Top
Image Alt

عرض المعلّقة، وبيان معانيها

  /  عرض المعلّقة، وبيان معانيها

عرض المعلّقة، وبيان معانيها

ومطلع القصيدة يقول:

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا

*وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا


مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها

*إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ

* إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا

تَرى اللَحزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت

*عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا

وفي هذه الأبيات يطلب عمرو بن كلثوم -الشاعر- من الساقية أن تسقيه الخمر، ثم يصف هذه الخمر بأنها خمر جيدة، البخيل يجود بماله من أجلها، ويمدحها بأنها تميل صاحب الحاجة عن حاجته، وتُنسيه مشاغله إذا ذاقها؛ فالصعب يلين إذا شُربت هذه الخمر، وأول ما ينبغي أن نلاحظه هنا، هو أن هذه المقدمة تختلف عن مقدمة طرفة، وعن مقدمة عنترة، وعن مقدمة زهير، هناك كانت المقدمات مقدمات طللية يقف الشاعر بديار المحبوبة التي رحلت، ويحيي هذه الديار، كما قال طرفة:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

*تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ


وكما قال عنترة:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

*أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ


يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي

*وَعَمي صَباحًا دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

 وكما قال زهير:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ

*ِبحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ


لكن عمرو بن كلثوم يُخالف هذا النهج ويفتتح معلقته بمقدمة خمرية، يتحدث فيها عن الخمر ويصفها ويمدحها، ويطلب من ساقيته أن تسقيه، ويمكن أن يكون هناك تعليل مقبول لمخالفة هذا الشاعر للنسق المعروف في مفتتح القصائد؛ لأن المناسبة هنا مناسبة افتخارٍ بحادثة كبيرة، فالشاعر قتل أحد الملوك ثأرًا لكرامته وكرامة قومه كما يقول، والمناسبة تستحق الاحتفال؛ فهو يحتفل بشرب الخمر، ويطلب من ساقيته أن تهُب لتسقيه، ويصف هذه الخمر بالجودة، وبعد أن طلب من ساقيته أن تهب لتسقيه، وبعد أن وصف الخمر بالجودة ذكر أنه كثيرًا ما شرب الخمر، وكثيرًا ما ذهب إلى مدن وبلاد شرب فيها الخمر:

وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ

*وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا


ولكن العجيب أن عمرو بن كلثوم يذكر المنايا بعد هذه الأبيات مباشرة، فيقول:

وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا

*مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا


ولست أدري ما الذي جعله يتذكر المنايا في فرط احتفاله، وفي زحمة نشوته، وحديثه عن الخمر، قد يكون ذكره للموت هنا محاولة لتبرير هذا المسلك الذي يسلكه في شرب الخمر والتمتع بها؛ لأن الموت سيدركه، وأن المنايا مقدرة على النهج الذي رأيناه في معلقة طرفة، قد يكون ذلك وقد تكون حادثة القتل، إذ قتل الملك عمرو بن هند، ذكرته بأن المنايا مقدرة، وأن الناس مقدرون لها.

انتقل عمرو بن كلثوم بعد ذلك من الحديث عن الخمر إلى شيء آخر، فقال:

قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا

*نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا


 والظعينة: هي المرأة المسافرة؛ فخّمها بحذف تاء التأنيث، وطلب منها أن تقف ولتخبره باليقين. فبماذا أراد أن يخبرها يقول:

بِيَومِ كَريهَةٍ ضَربًا وَطَعنًا

*أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا


وَإنَّ غَدًا وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ

*وَبَعدَ غَدٍ بِما لا تَعلَمينا

ثم تغزّل في المرأة، ووصف جمالها، ووصف ذراعيها وصدرها وساقيها في غزلٍ يمكن أن نسميه غزلًا جريئًّا، ثم قال بعد هذا الغزل في المرأة:

فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ

*أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا


وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاها

*لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

 وفي هذين البيتين يصف حزنه على فراق محبوبته، ويقول: إن حزنه على فراق المحبوبة أشد من حزن الناقة، التي فقدت ولدها. فما وجدت: أي فما حزنت. كوجدي: أي مثل حزني، أم سقب: فاعل وجدت، بمعنى حزنت، والسقب هو ولد الناقة، أضلته: أي فقدته، فرجعت الحنينا: فذهبت تطلبه، وهي تصدر أصواتًا، وترجع هذه الأصوات حنينًا وحزنًا على ولدها.

وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاها

*لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

ولا شمطاء: الشمطاء المرأة العجوز، وهي معطوفة على أم سقب على الناقة التي فقدت ولدها. يقول: إن حزنه على فراق المحبوبة أشدّ من حزن هذه الناقة التي فقدت ولدها، وأشد من حزن هذه العجوز التي لم يترك لها حظها التعس، وقدرها المؤلم، لم يترك لها من أبنائها التسعة أحدًا؛ فلم يغادر الموت من أبنائها أحدًا إلا دفينًا؛ فكلمة “جنين” معناها “دفين”.

وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاها

*لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

يريد أن حزن هذه العجوز التي فقدت تسعة بنين لا يصل إلى حزنه، عند فراقه عشيقته.  وبعد ذلك يبدأ عمرو بن كلثوم في الغرض الرئيس في المعلقة، وهو الفخر، فيقول:

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

*وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضًا

*وَنُصدِرُهُنَّ حُمرًا قَد رَوينا

وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ

*عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ

*بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ

*مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

“أبا هند” يعني: يا أبا هند، يخاطبه، “فلا تعجل علينا وأنظرنا”: أمهلنا، حتى نخبّرك اليقين.

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضًا

*وَنُصدِرُهُنَّ حُمرًا قَد رَوينا

الراية: العلم والجمع الرايات، يقول: أمهلنا نخبرك باليقين من أمرنا بأنا نورد أعلامنا الحروب بيضاء، ونرجع بها حمرًا قد رويت وصبغت من دم الأبطال، “وأيام لنا” أي: ورب أيام لنا؛ أيام كثيرة حاربنا فيها وانتصرنا وعصينا الملوك ولم نخضع لهم.

… …. … … … …

*عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

أي: أن نخضع.

“وَسَيِّدِ مَعشَرٍ” أي: ورب سيد معشر، “قَد تَوَّجوهُ ” أي: جعلوه ملكًا.

…. …. …. ….

*بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

أي: يحمي الملجئين إليه.

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ

*مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

العكوف: الإقامة الفعل عكف يعكف، والصفون: جمع صافن، يقال: صفن الفرس إذا قام على ثلاثة قوائم وثنى الرابعة.

يقول: تركنا هذا الملك المتوج صريعًا بعد أن قتلناه، ووقفنا فوق جثته بخيلنا.

error: النص محمي !!