علاقة الدعوة بأصول الإسلام
إن الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لعباده كما قال سبحانه: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] وهو الدين الذي لا يقبل الله دينًا سواه كما قال سبحانه: {إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] وقال -عز وجل-: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] والإسلام الذي هو دين الله -عز وجل- عقيدة وعبادة ومعاملة؛ عقيدة تصل الإنسان بالله -عز وجل- {فَاطِرُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ}(11) {لَهُ مَقَالِيدُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى: 11، 12].
وعبادة يؤديها الإنسان وفاءً بحق الله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره يرجو بها رضوان الله والجنة؛ ويخاف إن تركها عقاب الله والنّار؛ فهو دائمًا كما وصف الله أولياءه: {سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ} [الزمر: 9] وهو مع ذلك محسنٌ في معاملة الناس، كما أمره الله -عز وجل- شعاره دائمًا: {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] فالعدل عنده أساس المعاملة، وهو مع ذلك قد يعفو عن من ظلمه، ويصل من قطعه، ويحلم على من يجهل عليه؛ لأن الإسلام أمره بالإحسان فيما بينه وبين الله، وأمره بالإحسان فيما بينه وبين الناس، وأخبر الله -عز وجل- أنه يحب المحسنين، وأنه يجزي المحسنين بالإحسان إحسانًا كما قال سبحانه: {لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 26].
والمسلم مطالب بأن يُحَكّم الإسلام كله في حياته كلها كما قال الله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَآفّةً وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ} [البقرة: 208]. ومعنى الآية: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ} يا من رضيتم بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يا من صدقتم بالله ورسوله، والكتاب الذي نزله على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل {ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَآفّةً} أي: استسلموا لله -تبارك وتعالى- استسلامًا مطلقًا، وأطيعوا الله -عز وجل- في كل ما أمركم به بأن تمتثلوه وتفعلوه. وفي كل ما نهاكم عنه بأن تتركوه وتجتنبوه، {وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ} فيما يدعوكم إليه من العصيان والفسوق عن أمر الله -عز وجل- بترك ما به أمر، أو فعل ما عنه نهى وزجر.
{ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَآفّةً} استسلموا لله -عز وجل- وأطيعوه طاعة مطلقة واقبلوا منه كل ما شرع لكم من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملة، والجهاد والاقتصاد والسياسة والاجتماع، ونحو ذلك من كل ما شرع الله -تبارك وتعالى- لا تأخذوا العقيدة وتتركوا العبادة، لا تأخذوا العقيدة وتتركوا العمل؛ فإن العمل الصالح هو عنوان سلامة العقيدة، فالعقيدة إن سلمت وصحت أنتجت ولا بد وأثمرت العمل الصالح، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّمَآءِ}(24) {تُؤْتِيَ أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ} [إبراهيم: 24، 25] فإذا صحت العقيدة في القلب صلح العمل على الجوارح ولذلك اقترن العمل الصالح بالإيمان في كثير من آي القرآن الكريم.
وشهد الله للموفقين الذين جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعمل الصالح ببلوغ حقيقة الإيمان؛ فقال سبحانه: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ}(2) {الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(3) {أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2- 4] وقال سبحانه{وَالّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُولَـَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في (أصول الدعوة): “وأحكام الإسلام بالنسبة لما تتعلق به: تنقسم إلى الأقسام الآتية:
أولًا: أحكام العقيدة الإسلامية، وهي تتعلق بأمور العقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وهذه هي الأمور الاعتقادية.
ثانيًا: أحكام الأخلاق وهي المتعلقة بما يجب أن يتحلى به المسلم، وما يجب أن يتخلى عنه. كوجوب الصدق وحرمة الكذب.
ثالثًا: أحكامٌ تتعلق بتنظيم علاقة الإنسان بخالقه كالصلاة والصيام وغيرها من العبادات.
رابعًا: أحكام تتعلق بتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم وهذه على أنواع:
أ. أحكام الأسرة: من نكاح وطلاق وإرث ونفقة إلى غير ذلك، وتُسمى هذه الأحكام في الاصطلاح الحديث بأحكام الأسرة، أو قانون الأحوال الشخصية.
ب. أحكام تتعلق بعلاقات الأفراد ومعاملاتهم: كالبيع والإجارة والرهن والكفالة، وهي التي تُسمى في الاصطلاح الحديث بأحكام المعاملات المالية أو بالقانون المدني.
جـ. أحكام تتعلق بالقضاء والدعوة، وأصول الحكم والشهادة واليمين والبينات: وهي تدخل فيما يسمى اليوم بقانون المرافعات.
د. أحكام تتعلق بمعاملات الأجانب غير المسلمين، عند دخولهم إلى إقليم الدولة الإسلامية: والحقوق التي يتمتعون بها، والتكاليف التي يلتزمون بها، وهذه الأحكام تدخل فيما يسمى اليوم بالقانون الدولي الخاص.
هـ. أحكام تتعلق بتنظيم علاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في السلم والحرب: وتدخل فيما يُسمى اليوم بالقانون الدولي العام.
و. أحكام تتعلق بنظام الحكم وقواعده: وكيفية اختيار رئيس الدولة وشكل الحكومة، وعلاقات الأفراد بها، وحقوقهم إزاءها وهي تدخل فيما يسمى اليوم بالقانون الدستوري.
ز. أحكام تتعلق بموارد الدولة الإسلامية ومصارفها: وتنظيم العلاقات المالية بين الأفراد والدولة، وبين الأغنياء والفقراء، وهي تدخل في القانون المالي بمختلف فروعه.
حـ. أحكام تتعلق بتحديد علاقة الفرد بالدولة: من جهة الأفعال المنهي عنها؛ أعني: الجرائم ومقدار عقوبة كل جريمة، وهذه تدخل فيما يسمى اليوم بالقانون الجنائي ويلحق بهذه الأحكام الإجراءات التي تتبع في تحقيق الجرائم وإنزال العقوبات بالمجرمين، وكيفية تنفيذها، وهي تدخل فيما يسمى اليوم بقانون تحقيق الجنائيات أو بقانون المرافعات الجزائية.