Top
Image Alt

صفة النار، وبُعد قعرها

  /  صفة النار، وبُعد قعرها

صفة النار، وبُعد قعرها

الجنة والنار المخلوقتان:

المقصود بأنهما مخلوقتان، أي: مخلوقتان الآن، وقد خُلقتا بالفعل. قال الطحاوي في (العقيدة): والجنة والنار مخلوقتان, لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان؛ فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلًا منه, ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه، وكلٌّ يعمل لما قد خلق له أو فرض له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد.

قال شارح (الطحاوية) في شرحه لهذا النص: أما قوله: إنّ الجَنّة والنّار مخلوقتان, فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك، وقالت: بل يُنشئهما الله يوم القيامة.

أما عن الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على أنهما مخلوقتان؛ فقد قال تعالى عن الجنة: {أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى: {أُعِدّتْ لِلّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]، وقال تعالى عن النار: {أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، وقال تعالى: {إِنّ جَهَنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً}(21) {لّلطّاغِينَ مَآباً} [النبأ: 21، 22], وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ}(13) {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىَ}(14) {عِندَهَا جَنّةُ الْمَأْوَىَ} [النجم: 13- 15].

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهلِ النار، فيقال -أي: يقال له-: هذا مقعدك, حتى يبعثك الله يوم القيامة)), وفي حديث البراء بن عازب: ((يُنادي منادٍ من السماء؛ أن صدق عبدي, فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها)).

وفي الصحيحين -واللفظ للإمام البخاري- عن عبد الله بن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر الحديث وفيه: فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًَا في مقامك، ثم رأيناك كعكعت؟ فقال: ((إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيتُ النار فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثرَ أهلِهَا النساء)), قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن))، قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئًا؛ قالت: ما رأيتُ خيرًا قط)).

وفي (صحيح مسلم) من حديث أنس: ((وايم الذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيتُ لضحكتم قليلًا وبكيتم كثيرًا))، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: ((رأيتُ الجنةَ والنارَ)) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها؛ فذهب فنظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة فحُفَّت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها ثم رجع فقال: وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد)) قال: ((ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها)) قال: ((فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضًا ثم رجع، فقال: وعزتك لا يدخلها أحد سمع بها؛ فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها فرجع، فقال: وعزتك, لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها)).

صفة النار:

اختلف العلماء في موقع النار الآن؛ فقال بعضهم: هي في الأرض السفلى، وقال آخرون: هي في السماء، وقال آخرون بالتوقف في ذلك، وهذا الرأي بالتوقف هو الصواب؛ لعدم ورود نصٍّ صريحٍ صحيحٍ يحدد موقعها، ومن الذين توقفوا في هذا الحافظ السيوطي، حيث قال: “وتقف عن النار، أي: تقول فيها بالوقف، أي: محلها؛ حيث لا يعلمه إلا الله، فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك”.

سعة النار, وبعد قعرها:

النّار شاسعة واسعة, بعيد قعرها، مترامية أطرافها، ويدُلّنا على هذا أمورٌ كثيرة، فالذين يدخلون النار أعداد لا تُحصى, ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكون ضرسه في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام؛ ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا, من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم، وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة في كتابه الكريم فقال: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مّزِيدٍ} [ق: 30].

وعن أنس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال جهنمُ يلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمَهُ؛ فينزوي بعضُهَا إلى بعض فتقول: قط قط, بعزتك وكرمك)). ومما يدل على بعد قعرها أيضًا: أن الحجر إذا أُلقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها, ففي (صحيح مسلم) عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وَجْبَةً -أي: سقطةً- فقال النبيصلى الله عليه وسلم: ((أتدرونَ ما هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا حجرٌ رُمِيَ به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار إلى الآن)).

ومما يدل على سعتها: كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة؛ فقد وصف الرّسول صلى الله عليه وسلم مجيء النار في يوم القيامة الذي يقول الله فيه: {وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ }[الفجر: 23]، فقال: ((يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك)) رواه مسلم.

وأما الحديث عن دركات النار: فالنّار متفاوتة في شدةِ حَرِّهَا وما أعده الله من العذاب لأهلها؛ فليست درجةً واحدةً، وقد قال الحق -تبارك وتعالى-: {إِنّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ} [النساء: 145].

وقد تُسمى النار درجات أيضًا؛ ففي سورة “الأنعام” ذكر الله أهل الجنة والنار ثم قال: {وَلِكُلّ دَرَجَاتٌ مّمّا عَمِلُواْ} [الأنعام: 132]، وقال -عز من قائل-: {أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(162) {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ} [آل عمران: 162، 163].

وقد ورد عن بعض السلف أن عصاة الموحدين ممن يدخلون النار يكونون في الدرك الأعلى، ويكون في الدرك الثاني اليهود، وفي الدرك الثالث النصارى، وفي الدرك الرابع الصابئون، وفي الخامس المجوس، وفي السادس مشركو العرب وفي السابع المنافقون.

ومن صفة النار أنّ لها أبوابًا؛ فقد أخبر الحق أن للنار سبعة أبواب، كما قال تعالى: {وَإِنّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ}(43) {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْءٌ مّقْسُومٌ} [الحجر: 43، 44]. وعندما يرد الكفار النار تفتح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين فيها, قال تعالى: {وَسِيقَ الّذِينَ كَـفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَا قَالُواْ بَلَىَ وَلَـَكِنْ حَقّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71].

error: النص محمي !!