Top
Image Alt

عرض القصيدة، وبيان معانيها

  /  عرض القصيدة، وبيان معانيها

عرض القصيدة، وبيان معانيها

يبدأ زهير قصيدته على النحو الذي كان سائدًا في الشعر الجاهلي؛ يبدأ بالوقوف على الأطلال، وتحية الديار، ديار المحبوبة التي رحلت، ويصف ما حلَّ بهذه الديار من تغير بعدما رحل عنها أهلها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى وصف رحلة القوم الذين ارتحلوا عن هذه الديار، وينتقل بعد ذلك إلى الغرض الرئيس من القصيدة، أو في القصيدة يقول زهير في المقدمة:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ

*بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ


وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها

*مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ

بِها العَينُ وَالآرامُ يَمشينَ خِلفَةً

*وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِم

وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً

*فَلَأيًا عَرَفتُ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

أَثافِيَّ سُفعًا في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
|
*وَنُؤيًا كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ

فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها

*أَلا عِم صَباحًا أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ

و”أم أوفى” كنية امرأة، يقال: إنها كانت زوجة زهير ثم طلقها، والدمنة: المكان الذي تغير أو الأثر الباقي من الديار البالية الخربة، والجمع دمن. و”لم تكلم”: أي: لم يكلم أهلها، أو لم تتكلم الديار لم ترد على من جاء يسائلها ويحييها، و”الحومانة” ما غلظ من الأرض، والقادة. أي: أمكن التغلب عليه. و”الدراج والمتثلم” اسمان لموضعين، و”الرقمتان” كذلك اسمان لموضعين ودار لها بالرقمتين قوله:

…. …. …. …. كأَنَّها

*مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ


“مراجيع الوشم”: المراجيع جمع مرجوع، وهو المعاد المكرر. والوشم: نقش الإبرة يحشى بالكحل، وكان نساء الجاهلية يتزين به، ونساء العصر الحديث كذلك يتزين به الوشم، وسبقت الإشارة إليه في معلقة طرفة بن العبد. و”النواشر” عصب الذراع ومراجيع الوشم هو الوشم المجدد؛ لأنه معاد مكرر قوله:

بِها العَينُ وَالآرامُ يَمشينَ خِلفَةً

*وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِم


“العين”: البقر الوحشي، والمفرد عيناء وسميت البقرة الوحشية عيناء لسعة عينيها، والآرام الظباء الخالصة البياض، ومفردها رئم، وتخفف فيقال: ريم وخلفة: أي: إذا ذهب منها فوج خلفه آخر، أطلاؤها جمع طلى، وهو ولد الظبية والبقرة. والميثم: محل الجسوم والقعود.

وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً

*فَلَأيًا عَرَفتُ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ


الحجة: السنة، و”اللأي” الجهد والمشقة. قوله:

أَثافِيَّ سُفعًا في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ

*وَنُؤيًا كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ


“الآثافي”: جمع أُثفية، والآثافي هي الحجارة التي كانوا ينصبونها، ويوقدون بينها النار، ويضعون فوقها القِدر. وسفع معناها سود، والحجارة التي يوقدون بينها النار تسود بفعل هذه النار، والسواد هنا هو السواد المشوب بحمرة، “معرس مرجل”: المرجل هو القدر، والتعريس: نزول القوم ليستريحوا آخر الليل، والمراد المكان الذي يوضع فيه القدر، أو يوضع وينصب عليه القدر، والنؤى حاجز يرفع أو يصنع حول الخيمة ليمنع عنها دخول الماء، وجزم الحوض الحزم الأصل، والحوض هو المكان المستدير يجتمع فيه الماء، ولم يتثلم أي: لم يتكسر، والربع: المنزل، في قوله:

فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها

*أَلا انعِم صَباحًا أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ


و”انعم صباحًا”: تحية أهل الجاهلية.

هذه الأبيات إذًا تكفلت بالمقدمة، ذكر فيها زهير وقوفه على بقايا ديار أم أوفى، وأنه عرفها أو تعرف عليها بعد لأي وتعب؛ لأنه ذهب إليها بعد عشرين سنة مضت من رحيل قومها عنها، وذكر أنها تغيرت، وأن البقر الوحشي والظباء والغزلان اتخذت من مكان هذه الديار مسكنًا لها تذهب وتجيء فيه، وتنام وترقد وتستريح، ووصف الآثافي، وغيرها من بقايا وآثار هذه الديار.

انتقل زهير بعد ذلك إلى وصف رحلة القوم الذين تحملوا عن هذه الديار وذهبوا فقال:

 تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ

*تَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ


جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُ

*وَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ

عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ

*وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ

ووركن في الثوبات يعلون متنه

*عليهن دل الناعم المتنعم

بَكَرنَ بُكورًا وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ

*فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ

وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ

*أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ

تبصر: أي انظر والخليل هو الصاحب، والظعائن جمع ظعينة، وهي المرأة التي في هودجها، و”القنان” اسم جب، و”الحزن” ما غلظ من الأرض، والمحل المراد به هنا الذي لا عهد له، ولا ذمة، ولا جوار، والمحرم الذي له عهد وذمة ولا تجوز الإغارة عليه لأنه في حرمة تمنعه وقوله:

عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ

*وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ


علون: أي: ارتفعن، والأنماط جمع نمط، وهو ما يفرش أو يبسط من الثياب العتاق: الجياد والكلة: الستر وجمعها كلل، وكلمة وراد: جمع ورد. وهو الأحمر: وحواشيها: أطرافها مشاكهة الدم: أي مشابهة للدم. وهو هنا يصف الفرش المفروشة على الإبل التي سافرت وحملت النساء، وفيهن محبوبته قوله:

ووركن في الثوبات يعلون متنه

*…. …. …. ….

وصف للطريق الذي سلكته القافلة. و”الثوبان”: الأرض المرتفعة، والمتن: الظهر، والدل والدلال: النعمة وطيب العيش، والمتنعم: وصف مؤكد للنعمة، قوله:

بَكَرنَ بُكورًا وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ

*فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ


“بكرن”: أي: سرن في البكور، وقت الفجر. و”استحرن بسحرة”: أي سرنا وقت السحر، ووادي الرث: مكان وهو هنا يصف بعض أوقات الرحلة، وبعض الأماكن التي مرت بها القافلة.  وقوله:

وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ

*أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ


 “الملهى”: بمعنى اللهو وهو ما يتلهى به. و”اللطيف” المتألق حسن المنظر، والمراد هنا الذواقة. و”الأنيق”: المعجب. و”المتوسم”: المتأمل. يقول: إن منظر هذه القافلة فيه ألوان من الجمال تجذب نظر المتأمل الذي يريد أن يتذوق بعض الجمال في الطبيعة، ومن هذا الجمال في الطبيعة تلك القوافل المرتحلة تحمل النساء، وعلى ظهور الإبل الفرش الملونة. بعد ذلك ينتقل زهير إلى الغرض الرئيس في القصيدة، وهو مدح الحارث بن عوف، وهرم بن سنان يقول:

سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما

*تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ


فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ

*رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ

يَمينًا لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما

*عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ

تَدارَكتُما عَبسًا وَذُبيانَ بَعدَما

*تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ

وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا

*ِبمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ

فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ

*بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ

عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وجدتما

*وَمَن يَستَبِح كَنزًا مِنَ المَجدِ يَعظُمِ

 سعى ساعيًا: سعى قام بعمل حسن. وساعيا غيظ بن مرة يريد بهما الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، وهما من حي غيظ بن مرة من غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان؛ فساعيًا مضاف، وغيض مضاف إليه، فأضاف كلمة ساعيًا للقبيلة أو البطن أو الحي الذي منه هذان الرجلان:

سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما

*تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ


 “تبذل”: معناها تشقق، أي: تشقق الصلح الذي كان بين القبيلتين المتحاربتين بسبب الدم الذي وقع بينهم، والمراد به مقتل الرجل العبسي، وهو الحادثة التي كادت أن تفسد الصلح وتبعث الحرب من جديد.

فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ

*رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ


 يُقسم زهير بالبيت الحرام “الكعبة المشرفة”. والرجال الذين بنوه من قريش وجرهم. وقريش هي القبيلة المعروفة وجرهم كذلك قبيلة من قبائل العرب.

يَمينًا لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما



*عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ


قال: أقسمت يمينًا، وهو يقسم على أن هذين الرجلين سيدان خيران. السحيل: الخيط المفرد الذي لم يضم إلى غيره. والمبرم: الذي فتل خيطاه فصار خيطًا واحدًا. واستعار في التعبير السحيل للضعيف، والمبرم للقوي. يريد أن يقول: إن هذين الرجلين رجلان كريمان عظيمان على أي حال ودائمًا.

تَدارَكتُما عَبسًا وَذُبيانَ بَعدَما

*تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ


“التدارك”: التلافي، أدركتما هاتين القبيلتين بعدما حدثت بينهما مقتلة عظيمة، “تفانوا” كاد يفني بعضهم بعضًا. ودقوا بينهم عطر منشم. يقال: إن منشم امرأة عطارة من خزامة كانت تبيع العطر. فإذا حاربوا اشتروا منها كافورًا لموتاهم، يحنطون الموتى أو يعطرونهم بهذا الكافور، فتشاءموا بها. ويقال: إن قومًا تحالفوا على عدوهم، وجعلوا علامة هذا التحالف أنهم غمسوا أيديهم مجتمعين في عطر هذه المرأة، ثم مضوا إلى الحرب؛ فقتلوا عن آخرهم فتشاءم العرب في عطر هذه المرأة، وضرب به المثل.

ويقال: إن “منشم”: اسم وضع للحرب لشدتها وليست اسم امرأة، ويقال: إن “منشم” نوع من العطور كانوا يتشاءمون به. على أي حال، يقول زهير مخاطبًا الرجلين الكريمين الحارث بن عوف وهرم بن سنان: إنكما أيها العظيمان تداركتما قبيلة عبس وقبيلة ذبيان، بعدما تقاتلوا قتالًا عظيمًا، وبعدما أن كاد يفني بعضهم بعضًا، فقمتما أنتم بهذا العمل العظيم، وهو الإصلاح بين المتحاربين.

وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا

*ِبمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ


 والسلم: هو السلام والصلح، وواسعًا: أي مكينًا ومتمكنًا بمال ومعروف نبذلهما؛ لأن الرجلين الكريمين تحملا ديات القتلى من الطرفين، ونسلم: نسلم من اللوم ونسلم وننجو من الذنب.

فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ

*بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ


أصبحتما في خير منزلة، وفي خير موطن، بعيدين عن العقوق، وعن قطيعة الرحم، وبعيدين عن أي مأثم.

عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها

*وَمَن يَستَبِح كَنزًا مِنَ المَجدِ يَعظُمِ


 العُليا: تأنيث الأعلى. وعُليا معد. يعني: الأشراف والرءوس منها. وهديتما: دعاء لهما بالتوفيق أن يهديا بالتوفيق دائمًا، وقوله:

…. …. …. ….

*وَمَن يَستَبِح كَنزًا مِنَ المَجدِ يَعظُمِ


يقول: إنكما ملَكتُما كنزًا من المجد بفعلكما هذا، وبذلك تستحقان التعظيم والتمجيد. يقول زهير:

ألا أبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةً

*وَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ

فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم لِيَخفى

*وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ

يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر

*لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ

 الأحلاف: جمع حليف، والمراد بالأحلاف القبائل التي كانت متحالفة في الحرب مع عبس، وهي أسد، وغطفان، وطيئ، وذبيان، القبيلة التي كانت في الطرف الآخر في المعركة، وقوله:

…. …. …. ….

*… هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ


تذكير لهم بالصلح الذي دخلوا فيه.

فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم

*لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ


أو يُعلم. يقول لهم: لا تكتموا شيئًا في أنفسكم ولا تبيتوا الغدر ولا تعزموا على نقد الصلح؛ لأنكم لو أخفيتم ذلك فإن الله يعلمه، وإن الله سيحاسبكم عليه يوم الحساب، أو يعجل الانتقام منكم في الدنيا.

ثم يقول زهير: يحذر قومه من الحرب، ويذكرهم ويبصرهم بعواقبها الوخيمة ونتائجها السيئة، فيقول:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ

*وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً

*وَتَضرَى إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ

فَتَعرُككمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها

*وَتَلقَح كِشافًا ثُمَّ تَنتج فَتُتئِمِ

فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم

*كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ

فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها

*قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ

error: النص محمي !!