Top
Image Alt

طرائق تعليم اللغات الثانية

  /  طرائق تعليم اللغات الثانية

طرائق تعليم اللغات الثانية

إن الطرائق التي اتبعت في تعليم اللغات الثانية تتنوع بتنوع المدارس اللغوية، والنفسية والاجتماعية، التي تحدثت عن تعليم اللغات، وخاصة اللغات الثانية، ووضعت أسس لها، فالنظرية القديمة، التي تبنت فكرة القواعد اللغوية، وفرضها على اللغات الأخرى في تعليمها وتعلمها، قد أثمرت طريقة خاصة بها، تسمى بطريقة القواعد والترجمة.

وكذا بالنسبة للمدرسة التركيبية أو البينوية قد أثمرت أيضًا طريقة خاصة بها، والنظرة الاجتماعية التي دعى إليها الاجتماعيون واللغويون، وكثير من علماء النفس قد أثمرت أيضًا طريقة تعرف بالطريقة التواصلية، فهذه ثلاث طرائق رئيسة في تدريس أو تعليم اللغات الثانية.

وقبل الخوض في هذه الطرائق، وتفصيل القول فيها نود أن نذكر أمورًا مهمة، ينبغي أن نتعرف عليها، قبل أن نتعرف على طرائق التدريس، التي ذكرناها، وهي:

الأمر الاأول: ينبغي أن نعلم أن هناك فرقًا بين تعلم أو اكتساب اللغة من ناحية، ودراستها وتحليلها بوصف كونها علمًا من ناحية أخرى، فالخلط بين التعلم والدراسة يؤدي إلى إضاعة وقت الطالب، فالتعلم هو ممارسة، واستخدام، وتدرب، ومناقشة وسؤال وجواب، ونقل معلومات أو أخبار إلى غير ذلك.

أما الدراسة فشأنها شأن دراسة أي علم في الجامعات، فعلم اللغة كما هو معروف يشتمل على أشكال، ونظريات، وتطبيقات، والمتعلم ينبغي التعلم أكثر مما يبغي الدراسة.

الأمر الثاني: التمييز بين أساليب التدريس من جهة، وطرائقه من جهة أخرى، فالطريقة من الناحية النظرية تشمل توجهًا نفسيًّا والنظرة العامة، أما من الناحية العملية فتعني طرق اختيار المادة العلمية المراد تدريسها للطلبة الأجانب، كما تعني تدرج هذه المادة، أما الأسلوب فيشمل المساقات المستخدمة داخل الفصل الدراسي؛ لتدريس جزء من المادة اللغوية، فليس لكل طريقة أسلوب خاص بها، والذي يعتقد أن لكل طريقة أسلوبًا خاصًّا بها يكون اعتقاده خاطئًا.

الأمر الثالث: لكل طريقة من طرائق التدريس أسس لغوية، أو نفسية، أو اجتماعية مختلفة عن الأخرى، فالأسس اللغوية تتعلق بنظرية اللغة، التي قامت عليها، كالنظرية التقليدية، أو البنوية التركيبية، أو التحويلية التوليدية إلى غير ذلك، والأسس السيكولوجية تتعلق بنظرية التعلم التي بنيت عليها.

وقد علمت النظريات السلوكية بشقيها الارتباطي والوظيفي، كما علمت النظريات المعرفية.

والأسس الاجتماعية تتعلق بملكة التواصل من جهة، وأهداف تعليم اللغات الثانية من جهة أخرى.

الأمر الرابع: متصلًا بمهارات اللغة، تلك المهارات الأساسية التي ينبغي إتقانها في تعليم اللغات الثانية؛ بل الأم أيضًا، وهي الاستماع الاستماع والتحدث والكتابة والقراءة، فنجاح أية طريقة على قدرة أساليب هذه الطريقة، في تمكين الدارسين من المهارات الأربع، من حيث فهم ما يسمعونه أو يقرأونه، عندما يصل إليهم عن طريق مستخدمي اللغة الأخرى، وخصوصًا الناطقين الأصليين، ومن حيث استخدام اللغة، عندما يتطلب الموقف إيصال معنى أو رسالة إلى الآخرين في الإطار الاجتماعي، الذي تستخدم فيه هذه اللغة.

ونبدأ بالطريقة الأولى ألا وهي الطريقة التقليدية، أو ما يسمى بطريقة القواعد والترجمة، كما تسمى في الغرب هذه الطريقة القديمة طويلة من ناحية الزمن، ونشأت لارتباط تعليم اللغات الأجنبية بتعلم اللاتينية، أو اليونانية في الأساس، وقد انتشرت بسبب تعلم اللاتينية واليونانية في أوروبا، كما انتشرت أيضًا؛ لأنها تستخدم أساليب أقرب ما تكون إلى تدريس اللغة الأم، فهي تحلل القواعد، وتساعد على حفظ النصوص، ثم هي تستخدم اللغة القومية أداة مساعدة في تعلم الأزمنة، ومن هنا سميت باسم طريقة القواعد والترجمة.

فالطالب يتعلم اللغة الأجنبية عن طريق التعرف على القاعدة وحفظها، ثم تطبيقها بعد ذلك على استخدام اللغة، وخصوصًا في القراءة والكتابة، وكان أكثر التدريبات شيوعًا الترجمة من القومية إلى الأجنبية والعكس.

والتدريب يركز على الصيغ الصرفية والنحوية، وترتيب التمارين يعكس تقسيم الكلام إلى اسم، وفعل وحرف وصفة وظرف إلى غير ذلك.

والفائدة الكبرى المتوقعة من هذا التدريب، تكمن في تمكين الطلبة من قراءة اللغات الثانية، أما استخدامها شفويًّا في التحدث واتصاليًّا في المجتمع، فكان مهملًا بما في ذلك إهمال اللفظ الصحيح.

وعناصر الأداء اللغوي من نظم وتنغيم صحيحين، وليس لهذه الطريقة التقليدية أسس لغوية، أو اجتماعية، أو فسيولوجية واضحة تستند إليها.

وعلى الرغم مما ذكر من ميزات هذه الطريقة، وخصوصًا ما قيل: إنها تقدم الكتب الواصفة للغة بالطريقة التقليدية.

وخصوصًا أن الكتب الواصفة للغة بهذه الطريقة تقدم عددًا كبيرًا من المصطلحات والمفاهيم، التي تستخدمها في الحديث عن اللغة، ورأوا أن هذا مفيد للمتعلمين طوال حياتهم، على الرغم مما قيل عن مزايا هذه الطريقة، فإنها لم تسلم من النقد.

وأهم ما وجه إليها من نقود:

أولًا: أنها لا تركز على تدريس اللغة الأجنبية، على أساس أنها وسيلة للتواصل الداخلي للتواصل الواقعي في الحياة.

ثانيًا: تقتصر هذه الطريقة على لغة الكتب فقط، وهذا لا يتفق مع أهداف تعلم، وتعليم اللغات الأجنبية في شكلها الحديث، بعد ثورة المعلومات والاتصالات في العقود الأولى من القرن العشرين، فعند بداية هذا القرن بدأت تتعدد الطرائق التعليمية، وخصوصًا بعد تزايد تعلم اللغات الأجنبية، بغرض الاتصال بين الشعوب، وتعلم لغات أجنبية كانت مجهولة، وظهورعلمي النفس والاجتماع الحديث؛ حيث ربطا تعلم اللغات وتعليمها نفسيًّا واجتماعيًّا، بالإضافة إلى التقدم العلمي والتقني في التربية، وهو ما أدى إلى ظهور أنماط تعليمية مستحدثة.

والأهم من كل ذلك ازدياد الراغبين في تعلم اللغات الأجنبية، لتنوع أغراضهم وحاجاتهم إلى تعلم اللغات الأجنبية، سواء كانت الأغراض عامة كالسفر والسياحة والتجارة، وما إلى ذلك من صلب الاتصال المختلفة بين الشعوب، أو كانت خاصة كمتابعة التعليم العالي في العلوم والرياضيات والهندسة والطب، وكذا العلوم الإنسانية، وذلك بلغات غير الأم، أو غير لغة الأم، وخصوصًا اللغة الإنجليزية؛ لذلك ظهرت الطريقة الثانية المسماة بالطريقة التركيبية، أو البنوية.

والحقيقة أن هذه الطريقة تطلق على عدة طرق ظهرت في الثلاثينات، من القرن العشرين، واستمرت إلى نهاية السبعينيات، وظهرت هذه الطريقة، وما تفرع منها رد فعل تجاه الطريقة التقليدية، كما ظهرت بظهور علم اللغة الوصفي، الذي أرسى دعائمه في أوروبا دوسيسير؛ حيث ركز على الوصف وابتعد عن التاريخ والمقارنة.

كما شجع على ظهورها أيضًا ظهور علم النفس السلوكي، ونظريات التعلم، التي لا ترى فرقًا بين تعلم أي سلوك، وتعلم اللغة، وترى أيضًا أنه -أي: أن التعلم- خاضع لظروف التعلم، وأن جميع الأفراد يتعلمون كل شيء يقوموا على والاستجابة والتشجيع؛ ولذلك تطابق منهج عالم اللغة الوصفي، مع عالم النفس المهتم بالتعلم في الملاحظة والاستنتاج.

والعامل الرابع الذي أدى إلى ظهور هذه الطريقة بفروعها، تزايد الحاجة إلى تعلم اللغة الأجنبية، وخاصة اللغة الإنجليزية كما قلت، للتزايد في وسائل المواصلات وأنواعها، ومتابعة الطلاب لدراستهم إلى آخره.

ثم العامل الأخير وهو التطور العلمي والتكنولوجي، الذي سهل الاتصالات، وسهل استخدام أساليب التعلم، كظهور الطباعة الحديثة، والمسجلات، والإذاعة، والمختبر اللغوي والتلفاز والفيديو، كل هذه العوامل أثمرت هذه الطريقة.

وهذه الطريقة تفرعت إلى طريقة مباشرة، وأخرى إصلاحية، وثالثة تسمى بطريقة القراءة، ورابعه وهي الأكثر انتشارًا وهي المسماة بالطريقة السمعية الشفوية البصرية.

أما الطريقة المباشرة، فهي تتجه إلى تعليم اللغة الأجنبية مركزة على لغة الحديث الحية في المجتمع؛ حيث لم يعد التعليم مقصورًا على قراءة نصوص كبار الكتاب.

كما تركز الطريقة أيضًا على إتقان المهارات الشفوية، دون الاعتماد على اللغة الأم في الترجمة، فقد أبعد استخدام اللغة الأم، وأبعدت الترجمة إبعادًا شبه تام في داخل غرفة الدراسة، وأصبح تعلم الأشياء يتم بالربط بينها، وبين دلالاتها في اللغة الأجنبية، والاستماع يتم عن طريق الاستماع إلى اللغة، كما يتحدث بها أهلها الأصليون، ولم تعد دراسة القواعد تتم عن طريق التحليل المباشر؛ بل عن طريق اكتساب المعرفة بهذه القواعد، وتعلمها بطريقة استنتاجية، من خلال التدريب على الجمل والعبارات المفيدة، وقد سميت هذه الطريقة المباشرة بالطريقة الطبيعية؛ لاعتماد تدريسها على اللغة الشفوية، ابتعادًا عن اللغة الأم، واختيارًا للجمل والعبارات المفيدة، من بين تلك التي يستخدمها المتحدثون الأصليون بالأجنبية.

ولم يرق لبعض العلماء وصفها بالطريقة الطبيعية؛ لعدم ارتباط الجمل والعبارات بأي موقف اجتماعي حقيقي، وأيضًا لعدم تجنبها اللغة الأم بشكل كلي، كما أخذ عليها أن الجمل المقدمة، والعبارات ما هي إلا تمثيل للتراكيب الصرفية والنحوية، التي يراد تدريسها.

وأما الطريقة الثانية من طرائق هذه الطريقة التركيبية البنوية، فهي ما يسمى بالطريقة الإصلاحية، وهي ظهرت رد فعل للتقليدية، ورغبة في تعليم اللغة في التواصل، والمحادثة في مواقف الحياة مع الاهتمام بالكتاب، وأما الطريقة الفرعية الثالثة فهي المسماة بطريقة القراءة، وهي رد فعل أيضًا لغيرها؛ حيث ركزت على تعليم اللغة الحية في شقها الشفوي المنطوق، وفي مواقف مفيدة للمتعلمين، سواء أكان لأغراض عامة، كالاستمتاع بقراءة ما يكتب باللغة الاجنبية، أو كانت لأغراض خاصة كالاطلاع على المصادر الأجنبية، وخصوصًا المكتوبة.

وقد ظهرت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين المنصرم في أمريكا، ثم انتشرت في بلدان أخرى، ومن مزايا هذه الطريقة قصر الوقت، الذي يمكث فيه المتعلم؛ لتعلم اللغة الثانية، ومن مزاياها أيضًا أن الطالب يجد تشابهًا بينها، وبين طريقة تعليم اللغة الأم في المدرسة، فيطلب منه قراءة اللغة الأجنبية، ومحاولة فهمها دون الرجوع إلى الترجمة أو إلى اللغة الأم.

وهناك نوعان من القراءة: قراءة مركزة لموضوعات قصيرة بعدها أسئلة، وأخرى موسعة لقصص بلغة سهلة، وفي الحالتين تكون القراءة صامتة وبسرعة، تقترب من سرعة الناطقين الأصليين، وهذه الطريقة يصاحبها قوائم للكلمات الأكثر شيوعًا أو استخدامًا؛ حيث يطلع عليها المتعلم قبل البدء في عملية القراءة، أو في أثنائها، وتمكن الطلبة منها دليل على تمكنهم في اللغة الأجنبية، وهناك قراءة جهرية لموضوعات، وتعد هذه القراءة الجهرية إحدى الممارسات الرئيسة في التدريب على إتقان اللغة الأجنبية، والكتابة بها أيضًا.

أما الطريقة الأخيرة من طرائق هذه الطريقة التركيبية البنيوية، فهي ما يسمى بالطريقة السمعية الشفوية البصرية؛ حيث يجمع فيها بين الاستماع، ثم إعطاء الرد الشفوي، مع وجود عنصر مرئي في الغالب، كصورة أو رسمة لمساعدة المتعلم على معرفة معنى الصيغة المتعلَّمة؛ ولذلك جمعت بين السمع والبصر، والرد الشفوي أيضًا، وهذه الطريقة السمعية الشفوية البصرية، كانت نتيجة للطرائق الثلاث المتقدمة المباشرة الإصلاحية القراءة، وظهرت في الخمسينيات من هذا القرن بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث زادت الاتصالات، وزاد الاحتكاك.

وترجع أصولها إلى علماء اللغة البنيويين، وعلماء الإنسان، وعلماء النفس السلوكيين.

وأهم مبادئ هذه الطريقة السمعية الشفوية البصرية أن اللغة هي الكلام الحي المنطوق، فاللغة كلام منطوق قبل أن يكون مكتوبًا، وهذه الطريقة تتدرج في التعليم من السهل إلى الصعب؛ حيث تنتقل من لغة المجتمع من لغة الحياة إلى اللغة الرسمية، ومن مبادئها أيضًا أن اللغة -من وجهة نظر أصحاب هذه الطريقة- ما هي إلا مجموعة عادات، وتتمثل أساليب التدريس في المحاكاة، والاستظهار، والتدريب على الأنماط اللغوية.

ومن مبادئها أيضًا أنها تلزم المعلم على تعليم اللغة ذاتها، لا للمعلومات عنها، فالتدريب على استخدام الأنماط على شكل جمل مفيدة، وفي سياق اجتماعي حي هو الأمر المهم، بدلًا من تضييع الوقت في تقسيم الجملة مثلًا إلى مبتدأ وخبر، أو تقسيم الأفعال إلى كذا وكذا.

ومن أهم مبادئ هذه الطريقة أيضًا أن اللغة هي ما يستخدمها أصحابها، وليست تلك الأنماط اللغوية المعيارية، التي يفرضها عليهم آخرون، وهذا هو الفرق بين التقليد -أعني الطريقة التقليدية، التي كانت سائدة قبل القرن العشرين، وبين هذه الطريقة-، ومن أهم مبادئ هذه الطريقة أيضًا: أن اللغات تختلف فيما بينها؛ ولذلك رفضت ما يقال في الطريقة التقليدية: إن اللغات لا تختلف، وفيها صفات كلية مشتركة؛ لذلك ركزت هذه الطريقة على الفروق، وابتدعت عن الترجمة، إلا في بعض المفردات، وقد انتشرت هذه الطريقة انتشارًا واسعًا، وخاصة في الستينيات من هذا القرن، -أعني القرن العشرين- إلى أن ظهرت مدارس أخرى، كشفت قصورًا في هذه الطريقة.

ومن أهم ما وجه إليها من نقد الإفراط في التدريب الآلي، والابتعاد الكلي عن شرح القواعد، وعدم السماح بارتكاب الأخطاء، والاقتصار على تدريس أنماط الجمل للكلمات الجديدة؛ لذا ثار العلماء عليها، وطالبوا بالعودة إلى شرح القواعد قبل التدريب على الأنماط، أو القراءة، أو المحادثة أو الكتابة، كما طالبوا بتعلم اللغة، بناءً على المواقف والمحتوى، والاستعانة بالأشياء المحسوسة والصور؛ لذلك ظهرت طريقة تسمى بالطريقة الانتقائية؛ حيث تأخذ على عاتقها الجوانب الإيجابية في كل النظريات السلوكية، والتحويلية وغيرهما.

وأخذت على عاتقها تضمين هذه الجوانب الإيجابية في طرائق تدريس اللغة الأجنبية، التي تستخدم أساليب التدريس القائمة على الطريقة البنيوية، مع الاهتمام بالمعنى، وتشجيع المتعلمين على المشاركة الإيجابية في العملية عن طريق إلقاء الأسئلة، وتمثيل الأدوار المختلفة، مع الاهتمام بالقواعد اللغوية، وليس الاعتماد على الإجابة دون الاعتماد على الإجابة الآلية عن الأسئلة، التي يسألها المعلم، والتي تقوم على المثير والاستجابة.

كل هذه الطرائق الفرعية مهدت لظهور طريقة مهمة، ألا وهي الطريقة التواصلية، إن التواصل معناه: استخدام اللغة في مختلف الأغراض، وفي مختلف المواقف وهذا هو الهدف الأسمى من تعليم اللغة الأجنبية، وهدف كل النظريات والطرائق، من هنا حدثت تغير في النظرة إلى اللغة ذاتها، وطريقة وصفها، وأساليب تعلمها وتعليمها، والأسس التي تحكمها، ومحتوى التعلم والتعليم أيضًا.

كان سبب هذا التغير ظهور المدرسة التحويلية، ونظريات التعلم المعرفية، ونظريات علم اللغة الاجتماعي، التي تركز على القواعد والأساليب الاجتماعية، والوظائف اللغوية في سياقاتها، وزيادة الشعور بالحاجة إلى تعلم اللغات بعد ثورة الاتصالات، والمعلومات، وظهور التقنيات الحديثة وتداولها.

فالوصف عند “تشوميسكي”، قام على الأنماط اللغوية المحددة، التي يندرج تحتها جميع أنواع الجمل في اللغة، ثم وضع مجموعة من القواعد الأساسية، يقوم المتحدث بتوليد عدد لا يحصى من الجمل الجديدة الصحيحة، حتى يمكنه فهم جميع الجمل الأخرى، التي يسمعها أو يقرأها، ثم طور أنصار “تشوميسكي”،

هذه النظرة أيضًا حين أضافوا إليها الوظائف اللغوية الاجتماعية المختلفة، التي يعبر عنها بتراكيب لغوية مختلفة، فلابد أن يصاحب القواعد اللغوية قواعد اجتماعية، فكما أنتجت نظريات التعلم السلوكية طرائق التدريس السمعية الشفوية، والطرائق المشابهة لها، أنتجت النظريات المعرفية الطريقة الوظيفية أو التواصلية، وقد حدثتك عن نظرية “تشوميسكي”، وعن ما أسماه بالقدرة اللغوية، أو الملكة اللغوية أو المعرفة اللغوية الكامنة في عقل كل منها، كما حدثتك عن الأداء، أو الكلام الفعلي، أو القدرة على التعبير اللغوية.

من هنا قامت الطريقة التواصلية، أو الوظيفية في تعليم، وتعلم اللغة الأجنبية على التناغم بين النظريات اللغوية، والسيكولوجية، والاجتماعية، على النقيض تمامًا أن النظرية التقليدية، ومن الطريقة السمعية الشفوية، القائمة على فكر علماء اللغة الوصفيين.

ويمكن أن نلخص أوجه هذه الطريقة فيما يلي:

أولًا: نظرية التعلم التي تكمن وراء هذه الطريقة نظرية نفسية معرفية.

ثانيًا: ملكة التواصل باللغة الأجنبية هي ملكة لغوية اجتماعية، بخلاف الطرائق الأخرى، التي تقوم على عرض القواعد بدءًا بالأفعال والأسماء والجمل وأنواعها، أما الطريقة التواصلية هذه فتعرض المادة على أساس التدرج الوظيفي التواصلي، وليس على أساس التدرج اللغوي.

ومن مبادئ هذه المدرسة التواصلية أيضًا: أنها تختار المحتوى وتربطه بالتركيز على وظائف، ومواقف اجتماعية لا على قواعد لغوية؛ لذلك اهتمت بالمواقف اللغوية والتعليمية، والاجتماعية، التي ترغب المتعلم في استخدام اللغة الأجنبية ثقافيًّا ومعرفيًّا، كما تهتم بالنشاطات التي تخلق مواقف واقعية حقيقية لاستخدام اللغة، مثل توجيه الأسئلة، وتسجيل المعلومات واستعادتها، وتبادل المعلومات والأفكار، والذكريات، والتعبير عن المشاعر والمواقف بطريقة أو أخرى.

والمتعلم هنا يمارس دور المشارك، والمراقب، والملاحظ، والمستمع، والمساهم، وتستخدم المهارات من أجل فهم وتمثل بأداء المعلومات، والتجارب والأفكار والمشاعر، كما تستخدم المهارات أيضًا من أجل حل المشكلات والمناقشة والاستشارة، وإصدار التعليمات، والمشاركة والمجادلة والتنظيم إلى غير ذلك.

إن هذه النظرية تتمحور حول الطالب، وليس المعلم، وتعترف بالفروق الفردية، وتعطي لكل واحد فرصة.

أما الطرق السابقة فكانت تفترض طريقة واحدة للتعليم، المعلم لا يعدو دوره أن ينحصر في توجيه الأسئلة.

ويكون هو الملقن وهو صاحب زمام المبادرة، والمتعلم ما عليه إلا أن يكون مستقبلًا لهذه الأسئلة، ومجيبًا عنها ومستمعًا للشرح، إن هذه الطريقة -أعني الطريقة التواصلية- تستخدم مختلف الوسائل السمعية والبصرية، كاللوحات والصور والأشرطة المسجلة المسموعة والمرئية، وأصوات الناطقين بالأجنبية، كما تستخدم وسائل وأدوات حقيقية وبيئية داخل الفصل وخارجه.

وقد تعرضت هذه الطريقة التواصلية كغيرها للتعديل والتغيير، وقام على هامشها طرائق أخرى تهتم بالجانب الانفعالي من عملية التكلم، وهذا ما يسمى بعلم النفس الإنساني، الذي ينظر إلى الإنسان وإلى نموه جسديًّا وعقليًّا ومعرفيًّا وانفعاليًّا أيضًا، وهذه الطريقة لم تسلم من النقد أيضًا، ومن أهم ما وجه إليها من نقد:

الامر الاول:

أنه لا يمكن خلق بيئة حضارية أجنبية كاملة خارج أوطانها، فهل يعقل أن ننشئ بيئة إنجليزية في مصر مثلًا؛ كي نعلم العربي المصري اللغة الأجنبية.

الأمر الثاني:

 أن المتعلم ليس بحاجة إلى تعلم الوظائف الاجتماعية اللغوية؛ لأن هذه الوظائف ذات صبغة عالمية في الغالب وفي جميع اللغات.

الأمر الثالث:

إذا كان هدف هذه الطريقة تمكين الطالب لإتقان اللغة الأجنبية إتقانًا تامًّا، فهذا الهدف مستحيل تحقيقه؛ لأن المتعلم قد يكون تعلمه للغة الثانية وسيلة إلى غاية خاصة، لا يقصد منها محاولة الانتماء إلى حضارة اللغة الثانية.

الأمر الرابع:

 هذه الطريقة يلزمها مدرس كفء في اللغة الأجنبية، كما لو كان من أهلها الأصليين، وهذا أمر نادر الوجود، فالمدرس يحتاج إلى سنوات طويلة للإقامة في البلد المراد تعلم لغته، وهذا غير متاح، وأخيرًا الاختبارات التي تعكس ما يجري تعلمه، وتعليمه بهذه الطريقة غير متوافر، بخلاف امتحانات القواعد والمفردات والفهم والكتابة إلى غير ذلك، فليس من الصعب إعداده.

والأفضل الجمع بين كل هذه الطرائق، دون التعصب لطريقة معينة، وعلى المعلم أن يختار منها ما يراه مناسبًا للتعلم في قاعة الدرس، أو أن يبتكر طريقة أخرى.

error: النص محمي !!