صلة الموصول (أنواعها، شروطها)
تفتقر كلّ الموصولات الاسميّة، نصيةً كانت أو مشتركةً، إلى صِلة تتّصل بها؛ لأنّها نواقص لا يتمّ معناها إلا بصِلة متأخّرة عنها لزُومًًا، وأما قوله تعالى: {مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ} [يوسف: 20]، فـ{ فِيهِ} : متعلّق بمحذوف دَلّ عليه صلة (أل)، والتّقدير: وكانوا زاهدين فيه مِن الزّاهدين.
وتتميّز الموصولات الاسميّة عن الموصولات الحرْفيّة، بأنّ الاسميّة لا بُدَّ لها مِن صلة مشتملةٍ على ضمير مطابق لها، يُسمّى: العائد.
أنواع الصِّلة وشروطها:
(1) جملة تامّة اسميّة أو فعْليّة: فالاسمية نحو: (جاء الذي أبوه قائم)، والفعلية نحو: (جاء الذي قام أبوه).
وشرطها: أن تكون خبَريةً، وهي: المحتمِلة للصّدق والكذب في نفسها مِن غيْر نظَر إلى قائلها، معهودة للمخاطب، إلاّ في مقام التّهويل، والتفخيم، فيحسُن إبهامُها.
فالمعهودة نحو: (جاء الذي قام أبوه)، إذا كان بيْنك وبيْن مخاطّبك عهْد في شخص قام أبوه.
والمبهمَة نحو: {فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78]، أي: الذي غشِيَهم أمْر عظيم، ونحو: {فَأَوْحَىَ إِلَىَ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىَ} [النجم: 10]، أي: الذي أَوْحَاهُ إلى عبده أمْر عظيم.
ولا يجوز في الصّلة أن تكون جُملة إنشائية، وهي: ما قَارَنَ منها لفظها معناها، نحو: (بِعْتُكَهُ)، فلا تقل: (جاء العبد الذي بِعْتُكَهُ)، قاصدًًا إنشاء البيْع، ولا جملة طلبيّةً، وهي: ما تأخّر وجود معناها عن و جود لفظها، أمرًًا كانت أو نهْيًًا، نحو: (اضرِبْهُ!)، و(لا تَضْرِبْهُ!). فلا يجوز أن تقول: (جاء الذي اضربْهُ)، أو (جاء الذي لا تَضرِبْهُ)؛ لأنّ كلًا مِن الإنشاء والطلب لا خارج له، فضلًًا عن أنْ يكون معهودًًا، فلا يصلح لبيان الموصول.
(2) شِبهُ جمْلة، وهو ثلاثة:
الأول والثاني: الظّرف المكانيّ، والجار والمجرور التّامان؛ والمراد بالتمام: ما يُفهَمُ بمجرّد ذِكْره ما يتعلّق هو به، نحو: (جاء الذي عندك)، و(جاء الذي في الدار)، وتعلّقهما بـ(اسْتَقَرَّ) محذوفًًا، أي: وجوبًًا؛ وبذلك أشبها الجملة، بخلاف الناقصين، نحو: (جاء الذي مكانًًا)، و(جاء الذي بك)، فلا يتمّ معناهما إلا بذِكر مُتَعلَّقٍ خاصّ جائز الذِّكر، نحو: (جاء الذي سكن مكانًًا)، (والذي مرَّ بك)؛ وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله:
ضوجملة وشِبْهُها الذي وُصِلْ | * | بِه ِ …. ….. ….. |
الثالث: الصّفة الصّريحةُ، أي: الخالصةُ للوصْفيّةِ، وهي التي لم تغلب عليها الاسميّة؛ لأنّ فيها معنى الفعل؛ ولذلك عملت عملهُ، وصحَّ عطف الفعل عليها، وعطفها عليه، نحو: {إِنّ الْمُصّدّقِينَ وَالْمُصّدّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ} [الحديد: 18]. وتختص الصّفة الصريحة بالألف واللام، وإلى ذلك يشير ابن مالك بقوله:
وصفةٌ صريحةٌ صلةُ (أل) | * | …. …. …. ….. |
نحو: (ضارِب)، و(مضروب) اتّفاقًًا، و(حَسَن)، على قول ابن مالك؛ بخلاف ما غلبت عليه الاسميّة مِن الصفات كـ(أَبْطَح): مذكّر بَطحاء، فإنه في الأصل وصْف لِكلّ مكانٍ منبطح مِن الوادي، ثم غُلِّبَ على الأرض المتَّسِعة، و(أَجْرَع): مذكر جَرْعاء، فإنه في الأصل وصْف لِكلّ مكان مستوٍ، ثم غُلِّبَ عليه الاسميّة، فصار مختصًًّا بالأرض المستوية ذات الرمل التي لا تُنبتُ شيئًًا، و(راكب)، فإنه في الأصل وصْف للفاعل، أي: فاعل الركوب مهما اختلف نوع ما يرْكبه، ثم غُلِّبَ على راكب الإبل دون غيْره، وعلى رأس الجبل.
وقد توصَل (أل) بمضارع اختيارًًا، كقوله:
ما أنت بالحَكم الْتُرْضَى حكومَتُهُ | * | ولا الأصيل ولا ذي الرأيِ والجَدَلِ |
فأدخل (أل) على (تُرضَى)، وهو: فعل مضارع مبنيّ للمفعول. و(حكومتُه): نائب فاعل به.
ولا يختص ذلك عند ابن مالك بالضرورة، بل أشار إلى قلّته بقوله: