Top
Image Alt

طرق تدريس الأدب والبلاغة

  /  طرق تدريس الأدب والبلاغة

طرق تدريس الأدب والبلاغة

للأدب معينان؛ المعنى العام ويراد به: الإنتاج الفكري العام، الذي تحدثه عقول أبناء أمة من الأمم في شتى ضروب العلم والمعرفة، سواء أكان ذلك في التربية، أو الاجتماع، أو الاقتصاد، أو السياسة، أو غير ذلك من مجالات المعرفة الإنسانية.

والمعنى الثاني للأدب: هو المعنى الخاص، ويراد به: التعبير عن تجربة شعورية في صورة موجبة، فالتجربة الشعورية هي العنصر الفاعل الذي يدفع إلى التعبير، لكنها بذاتها ليست هي العمل الأدبي؛ لأنها تكمن في نفس الأديب، ولم تخرج إلى حيز الوجود، فهي انفعال وإحساس. ويشترط في هذه التجربة: أن تكون واضحة لدى صاحبها، وأن يتعاون فكره وخياله في ترتيبها، وتحديدها تحديدًا تامًا. وعلى هذا، فمجرد وصف ظاهرة طبيعية، أو حقيقة عملية وصفًا علميًّا بحتًا ليس عملًا أدبيًّا لكنه يصبح كذلك إذا تناول تجربة شعورية معينة،

أهمية الأدب: حيث يعد الأدب العربي من أهم دعائم ومصادر النهضة والتطور للأمة العربية والإسلامية، والأدب له أثر كبير في تربية الشعوب وتكوين الأجيال، كما أنه يشارك في إحداث التغيرات والتطورات الاجتماعية، وربما لا تنهض دولة من الدول بما لديها من الثروات والقوى المادية بقدر ما تكون في المبادئ والقيم والسلوك؛ إذ تعد المبادئ والقيم والسلوك عاملًا أساسيًّا في رؤيتها ونهضتها. والأدب العربي هو الدليل على ذلك، والأدب يعد مرآة للحياة التي يولد فيها، ففي العصر الجاهلي كان الشعر سلاحًا من أقسى الأسلحة، وقد بلغ الشعراء من القدر والمهابة لدرجة أن النبي صلى الله عليه  وسلمقد وصف اثنان منهما وهما: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، بأنهما أشد على قريش من توجيه النبال والسهام، كما أن المجتمع العربي كان يضع الشاعر في مكانة سامية.

وفي عصرنا الحاضر، نجد أن الأدب تعبيرًا عن الحاجات الجديدة في المجتمع، وما به من أفكار وقضايا وعلوم. وللأدب دوره في المحافظة على القيم الأصيلة من ناحية، والإعداد للتعبير والترويح عن المجتمع من ناحية أخرى، والأدب أداة لتحقيق الوحدة العربية، وقد أبلى كتاب العرب بلاء حسنًا لتقوية وتدعيم عناصر الوحدة العربية في نفوس العرب، وتنبيه أذهانهم إلى ضرورة تحقيقها؛ ليصبح للعرب تاريخ أدبي عريق، إضافة إلى ما لي إضافة إلى ما ورثوه من تاريخ أدبي مضيء ومشرق وعريق.

مكونات الأدب والعوامل المؤثرة فيه: تعد العاطفة أو الوجدان عنصرًا أساسيًّا في تكوين الصورة الأدبية؛ فهي وسيلة الكاتب والشاعر في إظهار انفعالاته، والتعبير عنها بصدق. فالصدق الشعوري هو الأساس الوجداني الذي تقوم عليه الصورة الأدبية. كما يعد الخيال مكونًا هامًا من مكونات الأدب من خلاله يتم التعبير عن الأفكار والمعاني، وبه يؤلف الأدباء صورهم الشعرية، وإحساساتهم الأدبية، ومن هذه الأمثلة: الخيال البصري والسمعي. وتأتي الأفكار والمعاني ضمن مكونات الصورة الأدبية، وتحتل مركزًا هامًّا فيها، فالأفكار والمعاني ترتقي وترتفع في العمل، والأثر الأدبي، وتضمن له استمرارية الحياة والتدفق، فعنصر المعاني يضمن للصورة الأدبية الدقة، ويساعد على تنسيق الخواطر والصور، وإحكام الربط بين أجزائها في خلق معنى فني مكتمل وجميل.

 ويتفاوت الأدباء في معالجتهم للموضوع الواحد تبعًا لذاتهم، ومرجعيتهم الفكرية. فقد يتفوق أديب على آخر في قدرته على صياغة المعاني للنص، وإبرازه الأفكار في صورة منسقة حتى تظهر في ثوب جديد مبتكر، بينما نجد أديبا آخر ينقل إلينا أفكار ومعاني الموضوع، ولكن من صورة أخرى فريدة، ونموذج أدبي حديث.

 وهناك عدة عوامل تؤثر في الأدب، منها: البيئة؛ فالبيئة لها دور كبير في إنتاج الكاتب والأديب؛ فهي تساعده في تكوين الملكات، والأذواق، والطابع. فالعربي قديمًا كانت حياته تعتمد على الترحال والتنقل من مكان لمكان بحثًا عن العشب والكلأ ومواقع نزول المطر. ولذا؛ فإن صورة كثير من الأدباء كانت منتزعة من الصحراء، وكانت حياتهم تعتمد على البداوة؛ ولذلك، فليس من المستغرب أن نجد العربي يصف الخليفة: بالدلو، كناية عن كثيرة العطاء، وما طلب في الوفاء بالعهد.

من العوامل المؤثرة على الأدب: الدين: إن التصور الإسلامي والدين الإسلامي الشامل للوجود الذي يتعامل الإنسان المسلم على أساسه مع هذا الوجود، وهو يشمل على حقائق جوهرية وهي: حقيقة الألوهية، وحقيقة الكون، وحقيقة الإنسان، وحقيقة الحياة. ولا شك أن الدين قاوم الحياة النفسية لأمم والأفراد. ولذلك، فتأثيره واضح فيما أنتجته هذه الأمم من آثار مادية ومعنوية. فالشعر في الدول الإسلامية يتسم ويصاغ إلى حد كبير في صورة تعالم الإسلام وسماحته، وكذلك فإن هناك قصائد شعرية أعدت بغرض الحديث عن الإسلام، أو عن المناسبات الإسلامية، أو عن بعض الأشخاص ذوي المكانة في الإسلام، وغيرهم.

السياسة تعد عاملًا مؤثرًا، تؤثر الحياة السياسية في الأدب قوة وضعفًا، وقد يكون للنظم السياسية أثر كبير في خلق فنون جديدة لأدب، فنجد أن المديح يزداد عندما يتسم النظام السياسي بالقوة، ونجد أن هناك أثرا كبيرا للاحتلال والاستعمار في القصائد الشعرية التي يصدرها التي يصدرها بعض الشعراء في ظل الاستعمار، كما نرى من واقع حياتنا المعاصرة، فكم من قصائد أثيرت؟! وكم من قصائد ألفت عن وضع المستعمرين، والمحتلين كفلسطين على سبيل المثال؟

وكذلك فإن الاحتكاك والتقليد يعد من العوامل المؤثرة في الأدب، ويحدث ذلك عندما تتلاحم الثقافات، وتتصل الشعوب بعضها البعض، فقد تنشأ فنون جديدة لم تكن معروفة من قبل، وقد تتطور فنون أخرى. وللتقليد والمحاكاة أثر واضح في الشعر والنثر، ففي الحضارة الإسلامية نجد أن اختلاط دولة العباسيين في بغداد بدولة الأمويين في قرطبة، قد أثمر بين وفرة المعاني في شعر سبأ، وأبي نواس، وابن الرومي، وكذا الحال، مع ظهور الشعر التمثيلي في الشعر العربي الحديث، على يد شوقي، وغيره من الشعراء، إلى غير ذلك.

وبالنسبة للبلاغة: فإن لها مقدمة نستعرضها فيما يلي: فقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين على قوم هم أساطين البيان وملوك الكلام، فجاء يتحداهم في أخص شئونهم؛ لتكون الحجة ألزم والمعجزة به أتم، ومن هنا وجه العلماء عنايتهم إلى ما عرف باسم: علوم البلاغة؛ لدراسة أسلوب القرآن الكريم، ومعرفة وجوه إعجازه من جهة ما خصه الله به سبحانه وتعالى من حسن التأليف وبراعة التركيب، وما اشتمل عليه من عذوبة وجزالة وسهولة، وتذكر المصادر العربية: أن هناك عددا كبيرا ممن كتبوا في علم البلاغة، وألفوا له كتب عديدة. وقد بدأ مسائل هذا العلم في النمو والظهور مع كثرة ووفرة الجرعة الأدبية والثقافية في البيئة العربية. فقد ذكر أن أبا عبيدة معمر المثني البصري صاحب كتاب (مجاز القرآن)، كان من أوائل من ألف في علوم البلاغة؛ وسبب ذلك: أنه سئل في مجلس المأمون عن معنى قوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين} [الصافات: 65]، وكيف يشبه الطلع بالشياطين؟ وكيف يُشَبَّه به؟ وهي لم تعرف بعد، فأجاب أبو عبيدة: إنما كلمهم الله على قدر كلامهم، وهو على حد قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي

*ومسنونة زرق كأنياب أغوال

 والعرب لم تعرف الغول، فالغرض من التشبيه: عرض المشبه بصورة بشعة مخوفة، فينطبع في مخيلتهم بأقبح صورة وأبشعها، ثم يبين أن ذلك من قبل مجاز القرآن، ومن قبل جمال القرآن.

وقد كان في العصر العباسي بيئة خصبة، وكوكبة من العلماء من أشهرهم: أبو هلال العسكري، صاحب كتاب (الصناعتين)، وعبد القاهر الجرجاني صاحب كتاب (الإعجاز)، وكتاب (أسرار البلاغة)، والجاحظ صاحب كتاب (إعجاز القرآن)، وغيرهم من العلماء، وأبو يعقوب الساكسي صاحب كتاب (مفتاح العيون)، وغيرهم من العلماء.

وإذا كان بداية التأليف في البلاغة كان في بداية العصر العباسي الثاني، فإن قدماء العرب في العصر الجاهلي، صدرت منهم إشارات في تقويم شعرهم ونثرهم تدل على دراية بأهمية البلاغة وبقيمتها.

 وحين نتحدث عن تدريس الأدب، وتدريس البلاغة من وجهة نظر المناهج وطرق التدريس، فإن هناك أساليب متنوعة لتدريس الأدب، وتدريس البلاغة، فيما يلي:

أولًا: طرق تدريس الأدب:

وهذه الطرق تتنوع تنوعًا كبيرًا وشاملًا، لكننا يمكن أن نعد أفضل هذه الطرق وأكثرها من حيث الشيوع والانتشار والشهرة: وهي الطريقة التاريخية، أو طريقة العصور التاريخية، وهي أولى طرق التدريس في الأدب، فالمنهج التاريخي تجرى فيه دراسة الأدب على أساس العصور الأدبية المختلفة، بدءًا بالعصر الجاهلي، والانتقال منه إلى عصر صدر الإسلام، فالعصر الأموي، ثم العباسي، ثم المملوكي، وأخيرًا العصر الحديث. وهذا هو المنهج المتبع حاليًا في المدارس الثانوية في معظم أقطار العالم العربي.

كما يوجد رأي بأن يدرس الأدب بدءًا من العصر الحديث، والانتقال تدريجًا إلى العصور السابقة، ووصولًا إلى العصر الجاهلي. وهذا الاتجاه يرى أن الانتقال من المألوف إلى غير المألوف يمكن أن يذلل الصعاب ويسهل الطريق، ويساعد على تقريب المفردات من قاموس المتعلم، أو التلميذ اللغوي.

وطريقة العصور التاريخية: تعتمد على المنهج التاريخي من العصر الجاهلي والعصر الإسلامي، والعباسي والدول المتتابعة، وعصر النهضة، وفيها يتم تقديم الأدب من خلال العصور، وبما يتلاءم مع فكرة تطور الأدب.

الطريقة الثانية: طريقة الفنون الأدبية: ويتم فيها تدريس الأدب وفق المناسبات، والفنون الأدبية. وفي تلك الطريقة لا يكون الاهتمام في الدراسة على التسلسل التاريخي، وإنما يكون التركيز على الفنون الأدبية: كالشعر بألوانه المختلفة القديم والحديث، والشعر المسرحي، والنثر بألوانه المختلفة، والقصة والخطابة والمقالة، وقد يكون المنهج هنا مكونا من دراسة فن أو أكثر من هذه الفنون في كل العصور الأدبية من القديم إلى الحديث، وقد يقتصر على عصر واحد.

وفي هذه الطريقة أو يصنف الأدب إلى مدح، وفخر، وغزل، ورثاء، وغير ذلك. ويكون التركيز على النص الفني ذاته سواء كان شعر، أو نثر، أو قصة، أو رسالة، أو خطبة، ويتم التركيز هنا على الأساليب التعبيرية.

الطريقة الثالثة: وهي طريقة الموضوعات: وفي تلك الطريقة تحدد مجموعة قصائد شعرية، وقطع نثرية تتحدث عن موضوع واحد سواء كان إنسانيا أو أخلاقيا أو اجتماعيا، سواء كانت من عصر واحد أو من عصور متعددة، وبحيث يتناسب مع اتجاهات وميول التلاميذ، ويتم اختيار محتوى منهج الأدب من مجموعة من القطع النثرية، والقصائد الشعرية ذات المغزى الإنساني، والأخلاقي، والاجتماعي من عصور شتى.

وإذا نظرنا إلى هذه الطريقة، نجد أنها تهتم بالتلميذ إلى حد كبير، وباتجاهاته، وحجاته، وميوله، ولذا؛ فهي تختلف عن الطريقتين السابقتين.

الطرقة الرابعة: طريقة الأقاليم الأدبية: وتعتمد هذه الطريقة على أسلوب دراسة الأدب وفق المكان الذي نشأ فيه، وهنا، تتبع طريقة رأسية في دراسة الأدب بخلاف المنهج التاريخي. وإذا نظرنا إلى هذه الطريقة، فإننا نجد أنها تهتم بمكان وبيئة معينة، فيمكن أن تأخذ مثلًا شبه الجزيرة العربية، ويمكن أن تأخذ بلاد العراق، ويمكن أن تأخذ أرض مصر، ويمكن أن تأخذ بلاد الأندلس تاريخيًّا، وما كان في تلك الدول من شعراء وأدباء، ثم تأخذ ذلك بالنقد والتحليل والتتبع، تتبعًا وفق الإقليم، ووفق خصائص المجتمع، وتلك تعد طريقة من طرق تدريس الأدب.

ثانيًا: طرق تدريس البلاغة:

فإن البلاغة لها طرق متعددة لتدريسها، ومن أهم هذه الطرق: الطرق الثلاث التالية:

1. وهي الطريقة القياسية: وتلك هي أولى طرق تدريس البلاغة وفي هذه الطريقة يبدأ المعلم بكتابة اسم المصطلح البلاغي ومعناه على السبورة، ويعلمه للتلاميذ، ثم يأتي بعد ذلك بالنصوص والأمثلة الموجودة بالكتاب المقرر؛ لتوضيح معنى المصطلح، والتطبيق العملي فيه، الذي يعزز الفهم ويثبت المعلومات، وقد اتبعت تلك الطريقة نفس أسلوب تدريس النحو؛ وذلك من خلال عرض القاعدة، ثم تطبيق أمثلة عليها، وفي البلاغة يتم عرض الأسلوب البلاغي، ثم عرض أمثلة عليه للشرح والتوضيح.

وقد انتقض البعض هذا الأسلوب في التدريس؛ على ولا يسلك مسلكًا وطريقًا طبيعيًّا لكسب المعلومات، وذلك خلافًا لطريق العقل في الوصول إلى إدراك الأمور الكلية، بعد مشاهدة جزئياتها، وكما أن هذا الأسلوب قد يجعل التلاميذ يحفظون معنى المصطلح البلاغي دون أن يفهموه، أو يستخدموه.

2. الطريقة الاستقرائية: وهي عكس الطريقة السابقة، حيث يتم عرض الأمثلة، ثم استنباط القاعدة من تلك الأمثلة. ففي هذه الطريقة يبدأ المعلم بكتابة مجموعة من الأمثلة أولًا، ثم يلفت نظر تلاميذه إلى أجزاء معينة من هذه الأمثلة؛ ليلاحظوها، ثم تجمع هذه الملاحظات حول معنى مصطلح بلاغي واحد يكتب على السبورة، ويطبق على أمثلة جديدة.

وقد يرى البعض أن هذه الطريقة قد تكون خير سبيل لمساعدة التلاميذ على التفكير المنظم، وتمكنهم من الاستنتاج والربط والتطبيق، وتأخذ بيد التلاميذ تدرجيًّا لفهم معنى المصطلح البلاغي، وذلك يجعل معناه واضحًا، فيصير التطبيق عليه سهلًا.

3. تدريس البلاغة من خلال النص الأدبي: وقد لجأت تلك الطريقة إلى الربط بين الفنون الثلاثة، وهي: النصوص، والأدب، والبلاغة، لما بينهم من تكامل وترابط، فكل منها له قيمة، وكل منها يبرز ويبين بوضوح قيمة الآخر، وفي تلك الطريقة يتم التركيز على الصورة الأدبية، والجملة، والفكرة، والخيال، والألفاظ، كما يقل التركيز على القواعد، والمصطلحات، والتعاريف، ويصبح التدريس بتلك الطريقة سهلًا، ويتبع الأسلوب العلمي.

4. أسلوب العصف الذهني: حيث يقوم أسلوب العصف الذهني على إنتاجية أكبر عدد ممكن من الأفكار المتنوعة والمختلفة، وهذا يتناسب مع طبيعة علم البيان، الذي هو إيراد المعنى الواحد بطرق وأساليب متنوعة، ومختلفة.

وهناك طرقة أخرى -خلاف ما ذكرنا- كالطريقة القائمة على نشاط التلاميذ، والقراءات الخارجية للتلاميذ، والألعاب اللغوية، وغيرها من الطرق العديدة لتدريس البلاغة.

error: النص محمي !!