علاقة الأهلة بالصيام
علمنا أن الله -تعالى- جعل ظهور الهلال علامة أكيدة على بداية كل شهر عربي، وانتهاء كل شهر عربي آخر، فبالهلال يثبت دخول الشهر، وبالهلال أيضًا يثبت دخول الشهر التالي وانتهاء ذلك الشهر؛ فبالهلال يثبت دخول شهر رمضان وانتهاء شهر شعبان، وبالهلال أيضًا يثبت دخول شوال وعيد الفطر، وبهذا ينتهي شهر رمضان، وهكذا جميع الأشهر العربية يتوقف ثبوتها أو دخولها على ثبوت الهلال؛ ولذلك قال الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] أي: ليست ميقاتًا واحدًا، فليست خاصة بشهر رمضان، ولكنها مواقيت للناس في جميع الشهور العربية، وكذلك أشهر الحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فهي مواقيت للناس والحج.
ورؤية هلال شهر رمضان واجبة على الكفاية، فهي فرض كفاية، إذا فعلها البعض سقط الحرج عن الآخرين، وثبت الصيام على الجميع؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
كذلك يثبت الإفطار في نهاية رمضان بثبوت هلال شوال، وفي ذلك يقول النبيصلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته)) أي: لرؤية الهلال، ((وأفطروا لرؤيته)) أي: لرؤية هلال شوال، ((فإن غمّ عليكم)) الشهر، ((فعدوا له ثلاثين)) متفق عليه. أي: إذا لم نستطع رؤية هلال رمضان يوم التاسع والعشرين من شعبان، أو لم نستطع رؤية هلال شوال يوم التاسع والعشرين من رمضان أو في أي شهر آخر، فعلينا أن نكمل الشهر ثلاثين، ونبدأ الشهر الجديد بعد الثلاثين حيث لا يوجد في الشهور العربية شهر مكون من واحد وثلاثين يومًا.
ورؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها، فيشرع للمسلمين أن يجدّوا في طلبها -أي: في طلب رؤية الهلال- ويتأكد ذلك في ليلة الثلاثين من شعبان -أي: يوم التاسع والعشرين مساء- لمعرفة دخول رمضان، كما يتأكد ذلك الطلب أيضًا ليلة الثلاثين من رمضان؛ لمعرفة نهاية رمضان ودخول شوال وعيد الفطر.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الرؤية، حيث قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))، وقال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) متفق عليه. وقال: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)) رواه الترمذي.
وعن عائشة < قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية لرمضان، فإن غُمّ عليه عَدّ ثلاثين يومًا ثم صام” رواه أبو داود. أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف في عدد أيام شعبان؛ للمحافظة على معرفة دخول شهر رمضان لصومه، وقد اهتم الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته برؤية هلال رمضان وغيره من الشهور، فكانوا يسعون لرؤيته.
بعد أن عرفنا علاقة الهلال أو ثبوته بشهر رمضان وبصومه، وبمعرفة عيد الفطر ووجوب الفطر لهلال شوال، وأيضًا لأن هذه بداية أشهر الحج، ولا بد من معرفة هلال ذي الحجة حتى نعلم متى يكون يوم عرفة، ومتى يكون عيد الأضحى، وهكذا؛ لذلك لا بد أن يقوم الناس -وهذا فرض على الكفاية- برؤية الأهلة ومعرفة الشهور العربية، ومهما كان ارتباطنا بالشهور الأخرى الأوربية أو التي تسمى إفرنجية، فإن ذلك لا يجوز أن ينسينا شهورنا العربية المرتبطة بالأهلة؛ لأن العبادات مرتبطة بها، فلا بد من تحريها وإثبات رؤيتها بشكل أو بآخر.