طاعة الرسول في حياته وبعد وفاته
أوجب القرآن الكريم وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في حياته وبعد وفاته.
أما في حياته فكان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكثيرًا ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مفصلة، أو مطلقة غير مقيدة، كالأمر بالصلاة جاء مجملًا، وكالأمر بالزكاة جاء مطلقًا، وكذلك كانت تقع للصحابة كثير من الحوادث التي لم ينص عليها القرآن، فلا بد من بيان حكمها عن طريقه صلى الله عليه وسلم.
والرسول مبلغ عن ربه, وهو أدرى الخلق بمقاصد شريعة الله وحدودها ونهجها ومراميها، وقد أخبر الله في كتابه الكريم عن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقرآن أنه مبين له، وموضح لمراميه وآياته، حيث يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ} [النحل: 44]. كما بين أن مهمتهم إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس، قال تعالى: {وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64].
وقد أوجب الله عز وجل على المسلمين النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل خلاف، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي القرآن ومثله معه، وأخبر القرآن الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن والحكمة ليعلم الناس أحكام دينهم فقال: {لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ} [آل عمران: 164] وانظر إلى لفظة: {وَالْحِكْمَةَ} والحكمة على رأي جماهير أهل العلم هي السنة.
وإذا كان الأمر كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي القرآن وشيئًا آخر معه يجب اتباعه فيه، وقد جاء ذلك مصرحًا في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
وما دام اللفظ عامًّا فهو شامل لما يحله ويحرمه مما مصدره القرآن أو مصدره وحي يوحيه الله إليه، وقد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((ألا أنى أوتيت الكتاب ومثله معه)).
وقد يغضب صلى الله عليه وسلم إذا علم أن بعض صحابته لم يتأسَّ به فيما يفعله، كما روى الإمام مالك في موطئه عن عطاء بن يسار أن رجلًا من الصحابة أرسل امرأته تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم تقبيل الصائم لزوجته، فأخبرته أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم، فرجعت إلى زوجها فأخبرته، فقال: لست مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسول ما يشاء، فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: ((إني أتقاكم لله وأعلمكم بحدوده)).
وكما وجب على الصحابة بأمر الله تعالى في القرآن اتباع الرسول وطاعته في حياته وجب عليهم وعلى من بعدهم من المسلمين اتباع سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته ولا بصحابته دون غيرهم؛ ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم وهي: أنهم أتباع الرسولصلى الله عليه وسلم؛ ولأن العلة أيضًا جامعة بين حياته ووفاته.