صيغة الإجازة، وحكم الرواية بها، وأنواعها – معنى المناولة، وصورتها، وصيغها
. المرتبة الثالثة: الإجازة:
قال ابن قدامة -رحمه الله: الثالثة الإجازة، وهو أن يقول: أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني، أو ما صح عندك من مسموعاتي.
وقد عرَّفها بعض أهل العلم بأنها: إذن الشيخ للطالب أن يؤدي عنه مروياته بلفظه أو بخطه، فالإجازة مجرد إذن من الشيخ للطالب دون قراءة من أحدهم على الآخر.
أركان الإجازة:
- مجيز: وهو الشيخ.
- مجاز: وهو الراوي عن الشيخ.
- مجاز به: وهو تأدية مرويات الشيخ من كتاب أو جزء أو نحوهما.
- صيغة: وهي العبارة التي تدل على الإذن بالرواية من الشيخ للطالب، والعبارة تكون بلفظ: “أجزت لك”.
وقد أجاز الرواية بالإجازة الأئمة الثلاثة: الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وهو مذهب جمهور العلماء من فقهاء وأصوليين، وحملوا كلام المانعين للرواية بالإجازة على الكراهة.
وجواز الرواية بها هو الرأي الراجح وهو المذهب الحق؛ بدليل أنه إذا جاز للراوي أن يروي عن الشيخ مروياته، وقد أخبره بها جملة، فهو كما لو أخبره بها تفصيلًا، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقًا، كما في القراءة على الشيخ.
أنواع الإجازة:
والإجازة أنواع كثيرة بعض أهل العلم أوصلها إلى ثمانية، فأشهر أنواعها:
النوع الأول: الإجازة بمعين لمعين، أو كما يقول بعض أهل العلم: إجازة معين في معين.
وصورة هذا النوع: أن يعين الشيخ الشخص المجاز، ويعين الكتاب الذي أجازه له، بأن يقول: أجزت لك أن تروي عني كتاب البخاري مثلًا.
وهذا النوع هو أعلى أنواع الإجازة.
النوع الثاني: الإجازة لمعين في غير معين، فالشخص معين، لكن ما يجاز به غير معين، مثل: لو أن يقول الشيخ: قد أجزت لك -إذن هو يخاطب شخصا معينًا- جميع مسموعاتي -كل الذي سمعته- وهذا النوع يجوز على رأي جمهور العلماء.
النوع الثالث: إجازة معين لمعين بوصف العموم، مثل أن يقول الشيخ: أجزت للمسلمين -“المسلمين” لفظ عام- أو لمن أدرك حياتي الكتابَ الفلاني. وهنا المجاز به معين، والمجاز معين لكن على صفة العموم. وهو جائز لمن كان موجودًا من المسلمين عند الإجازة.
النوع الرابع: إجازة المجاز، مثل أن يقول الشيخ: أجزت لك -إذن المجاز الآن معين- مجازاتي -أيضًا معين- لكنه أجاز للراوي ما أجازه به غيره. وصورة ذلك أيضًا أن يقول: أجزت لك ما أجيز لي روايته.
النوع الخامس: هو الإذن في الإجازة. ومثل أن يقول الشيخ: أذنت لك أن تجيز عني من شئت. وهذا النوع من أوسع أنواع الإجازة، فكأن الشيخ أعطى الراوي أو التلميذ إجازة، ثم صرح له أن يجيز غيره بناء على إجازته إياه. وعلى هذا فكل من أجازه شيخه وأذن له في الإجازة أن يجيز غيره إلى ما لا نهاية.
2. المرتبة الرابعة: المناولة:
وفيها قول ابن قدامة -رحمه الله: الرابعة: المناولة، وهو أن يقول -أي: الشيخ للتلميذ أو للراوي: خذ هذا الكتاب فاروه عني -يعني: أن يأخذ الشيخ كتابًا ثم يناوله للراوي ويقول: خذ هذا الكتاب فاروه عني- ومن هنا سميت مناولة. ولك أن تقول: المناولة هي: أن يعطي الشيخ كتاب سماعه -الكتاب الذي سمعه وقيده- بيده إلى الطالب أو التلميذ، ويقول له: هذا كتابي وسماعي عن شيخي فلان؛ فقد أجزت لك أن ترويه عني.
والحقيقة: أن المناولة نوع من أنواع الإجازة؛ لذلك بعض أهل العلم يقول: المناولة نوعان:
النوع الأول: مناولة مقرونة بالإجازة، وذلك كقول الشيخ للطالب: هذا كتابي عن شيخي فلان فاروه عني، ويملكه الكتاب. وهذا النوع محل اتفاق بين العلماء من حيث صحته.
النوع الثاني: مناولة مجردة من الإجازة، وذلك بأن يعطي الشيخ الكتاب للطالب ويقول له: هذا كتابي عن شيخي، ولا يقول: اروه عني. وهذا النوع اختلف العلماء في جواز الرواية به، فالصحيح أنه لا تجوز الرواية به، وخالف في ذلك بعض العلماء وقالوا بالجواز.
إذن المناولة في الواقع ونفس الأمر نوع من أنواع الإجازة؛ ولهذا يقول ابن قدامة -رحمه الله: فهو كالإجازة –يعني: المناولة كالإجازة- لأن مجرد المناولة دون اللفظ لا يغني، واللفظ وحده يكفي.
ومعنى هذا الكلام: أن المناولة قسم من أقسام الإجازة، وأنها لا تخرج عن الإجازة؛ لأن الشيخ لو اقتصر على مجرد المناولة -أي: لم يقل له اروه عني- لم تجز الرواية مطلقًا.
أما لو اقتصر الشيء على مجرد اللفظ -وهو قوله: اروه عني، دون أن يناوله كتابًا بيده- فإنه يكفي ويغني، وتجوز الرواية بذلك؛ لأن الإذن إنما يستفاد من اللفظ، لا من إعطائه الكتاب.
ومعنى ذلك: لو أن الشيخ ناول الطالب الكتاب بيده، وقال: خذ هذا الكتاب، فقط، ولم يأذن له بأن يروي ما فيه، فلا يجوز للطالب أن يرويه. بخلاف ما لو قال: اروه عني، ولم يناوله إياه، فإنه يجوز.
إذن المعول عليه والمقصود الأعظم هو اللفظ، وهو الإذن بالرواية وليس مجرد الإعطاء. وعلى ذلك فالمناولة نوع من أنواع الإجازة، وكلاهما تجوز الرواية به.