Top
Image Alt

عرض لبعض نظريات المنهج

  /  عرض لبعض نظريات المنهج

عرض لبعض نظريات المنهج

عرض لبعض نظريات المنهج: وذلك وفق تصنيف نظريات المنهج، وفق الفلسفة التي تقوم عليها، وفيما يلي عرض لأربعة من النظريات الخاصة بنظريات بناء المنهج.

النظرية الأولى: النظرية الموسوعية أو دوائر المعارف الشاملة: وترجع جذور هذه النظرية إلى مَقولات الحكمة، أو بما يُسمى بالمعرفة الشاملة، التي نادى بها “كومنيوس” عام ألف وستمائة واثنين وخمسون ميلادية، وتطورت بفضل مقترحات رواد دوائر المعرفة الفرنسيين؛ وقد نادى أصحاب هذه النظرية بأن الإنسان يجب أن يتعلم ليتم تشكيله، ليس فقط في مجال معين بل في كل المجالات التي تساهم في تحقيق كمال الطبيعة الإنسانية.

وهذه النظرية تُعدّ جزء من الحركة الفكرية التي سادت في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، والتي تعرف بعصر العقل أو التنوير، خاصة في القرن الثامن عشر، ذلك القرن الذي سادت فيه فلسفة عقلية تجريبية مادية، اهتمت تلك الفلسفة بعلم الرياضيات، وعلم الفلك والطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعي، وكذلك علم الطّب والجغرافيا، وهي فلسفة تنادي بالتغيير، وتَسعى إلى التجديد في كل شيء.

وقد اعتقد أصحاب هذه النظرية بشدة في إمكانية تقدم البشرية نحو عالم أفضل، وأنّ الإنسان قادر على الرقي بحياته، من خلال الاستخدام السليم لعقله، وهم يرون أهمية أن يتعلم الناس كل شيء بشتى الطرق؛ ليكونوا جميعًا حكماء، حتى يمتلئ العالم بالنظام والنور والسلام.

ويُعَدّ “كوندرسيه” من أبرز الرواد الذين شاركوا في صياغة هذه النظرية، وهو عالمٌ رياضيات، وفيلسوف، وسياسي فرنسي شهير في عصر التنوير، فقد رأى أن التربية ضرورية للمجتمع، ولا يُمكن بأي مجتمع ما أن يستغني عن التربية، أو يُقلل من دورها، أو يتجاهلها أو يحبط همة التربويين، وإلا باء هذا المجتمع بأسره بالفشل؛ لأن الجهل يعرض الحياة إلى كل سوء وإلى كل خطأ، كما أنّه يضر بالحرية، ويضر بالعلم والتقدم، ويؤدي ذلك إلى الاستبداد.

من أجل هذا فإن التعليم كما يرى يجب أن يكون عالميًّا، ويَجِبُ أن يكون حقًّا للجميع، كما أن المعرفة ينبغي أن تكون عالمية أيضًا.

والخلاصة: أنّ هذه النظرية تذهب إلى أن كل معارف العالم الحقيقي مفيدة، ينبغي أن يتضمنها المنهج، ونبرر لهذا كونه أنه لو ترك الأمر للعقل وحده؛ لزَادَ الرُّقي والتقدم، من أجل هذا كان لا بُدّ من تحول التربية إلى نشاط ذهني، من جانب كل من المُعلم والتلميذ؛ فالمُعلم يقوم بنشاط ذهني، يتمثل في استخدام الأساليب والطرق والوسائل، وتحديد وعرض المحتوى بطريقة مثمرة ومُفيدة ومشوقة للطلاب.

وكذلك الطالب يبذل أقصى جهده من قدرات عقلية، من تفكير وتأمل، وإبداع وتحصيل من أجل أن يتعلم ما يقوم المعلم بعرضه له في الدرس، من أجل هذا كان لا بد من تحول التربية لنشاط ذهني متبادل وفعال، لكل من عنصري عملية التعلم “المعلم والطالب أو التلميذ” وذلك لأن المعرفة هي الخيار الأسمى.

من أجل هذا أيضًا كان من الضروري تدريب المُعلمين على الطرق التي يملئون بها عقول الطلاب بالمعارف والمعلومات، ويزودونهم ويمدونهم بالخبرات الضرورية والأساسية، التي تساعدهم على الانخراط في المجتمع، وعلى أن يكونوا مواطنين صالحين وفاعلين في المجتمع.

وكما رأينا فقد تحيزت هذه النظرية إلى العقل؛ على كافة الجوانب الأخرى، ونادَت بالنظرة الكُلّية الشاملة للمَعرفة عن طريق تضمين المنهج لكل المعارف، وكل الخبرات، وكل العلوم، التي من شأنها أن تعلي من قدر العقل، وأن ترفع مكانة صاحبها إلى أعلى درجة في المعارف والخبرات.

النظرية الثانية: وهي النظرية الجوهرية:

أو ما تسمى بنظرية أساسيات المعرفة لقد ساهم “وليام باجلي” في تحديد هذه النظرية بوضوح، وتدعو هذه النظرية إلى أن هناك عناصر أو أشياء جوهرية أو أساسية معينة، يجب الإبقاء عليها، ويجب أن يعرفها كل الناس من المتعلمين، وهذه العناصر أو المعارف الجوهرية يجب انتقاؤها من المعرفة التاريخية المعاصرة، وتضمينها في المنهج.

ويعد هذا أمرًا واقعيًّا فنحن عندما نقوم بإعداد منهج ما، ننتقي العناصر والموضوعات ومكونات المنهج، التي ترتبط بالضرورة بحياة الناس أو بحياة الدارسين، وتُفيدهم كل إفادَة، وتُساعدهم على أن يكونوا مواطنين صالحين؛ قادرين على أداء مهام وأعباء، قد يكلفهم أو يلقيها على أعناقهم المجتمع.

وبذلك؛ فإن المنهج لو خلا من هذه العناصر التي ينبغي أن يتعلمها أولئك المتعلمون؛ فإنّهم سوفَ يتخرجوا وهم غير قادرين على أداء المهام الموكلة إليهم، من قبل مؤسسات المجتمع.

ولا يُفهم من هذا أن هذه النظرية ترتبط بالتراث الفلسفي فحسب؛ بل تتفق مع وجهات النظر الفلسفية أيضًا، لهذا نجدها تشتمل على بعض معتقدات الفلاسفة المثاليين والواقعيين، فهي أخذت من فلسفة المثالية الفكر التي ترى العقل هو العنصر الأساسي والمهم في تحديد تلك المعرفة الجوهرية، وبالتالي فإنها تركز على المادة الدراسية؛ لأن العقل له دور فعال، ودور فاعل وقوي ومؤثر في تعليم محتوى المادة الدراسية.

وهذا يدفعنا جميعًا ونحن نفكر معًا بصوت مسموع ألا توجد علاقة ما بين محتوى المادة الدراسية، وما بين عقل المتعلم؟ إن الإجابة بالضرورة تعني: نعم؛ أنه تُوجد علاقة بين عقل المتعلم وبين المادة الدراسية، فإذا كانت المادة الدراسية منظمة، ومُعَدّة إعدادًا دقيقًا يرتبط، ويتوافق مع طبيعة المُتعلم، ومع ميوله وخصائصه، ومع واقع المجتمع الذي يعيش فيه؛ فإن المتعلم بالضرورة سوف يساعده ذلك على تنشيط وإثارة قدراته العقلية، وبالتالي تشجيع عقله لأن يقتنع بهذه المادة الدراسية، وأن يتعلمها وأن يحتفظ بها في ذاكرته لفترة طويلة، وأحيانًا قد تصل إلى مدى الحياة.

كذلك؛ فقد أخذت هذه النظرية عن الفلسفة الواقعية رؤيتها من أن الأشياء فيزيقية، ومن ثم يجب الاهتمام والعناية بالجوانب الحية في التربية؛ والاعتماد في التعليم على ملاحظة ما في الطبيعة، وللمعلم دوره الأساسي في هذا المجال.

وتعتبر النظرية الجوهرية نظرية محافظة؛ فهي تَرمي إلى نقل المعتقدات من الجيل القديم إلى الجيل الحديث، حماية منها للثقافة من الاعتداءات المصاحبة للحركة التقدمية.

جملة القول: أنّ النّظرية الجوهرية تأثرت بفلسفات كثيرة مختلفة؛ إلا أن موقفها النظري يستند على أربعة مبادئ أو ركائز أساسية وهي:

المبدأ الأول: أنّ التّعلم يتضمن في ذاته العمل الشاق، ذلك لأنّ الاهتمام بموضوع ما يحتاج إلى جهد من أجل السيطرة على هذا الموضوع أو إتقانه، لذلك فإنّ هذه النظرية تُركز على مفهوم الجهد، بدلًا من التركيز على اهتمامات المتعلم مباشرة؛ كذلك فإنّ الإنسان -حَسَب هذه النظرية- هو الكائن الحي الوحيد الذي يمكنه مقاومة دوافعه المباشرة؛ لهذا فمن الضروري مساعدة الطلاب على تحقيق هذه القدرة، ولا يأتي هذا إلا عن طريق الخضوع الاختياري لانضباط يفرضه عليهم المعلم بطريقة ذكية، هذا الانضباط الذي يحدث من خلال الممارسات والعمليات، والأنشطة التي تحدث داخل قاعة الدراسة أو داخل الفصل الدراسي.

المبدأ الثاني: أنّ دور المعلم مهم في عالم الطفل أو المتعلم، فهو وسيط بينَ عالم الكبار، وبين عالم الصّغَار؛ لهذا يجب أن تكون المبادءة في التربية بيد المعلم أكثر مما هي بيد التلميذ أو المتعلم؛ لأنّ المُعلم تم إعداده وتأهيله لمهمة إرشاد وتوجيه تلاميذه وطلابه.

المبدأ الثالث: يتمثل في جوهر العملية التربوية، وهو في فهم المادة الدراسية المحددة مسبقًا؛ فالهدف من حضور المُتعلم إلى المدرسة أن يصل لمعرفة هذا العالم بواقعه الحالي، دون أن يفسره في ضوء رغباته الخاصة.

المبدأ الرابع: أن تُحافظ المدرسة على الطرق التقليدية التي تحقق الانضباط العقلي المطلوب، كما يجبُ عليها السعي لتعليم التلاميذ مفاهيم المادة الدراسية، وبهذا فإن محتوى المنهج وفق لهذه النظرية يجب أن يحتوي على المعلومات والمعارف، التي تساعد التلاميذ على معرفة التراث الاجتماعي، وتحقق لهم التكيف مع العالم الذي يعيشون فيه، وما يتم إعدادهم له مستقبلًا.

وقد كان لهذه النظرية سلبيات كما أن لها إيجابيات:

سلبيات هذه النظرية:

 يمكن القول أن من يلاحظ هذه النظرية، وينظر لها بعين التأمل يَلْحَظُ أنّها قد شاركت في تشكيل ما يُسمى بالطريقة التقليدية، وأدت إلى تنظيم المنهج في صورة مواد دراسية؛ حيثُ يكون اكتساب المعارف والمعلومات هو الهدف الرئيسي لها، كما يُلاحظ أنّ هذه النظرية اعتمدت على نظرية الملكات العقلية، التي يُمكن التدريب عليها عن طريق استخدام أساسيات المعرفة في المواد الدراسية، وأنّ هذه الملكات تَعْمَلُ كل منها في انعزال عن الأخرى، وذلك على الرغم من أن نظريات علم النفس والدراسات النفسية أوضحت أنّ الإنسانَ كُلّ متكامل بعقله ووجدانه وجسده؛ لا انفصال بين أي جزء منها.

 وقد ترتب على وجه النظر تلك سلبية دور المتعلم في العملية التعليمية، وإيجابية دور المعلم الذي أصبح بيده كل المبادءة في نقل المعرفة إلى المتعلم، ويُعد كل هذا من سلبيات هذه النظرية.

وكما أنّ هذه النظرية لها سلبيات إلّا أن لها إيجابيات أيضًا يُمكن ذكر بعض هذه الإيجابيات فيما يلي:

اهتمامها بما هو أساسي وصالح لكل العصور، أي: اهتمامها بالأصالة، ويُعد هذا توجه مُعاصرًا؛ حيث تُشيرُ الأدبيات والدراسات، ونتائج البحوث والمؤتمرات، والندوات المعاصرة إلى ضرورة الأصالة، والاهتمام بالقديم، والأخذ أيضًا من الحديث.

كما يعد من إيجابيات أيضًا: تأكيدها دور المعلم وأهمية إعداده وتأهيله، وتأكيدها لأهمية توافق الفرد مع بيئته المادية والاجتماعية، واستخدامها لإنجازات الماضي كمصادر للمعرفة، عند التعامل مع مشكلات الحاضر، وذلك على المستوى النظري فقط؛ لأنّها تركتْ للمُعلم الحرية في العملية التعليمية، وحجبتها عن المُتعلم؛ مِمّا أدى إلى جعل المعرفة هدفًا في حد ذاتها، يحفظها التلاميذ من أجل الاجتياز الاختبارات فيها، وليس من أجل توظيفها في الحياة العملية، وهو ما أدى بالضرورة إلى وجود كثير من حفاظ المعرفة والمعلومات، ولكنه أدى أيضًا إلى قلة المبتكرين والمخترعين. ولعل هذا يكون أمرًا واقعًا وحقيقيًّا في كثير من الدول النامية.

النظرية الثالثة: النظرية البرجماتية:

وتُسمى هذه النظرية بالنظرية العلمية، وجاءت هذه النظرية نتيجة اعتقاد مؤداه أنّ هناك علاقة بين الفكر والعمل، كما أنّها تَرجِعُ إلى الفكر الذي يركز على المعرفة الحسية، أي أننا نعرف ما تحسه حواسنا، وهي ترتبط بنظريات متنوعة عن طبيعة الذكاء، وعن عمليات التفكير التي تنشأ عن حل المشكلات.

ويُعد الفكر الأميركي والبريطاني هما الأساس في تطوير هذه النظرية، وقد قام بتطويرها ثلاثة من المفكرين هم: “بيريس، وجيمس، وجون دوي” فقد قرر “بيريس” أنّ فكرتنا عن الأشياء تأتي من الآثار المُترتبة على تلك الأشياء، أو بمعنى آخر لكي تكون أفكارُنا واضحة عن شيء معين؛ فإننا بحاجة أن ننظر إلى الآثار العملية، التي يمكن أن يتضمنها هذا الشيء، كما أنّ الخبرة في رأيه تكون صادقة بقدر ما نعتقد أنّها مُفيدة في الحياة.

أما “جيمس” فقد حول نظرية “بيريس” التي تهتم بالمعنى إلى نظرية أخرى تهتم بالحقيقة، فقد ذهب “جيمس” إلى أن الشيء الحقيقي هو فقط الشيء المناسب لطريقة تفكيرنا، ومن هُنا فإنّ الحقيقة لا تعني في مجال الأفكار والمُعتقدات شيئًا سوى ما تعنيه في مجال العلم، وأن صدق الفكرة يعني قدرتها على العمل، أو قدرتها على أداء وظيفة ما.

وجاء “جون دوي” ليطور البرجماتية محولًا إياها لنظرية فلسفية جديدة، ربطت نظريتي المنطق والأخلاق؛ فقد اهتم “ديوي” بإيجاد أنماط متكاملة للنشاط الإنساني، بدلًا من الاهتمام بالبحث العقلي عن الحقيقة، وربط بين وجهات النظر المنطقية والسيكولوجية؛ ليُقدم فلسفة تقيس أهمية الإنسان في ضوء مجهوده وعمله، بدلًا من تحصيله للمعلومات، وتؤمن إيمانًا عميقًا بقدرة الفرد على المساهمة في تطوير الجنس البشري، وكذلك في تذليل الصعوبات والعقبات من أجل حياة أفضل.

إيجابيات هذه النظرية:

جاءت الفلسفة البرجماتية؛ لتؤكد على عدة أمور؛ وهي تعد جميعًا من إيجابيات هذه النظرية، ومن هذه الإيجابيات: أنّ المعرفة هي نتاج تفاعل بين الإنسان وبيئته، وأنها ليست شكلًا نهائيًّا، بل هي عملية مستمرة، وقد يتضح لنا ذلك بوضوح في المبتكرات والاختراعات، والتكنولوجيات التي نراها في حياتنا اليومية؛ فنحن ننظر إلى السيارات، وإلى الأجهزة الكهربائية والمنزلية، وإلى السيارات والقطارات والطائرات جميع تلك الأشياء عندما ابتكرت في المرة الأولى، وفي صورتها البدائية كانت على صورة غير الصورة التي نراها الآن عليها، وغير الصورة التي قد نراها غدًا عليها وذلك كله نتيجة التفاعل والتفكير بين الإنسان وبين البيئة.

كما أنّ من إيجابيات هذه النظرية: أنّ التربية في تطور دائم؛ لهذا يجب أن يعدل المنهج في ضوء التغيرات المعرفية والبيئية؛ لأن جوهر التربية ليس التكيف مع المجتمع فحسب،

كما أنّ من إيجابيات هذه النظرية أن المتعلم فرد يمر بالخبرات؛ لكنه أيضًا مفكر ومكتشف، يدفعه فضوله إلى المزيد من التعلم، ولهذا لا بد أن يكون ما يتعلمه التلميذ مرتبطًا بحاجاته واهتماماته، وأن يتم تنظيم محتوى التربية وفق المشكلات التي يواجهها التلاميذ، وأنّ هذا المنهج ينبغي أن يكون قائمًا على الخبرات والنشاطات الاجتماعية الحقيقية، وأنّ التركيز يجبُ أنْ يَكونَ على عمليات التعلم، بدلًا من التركيز على غايات التعلم.

كما أن الاهتمام بالطريقة العملية في التعليم بدلًا من الحفظ والاستظهار، كان من إيجابيات هذه النظرية؛ لأنها تساعد على تنمية التفكير والاهتمام بالتجريب، بدلًا من الحفظ والتلقين، وأنْ يَتِمّ تنظيم المنهج، بحيثُ يدور حول التلميذ، ويتمركز حول المُتعلم بدلًا من المادة الدراسية، ومن هنا جاء التنظيم المنهجي المتمركز حول التلميذ ثمرة وغاية من غايات الفكر البرجماتي، وهذه النظرية العلمية، كما أن منهج النشاط جاء تطبيقًا لأفكار “دوي”.

ويتمثل دور المعلم في التخطيط والتوجيه، والمتابعة من أجل توفير أفضل الظروف والسبل والإمكانات التي تساعد التلاميذ على التعلم.

كما أن هناك مآخذ وسلبيات على هذه النظرية البرجماتية العلمية:

ومن بينها أنه على الرغم من المميزات السابقة التي أرستها النظرية البرجماتية، وأكدت عليها؛ إلّا أنّ هُناك بعض السلبيات أو المآخذ التي يمكن إبرازها ومنها:

 نظرتها للتربية على أنها عملية نمو، والنمو يؤدي إلى مزيد من النمو؛ لكنّ النّمو لا يكون مبررًا بذاته؛ فنحن في حاجة لمعرفة أو غاية يتجه إليها هذا النمو، واعتمادها لاهتمام التلميذ في تقرير ما يتعلمه، وفي ذلك الكثير من المخاطرة؛ فلا يمكن مثلًا اعتماد رغبة الطفل في أن يكون مشاهدًا لأشياء لا تفيده، ولا تنفعه، أو يتعلم أشياء يضيع فيها الوقت، ولا يؤدي ذلك إلى تحقيق ثمرة أو فائدة له أو لمجتمعه.

كما أنّ اعتمادها على طريقة حل المشكلات بصفة أساسية في التعلم، يحتاج إلى بعض التحفظ؛ لأنّ لكل طريقة تدريس أهميتها، ووظيفتها في معالجة موضوع أو جانب من الموقف التعليمي.

وتأكيدًا لمبدأ حرية التعلم أو المتعلم، وأنّ هذا مبدأ تربويًّا مهمًّا يصدق بدرجة كبيرة على طلاب الجامعة، أو طلاب التعليم الثانوي؛ لكن طلاب التعليم العام، والتعليم الابتدائي والإعدادي يصعب أن ينطبق عليهم هذا المبدأ، نظرًا لعدم النضج الكافي لدى الطالب المتميز. ولا يستطيع أن يفرق ما بين ما هو أساسي وغير أساسي من المعارف.

وترتبط هذه النظرية بالمفاهيم ذات العلاقة بالإنسان والعمل والمعرفة والمجتمع، حيث إن الإنسان يُمكن تغيير طبيعته بالعمل في بيئته من أجل تغييرها؛ فهو لا يعيش فقط في الطبيعة، بل هو يشكل هذه الطبيعة بالتعامل معها؛ فالعلاقة مرتبطة ووثيقة بين الإنسان والطبيعة؛ فلا يُمكن فصل كل منهما عن الآخر.

وقد كان لهذه النظرية عدة انعكاسات: فقد انعكست مفاهيم تلك النظرية على تنظيمات المنهج، من أجل تحقيق الوحدة بين التعليم والعمل ذو النفع الاجتماعي.

وتأثر ذلك بالضرورة بالمحتوى، وأساليب التدريس في الواقع العملي التطبيقي، وقد شمل ذلك العلوم الإنسانية والطبيعية، والدراسات العملية؛ فقد أصبح الهدف ليس فقط إعطاء التلاميذ أو الطلاب معلومات، وتزويدهم بمهارات عملية، تتعلق بالصناعة والزراعة، بل أصبح الهدف هو غرس وتكوين عادات تتعلق بعمليات الإنتاج، والإبداع، والابتكار.

وقد سلكت التربية في ظل هذه النظرية عددًا من الطُّرق، واستخدمت في سبيل ذلك العديد من الوسائل، التي يمكن عن طريقها ممارسة الفنون المتعددة ومنها ما يلي:

الورش التعليمية: حيث تعتبر الورش التعليمية من أهم وأبرز الوسائل التي يمكن استخدامها لتحقيق مبادئ نظرية الفنون المتعددة، في المدارس العامة؛ بشرط أن تكون تلك الورش مرتبطة بالإنتاج الاقتصادي في المصانع والمزارع بالمجتمع.

وأيضًا من بين تلك الوسائل النشاط خارج الفصل، وخارج المدرسة؛ حيث يُمكن استخدام الأنشطة خارج الفصول، وخارج المدرسة، من أجل تنمية اهتمامات التلاميذ للتعلم وبالتكنولوجيا، وبالإنتاج وإلى غير ذلك من المفاهيم ذات العلاقة.

ومن بين تلك الوسائل أيضًا: الحلقات الدراسية التكنولوجية والقراءات التكنولوجية، والمراكز التكنولوجية للأطفال، وزيارة المتاحف كلها تعد وسائل يمكن استخدامها في هذا المجال.

ولهذه النظرية إيجابيات: من بين إيجابياتها:

حُب واحترام العمل اليدوي، والربط بين المواد الدراسية وتطبيقاتها العملية، والاهتمام بالإنتاج من خلال إكساب التلاميذ للمهارات اللازمة لعملية الإنتاج، والرّبط بين التعليم والمجتمع، والعمل على تحقيق انتماء التلاميذ لمجتمعهم، ولبيئتهم ولوطنهم.

إلّا أن هذه النظرية كما أن لها إيجابيات كان لها سلبيات من بين هذه السلبيات:

التطرف في نظرتها إلى قيمة العمل في المجتمع، حتى على حساب أي شيء أيًّا كان هذا الشيء، واهتمامها بالمجتمع بدرجة كبيرة على حساب الفرد؛ فهي لم تُعِر الفرد ولا الدين أو العقيدة أي اهتمام يَستَحِقُّها؛ مثلما اهتمت بالمجتمع، فقد كان اهتمامها موجهًا نحو المجتمع بالدرجة الأولى، بصرف النظر عن القيم والدين، والأعراف والمثل والتقاليد، كان اهتمامها بنفع المجتمع بالدرجة الأولى.

وفي ضوء ما سبق يمكننا أن نستعرض بنظرة سريعة وفاحصة للنظريات السابقة، فنجد أنه تتبين اهتماماتها بأخذ عدة جوانب في مجال المنهج:

فالنظرية الموسوعية أو نظرية دوائر المعرفة اهتمت بالمعرفة الشاملة من أجل تنوير العقل، ومن أجل تعليم العقل للمعلومات، وحشوه بالمفاهيم والأفكار والخبرات.

أما النظرية الجوهرية فقد ركزت على عناصر أو أشياء جوهرية أو أساسية، يجب أن يعرفها الجميع، وهذه الأشياء يجب إتقانها ويجب انتقاؤها بعناية وحرص من التراث الثقافي، على أن يكون للمعلم دوره الأساسي في هذا المجال؛ بينما حولت النظرية العملية أو البرجماتية الاهتمام إلى الفرد أو المتعلم، وجعلته هو المركز للعملية التعليمية، وجعلت كل الاهتمام منصرفًا إلى تعليمه، وإلى إصلاحه، وإلى إكسابه بالمهارات والمعارف والخبرات، وإلى تنمية مهاراته العملية، وإلى دفع عقله إلى الإبداع والتفكير والتعلم، والتأمل.

جعلت هذه التلميذ مركزًا تتمركز حوله العملية التعليمية، وكذلك المنهج الدراسي، وحولت التركيز من المادة الدراسية إلى المتعلم.

أما نظرية الفنون المتعددة فقد حولت اهتمام إلى المجتمع بدلًا من الفرد، وذلك عن طريق ربط عملية التعلم بالعمل الإنتاجي من أجل رفاهية المجتمع، معللين بأن الفرد ما هو إلا لبنة، وواحد من بين أفراد المجتمع، فإذا حدث رفاهية وتقدم ونفع للمجتمع عم الفرد بالضرورة، وهذا مفهوم عليه تحفظات كثيرة، وتلك وجهه نظر مردود عليها بكثير من السلبيات التي صاحبت هذه النظرية.

والخلاصة: أن تلك النظريات تتفاوت في اهتمامها بالتركيز على واحدة من القضايا الثلاث: وهي المعرفة والفرد والمجتمع، وتِلك الأمور الثلاث والقضايا الرئيسة، يَنبغي اهتمامها ووضعها موضع الاعتبار عند بناء المناهج الدراسية وتنفيذها.

وأخيرًا فإن ما حبا هذه النظريات، وما دار حولها وما اعتراها من إيجابيات وسلبيات، كان دافعًا وحافزًا وعاملًا مؤثرًا لعلماء المناهج وطرق التدريس إلى أن يتبنوا نظرية عامة، ونظرية شاملة ومتقنة وعادلة لبناء المنهج، على أن تكون هذه النظرية مراعية لكل حاجات ومتطلبات المعرفة، بما هي فيه من ثورة معرفية هائلة، نتجت عن التقدم والتطور في أدوات وأساليب وأشكال الاتصال، نتجت عن التعدد في أوعية المعلومات المختلفة، نتجت أيضًا عن الثورة في الكتابة، وفي القراءة، وفي التعلم، والتأليف، والنشر والترجمة وغيرها.

وهو لا بد من الاهتمام بالمعرفة وأيضًا الاهتمام بالمعلم، وكذلك الاهتمام بالمتعلم لا بد أن يكون ذلك أيضًا في إطار تحقيق النفع والفائدة للمجتمع، من أجل ذلك فهناك حاجة إلى بناء نظرية عامة وشاملة وحديثة، تربط بين الماضي والسابق، وتأخذ حاجات الفرد، وحاجات المجتمع، وحاجات البيئة، وحاجات كافة أفراد المجتمع في الحُسبان؛ من أجل بناء منهج عادل وقوي، ومن أجل التقدم والازدهار.

error: النص محمي !!