طرق التخريج إجمالًا
الطريقة الأولى: تخريج الحديث عن طريقة معرفة الراوي الأعلى بشيء من التفصيل:
وطريقة التخريج عن طريق الراوي الأعلى هي فرع من الطريقة التي تُعرف بطريقة الأطراف؛ لأن طريقة الأطراف تتناول الطرف المراد به الراوي الأعلى للحديث، كما تتناول الكلمة الأولى وترتيبها المعجمي، فهي أول كلمة في الحديث.
وترتيب الأطراف بالنسبة للراوي الأعلى لها فرعان إما مسانيد وإما معاجم، وسنتحدث عن مميزات هذه الطريقة وعيوبها، ودراسة مفاتيح وكيفية الطريقة الأولى.
طرق التخريج المعتبرة عند علماء الحديث منها طريقة الترتيب الأبجدي لأول كلمة، حسب الحرف الأول والثاني والثالث لأول كلمة من متن الحديث، وهذه تعتبر فرعًا من فروع طريقة الأطراف.
مفاتيح هذه الطريقة كثيرة منها كتاب (الجامع الكبير) للسيوطي. وكتاب (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث) للإمام ابن الديْبَع الشيباني. وكتاب (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة) للسخاوي. وكتاب (كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما يدور من الحديث على ألسنة الناس).
و كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة) و(سلسلة الأحاديث الضعيفة) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وغير ذلك.
وطريقة الأطراف بالنسبة للراوي الأعلى للحديث -سواء كان صحابيًّا أو كان تابعيًّا إذا كان الحديث مرسلًا- مفاتيحها كثرة.
ومفاتيحها فرعان: المسانيد والمعاجم. المسانيد منها: (مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل)، و(مسند أبي يعلى)، وغير ذلك. والمعاجم منها (المعجم الكبير) للطبراني و(المعجم الصغير) و(المعجم الأوسط). والفرق بين المسانيد والمعاجم أن المسانيد رَتبت الصحابة أو الراوي الأعلى للحديث بحسب منزلته وأسبقيته في الإسلام. أما كتب المعاجم فرَتبت الراوي الأعلى للحديث بحسب الترتيب المعجمي، أي: بحسب حروف المعجم، من أجل ذلك سميت معاجم.
– وهناك طريقة التبويب الفقهي: بمعنى أن هناك مفاتيح رتبت ترتيبًا فقهيًّا، نعرف أين يوجد هذا الحديث في أي كتاب فقهي وفي أي باب فقهي، فنلجأ إلى هذه المفاتيح، فيدلنا المفتاح على الكتاب الذي به الحديث، من هذه الكتب ومن أشهرها كتاب (مفتاح كنوز السنة).
– وهناك طريقة أخرى للتخريج وهي طريقة الاستقراء والتصفح: وهي طريقة مهمة وتجعل الباحث يستفيد كثيرًا من الاطلاع على كتب السنة، وعلى كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى حديثه، ولكنها تحتاج إلى وقت كبير وفيها كثير، لا أقول ضياع الوقت ولكن فيها كثير من الوقت الذي لا يستطيعه كل باحث.
– وهناك طريقة تعتمد على الباحث نفسه: وهو أن يكون الباحث عنده حاسة حديثية، بمجرد أن ينظر في الحديث يعرف صفة لذلك الحديث، يعرف مثلًا أنه حديث مرسل، فيبحث في كتب المراسيل. يعرف مثلًا أن الحديث صحيح وفي أعلى درجات الصحة، فيبحث في الصحيحين وفي بقية الكتب الصحيحة. يعرف أن الحديث مسلسل، فيأتي إلى الكتب التي ألفت في المسلسلات. يعرف أن الحديث به ضعف، فيبحث في الكتب الضعيفة. يعرف أن الحديث موضوع، فيبحث في الكتب التي اهتمت بالتأليف في الأحاديث الموضوعة. مثل: (الموضوعات) لابن الجوزي. (اللآلئ المصنوعة) للسيوطي. (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة) لابن عراق الكتاني.
وهكذا يلاحظ الباحث وصفًا معينًا للحديث، ومن هذا المنطلق من ملاحظته يذهب إلى الكتاب الذي يغلب على ظنه أنه فيه ذلك الحديث.
وتحت عنوان طرق التخريج إجمالًا وترتيبًا حسب ظهورها يقول الشيخ عبد الموجود عبد اللطيف: “تتعدد طرق تخريج الحديث تبعًا لصفات تعود على الباحث، وصفات أخرى تعود على مناهج المُحَدِّثين في مراجعهم، ويمكن أن نجمل هذه الطرق في ستة، ونحن نبينها لك على الوجه التالي حسب ظهورها وأسبقيتها.
أولا: طريقة الاستقراء والتتبع.
ثانيًا: طريقة ترتيب الأحاديث على الكتب والأبواب الفقهية.
ثالثًا: طريقة ترتيب الأحاديث على الأطراف، أو طريقة ترتيب الأحاديث حسب الراوي الأعلى لها.
رابعًا: طريقة ترتيب الأحاديث على حروف المعجم.
خامسًا: طريقة ترتيب الأحاديث على الموضوعات المتعددة.
سادسًا: طريقة ترتيب الأحاديث على ألفاظ المعاجم، وهذه الطرق جميعًا يلزم معرفتها لكل باحث في السنة، ولا تغني واحدة منها عن الأخرى.
ثم يقول: إن هذه الأمور مهمة جدًّا حتى يعرف الباحث كيف يصل إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعضها عيوب، وفي بعضها مميزات، ولا تغني طريقة عن طريقة.
الطريقة الأولى: وهي طريقة الاستقراء والتتبع، هي عبارة عن التفتيش الدقيق عن الحديث النبوي، الذي يراد تخريجه وتتبعه في بطون المصادر الحديثية المعتبرة وما يلحقها، وهي أصل كل الطرق ولا يمكن الاستغناء عنها ألبتة، حتى مع استخدام طرق التخريج الأخرى، ولو كان ذلك في أبسط صورة.
أمور لا بد منها في الباحث الذي يستخدم هذه الطريقة:
تتطلب هذه الطريقة من الباحث أمورًا لا بد منها حتى يتهيأ لها، وهي على الوجه التالي:
هدوء الأعصاب، والتريث في البحث، والصبر الطويل على ما تحمله هذه الطريقة من مشقة بالغة، اليقظة والحذر الشديدان، والدقة التامة عند مراجعة النصوص في مصادرها، الوقوف عن البحث فورًا عند مجرد الشعور بالملل والسآمة؛ حتى لا يخطئ في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه الطريقة لها مميزات؛ من أهمها: هي أثبت طرق تخريج الحديث بإطلاق، وأقدرها في التعريف على مواضع الحديث في شتى المصادر المعتبرة، ما دام الباحث يقظًا، وهي تعطي الباحث فرصة كبيرة، قد لا تتوافر في غيرها من باقي الطرق للاطلاع على كل الأحاديث التي ينتفع بقراءتها، والواردة في المصدر الذي يُفتَّش فيه من غير حديثه الذي يريده، والأحاديث هي ذخيرة المحدِّث وعمدته عند السؤال أو الاستدلال.
وقد يحتفظ بها في ذاكرته فيعرف مواقعها عند الحاجة إليها مستقبلًا، وأنها تصلح في كل أنواع المصادر المعتبر في السنة، ولأنها تعتمد على الجهد الخالص للباحث بالتتبع الكامل للحديث في المصادر المعتبرة، فإنه يُستغنى بها عن مراجع كثيرة من مراجع التخريج.
وكل طريقة كما قلنا لها مميزات ولها عيوب، فهذه الطريقة من عيوبها: عسر الوصول إلى الحديث في المصدر، فقد لا يهتدي إليه إلا بعد مشقة كبيرة، وقد لا يقف على الحديث بعد البحث، فيعتبر هذا من عيوب هذه الطريقة.
لكننا لا ننسى أن الباحث سيحدث له وسيحصِّل كثيرًا من العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك طريقة مهمة لم أذكرها من طرق التخريج: وهي طريقة دوران الكلمة، أو طريقة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وهي أننا نختار كلمة يدور حولها معنى الحديث، كلمة مهمة في الحديث أو كلمة غريبة تحتاج إلى شرح من المعاجم.
ثم نأتي بمفتاح هذه الطريقة، وهو كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) ونبحث عن هذه الكلمة، فنصل إلى الحديث بعد أن نجرد الكلمة من الزيادات، ونعود بها إلى الفعل الثلاثي؛ لأن المعجم يضع هذه الكلمة تحت الفعل الثلاثي لهذه الكلمة، ويقول لنا المعجم هذا الحديث موجود في كتاب كذا، في كتاب كذا، ولا يذكر الحديث كاملًا كغيره من المفاتيح أو ككثير من المفاتيح، إنما يذكر جزئية فقط من الحديث فيها الكلمة التي يراد تخريج الحديث عن طريقها. هذا المعجم في ثمان مجلدات كبار، قام به لفيف من المستشرقين، وقام بالترجمة والإشراف فضيلة الأستاد محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله تعالى-.