عملًا مظهريًّا ولا روتينيًّا، ولكنه في الحقيقة فرصة فريدة متاحة للطالب للإفادة من علْم أستاذه وتجربته. وعلى الطالب أن يستثمر هذه الفرصة بكلّ الوسائل المتاحة، وعليه أن يستغلّ الوقت الذي يقضيه مع المشرف؛ لأن وقت المشرف ثمين جدًّا، ولا ينبغي للطالب أن يشغله عن عمله إلَّا عند الحاجة أو عند الضرورة. فإذا ذهب إليه، فإنه يجب عليه أن يكون مُستحضرًا لموضوع البحث، وأن يُحضر الأسئلة والمشكلات التي تواجهُهُ لكي يعاونه الأستاذ على حلِّها، ولكي يُحسن الاستفادة من مقترحاته وتوجيهاته؛ لأنها تمثِّل مساعدة حقيقية له.

بل يجب عليه أن يخصِّص لقاءه بأستاذه، للحديث عن المسائل العلْمية التي تواجهه في البحث. ثم عليه كذلك، إذا ذهب إلى أستاذه: أن يتخلّى عن الخجل والحياء السّلبيّ الذي لا يفيد.

فيجب عليه إذا كان عنده أية مشكلة من مشكلات العلْم أن يصارح بها أستاذه دون خجل ولا حياء؛ لأن الحياء السّلبيّ لا ينفع ولا يفيد. وعليه أن يتخلّى عن الخوف دون داع، وعدم التردّد في طلب المعونة من الأستاذ عند كلّ مشكلة أو عند كلّ شدّة لكي يكون عونًا له. ثم عليه أن لا يعمل منفردًا، بل يلجأ إلى مُشرفه في كلّ ما يتطلّبه ذلك.

بالنسبة لهذا الموضوع الذي انتهينا من الحديث عنه، فيما تحدثنا به عن صفات الأساتذة، ودوْرهم في قيادة البحث العلْمي، وكيفية انتفاع الطلاب بهم، وهذه العناصر الأساسية في الموضوع.

error: النص محمي !!