طبقات الماسونية
ننتقل بعد ذاك إلى الحديث عن التنظيم الماسوني وطبقاته؛ لأنّ الماسونية حين وُضع تأسيسها بهذا الشكل وضعوا تنظيمًا طويلًا جدًّا ومتعدّد الخطوات. لا أريد أن أدخل في تفصيلاته، وإنما فقط سوف نأخذ بكثير من الإيجاز الحديث عن الأركان الأساسية في هذا التنظيم. ومِن أهمّ هذه الأركان هو: طبقات الماسونية.
تنقسم الماسونية التاريخية إلى ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى تسمّى: الماسونية العامّة، أو الماسونية الرمزية، وهذا المستوى من التنظيم أو هذه الطبقات مُتاحة لجميع الأجناس، ولجميع الأديان والملل. وهي تبدو في مظهرها على أنها جماعة إنسانية تدعو إلى نشاط اجتماعي وخدمات اجتماعية. ومن أهمّ مظاهرها الإنسانية: أنها تدعو إلى عدم الاعتداء على الغير بأيّة صورة من الصّوَر العدوانية. وتتستّر بالنشاط الاجتماعي والخدْمي، وتظل هكذا متستِّرة بهذا النشاط الاجتماعي إلى وقت طويل جدًّا. ثم يبدأ المنظِّمون يضعون تحت الملاحظة أفرادَ هذا المستوى من التَّنظيم، مَن يصلح منهم لأن يرتقي إلى المستوى الآخَر ومن لا يصلح.
وسُمِّيت هذه الجماعة بالرمزية؛ لأنها تضمّ في مراسمها رموزًا كثيرة؛ كلها تشير إلى أحداث تاريخية ورَد ذكْرها في التوراة. والنظام المحفلي لهذه الجماعة الرمزية نظام إقليمي؛ فالمحفل الأعظم بفرنسا مثلًا كان يَتبعه محفل الشرق الأعظم في مصر. وهذا المحفل كان يتبعه عدّة محافل في المحافظات المصرية. والمحفل الأعظم في تركيا مثلًا كان يتبعه بمصر المحفل الثالث الماسوني. والمحفل الأعظم في إنجلترا كان يَتبعه المحفل الأكبر الوطني المصري الذي كان يُشرف على عدّة محافل ماسونية في المحافظات. وهذه المحافل في تركيا وفرنسا وإنجلترا لا تتصل ببعضها البعض، وقد لا يعرف بعضهم بعضًا، حتى إن أعضاء المحافل الإقليمية في البلد الواحد -كما في مصر مثلًا، أو في تركيا مثلًا- لا يعرف بعضهم بعضًا. وفي هذا المستوى من التنظيم الذي هو الماسونية الرمزية، يبدأ العضو مبتدئًا، ثم يتحوَّل بعدها إلى ما يسمّى بشغَّال. ثم يرتقي إلى درجة أستاذ، ثم أستاذ محترم. ثم يبدأ توشيحُه بالصليب الورديِّ، ثم بعدها يصعد إلى درجة الأستاذ المحترم الأعظم.
وتتكوَّن المراتب الماسونية في هذا المستوى الرمزي الذي هو المستوى الأول من 33 درجة، تتدرج صعودًا صعودًا صعودًا حتى مرتبة الأستاذ الأعظم التي هي رقم 33. ومن يحصل على هذه الدرجة أو على هذه المرتبة يصبح عضوًا في العقد الملوكي.
هذا هو المستوى الأوّل من مستويات التنظيم الماسوني، الذي هو الطبقة الرمزية، أو الماسونية الرمزية التي تنتهي بدرجة 33.
الطبقة الثانية تسمّى: الماسونية الملوكية، أو العقد الملكي، وتُعرف هذه الطبقة بالماسونية المُلوكية أو العقد المُلوكي، ويُطلق على محافلها محافل العقد المُلوكيِّ؛ لأنَّ أعضاءها يكوِّنون من جملتهم العقد المَلكي الذي يرمز إلى إبطال السَّبي اليهودي في بابل. أرجو أن تتنبهوا إلى هذا: العقد المُلوكي. أعضاؤه يُكوِّنون من جملتهم ما يسمّى بالعقد الملوكي، الذي يرمز إلى إبطال السبي اليهودي في بابل، ونحن نعرف السبي اليهودي في بابل كان في سنة 597 قبل الميلاد، حين أغار بختنصر ملك الكلدانيين فاستولى على أورشليم القدس ودمرها، وأحرقها، وهدم الهيكل، وأخذ ملكهم وأخذ خمسين ألف أسير إلى بابل. وسُمِّيت هذه الفترة في التاريخ اليهودي بتاريخ السّبي البابلي.
إذًا المستوى الثاني من مستويات التنظيم، وسمّيت بالعقد الملوكي؛ لأن أعضاءها يكوِّنون من جملتهم العقد الملوكي الذي يرمز إلى أبطال السبي اليهودي، وهؤلاء الأبطال في نظرهم هم: “نحميا”، و”عزرا”، و”يوشع”. وهناك أسماء كثيرة غيرهم. هؤلاء يُرمز بهم إلى الأبطال الذين شكّلوا سبايا اليهود في بابل؛ وعلى هذا نجد أنّ هذه الطبقة تأخذ شيئًا من التقديس؛ لأنها ترمز إلى هؤلاء الأبطال، وتقدّس كل ما جاء في التوراة؛ لأنَّ معظم أعضائها من اليهود، ولا يدخل هذه الطبقة إلا يهوديٌّ أو من تحول من المسيحية إلى اليهودية. يعني: إما أن يكون يهوديَّ الأصل، أو كان نصرانيًّا ثم ترك النصرانية واعتنق اليهودية. ولذلك هم يُصطفون من الدرجة 33 من المستوى الأول، الذين يأخذون لقب “الأستاذ الأعظم” أو “الأستاذ المحترم الأعظم”، الذين هم من المحافل الرمزية الذين أخلصوا للماسونية وقاموا بتقديم العون والمال إليها، على ألا يتجاوزوا فيها مرتبة الرفيق، وهي أدنى مراتبها.
ويرأس المحفل الملوكي: الرفيق الأعظم، الذي يتوشّح بالعِقد المُلوكي المقدّم لأورشليم. وهذا العِقد عبارة عن قلادة عليها عشائر الأسباط الإسرائيليين الذين أُسروا في بابل. وعليها أيضًا صورة بخيمة الاجتماع المقدس لدى اليهود.
ومن التعاليم السائدة لدى الماسونية الملوكية: أن الهيكل في المحفل الملوكي هو: هيكل سليمان، والنور هو: النور الذي كان يتجلَّى الله فيه لموسى عليه السلام أما البناية التي يرمز بها في هذا المستوى فهي “بناية الهيكل”. والأنوار السبعة الموجودة في هذه البناية هي السنوات السبع التي أتم فيها سليمان هيكله الذي يراد أن يعاد بناؤه. هنا نلاحظ أن هذه الطبقة -التي هي الطبقة الملوكية- تأخذ شيئًا من التقديس يتصل بالأعضاء الذين يشكِّلونها، وتأخذ شيئًا من التقديس لبعض نصوص التوراة، ويتّخذون من بعض الرموز الماسونية شعارًا لشخصيَّاتهم -كما قلنا الآن: شعار النور، وشعار البناية الحرة، والأنوار السبعة، هذه الأسماء لم نجدها في الطبقة الأولى التي هي الماسونية الرمزية.
الطبقة الثالثة هي: الماسونية الكونية. وتُعرف هذه الماسونية بالكونية؛ لأنها تتكون من رؤساء محافل العقد الملوكي. وهي محفل واحد جميع أعضائه من اليهود الصهاينة الخلص، وهؤلاء الأعضاء يتوشَّحون في المحفل الكوني بالوشاح الصهيوني، والمحفل الكوني لا يعرف مقره ولا رئيسه الملقّب بالحاخام الأعظم غيرُ المشهورين فقط. لاحظوا حضراتكم هذا التسلسل التصاعدي من المحفل: من الطبقة الرمزية، إلى الطبقة الملوكية، إلى الطبقة الكونية، يعني في تدرج من أدنى إلى أعلى. نجِد أن أعضاء الطبقة الثانية هم صفوة الطبقة الأولى، وأعضاء الطبقة الثالثة هم صفوة الطبقة الثانية.
والماسونية الكونية تضمّ حكماء بني إسرائيل الذين يسمّوْن بورثة السر الأعظم. وهم الذين يتصرّفون بالمحافل الماسونية في العالم كله تصرفًا يعود على اليهود وحدهم بالمصلحة وعلى غيرهم بما يسوء ويضر أحيانًا، وبما يصلحهم أحيانًا، غير أن الذي يراعى في كل تصرف هو: مصلحة اليهود ومصلحة الصهاينة.
ويطلقون على الابتدائيين من جميع الأمم لفظ: “عميان” ولفظ: “صغار” وعلى الملوكيين الذين هم في الطبقة السابقة الوسطى -التي هي الطبقة الثانية- “عميان كبار”، أما الطبقة الثالثة فهم الصفوة المختارة من جميع هذه الطبقات الثلاثة. ويعتبرون العميان الابتدائيين أحيانًا بالماسونية الرمزية العامة، أحيانًا يطلقون عليهم رمز: “عبيد الدرجات”، ومع ذلك فهم معرّضون لتجربة الترقي. يعني: يعرضونهم على امتحانات؛ فمَن ثبتَت سلامة قلبه وإخلاصه للماسونية، يرقي إلى الدرجة التالية، ومن لا يُثبت إخلاصه يُستبعد. وما إلى ذلك.