Top
Image Alt

عناية الصحابة بالسّنة النَّبويَّة، وطرق تلقِّيهم لها في حياته صل صلى الله عليه وسلم

  /  عناية الصحابة بالسّنة النَّبويَّة، وطرق تلقِّيهم لها في حياته صل صلى الله عليه وسلم

عناية الصحابة بالسّنة النَّبويَّة، وطرق تلقِّيهم لها في حياته صل صلى الله عليه وسلم

لقد اعتنى السّلف الصالح بالسّنّة النبوية عنايةً تامّة، وبذلوا ما في وسعهم في سبيل حِفظها وضبطها ونشرها.

أولًا- عناية الصحابة بالسّنة النبوية:

لقد كان الصّحابة يتعلّمون مِن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم: آيات معدودات يتفهّمون معناها، ويتعلّمون فقهها، ويُطبِّقونه على أنفسهم. ثم يحفظون غيْرها. وفي ذلك يقول أبو عبد الرحمن السُّلمي: “حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشْر آيات، لم يتجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها مِن العلْم والعمل… قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلْم والعمل جميعًا”.

وكان بعضُهم يُقيم عند الرسول صلى الله عليه وسلم يتعلّم أحكامَ الإسلامِ وعباداتِه، ثم يعود إلى أهله وقومه يُعلِّمهم ويُفَقّهُهم؛ ومن هذا: ما أخرجه البخاري، عن مالك بن الحويرث، قال: ((أتينا النبي صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)).

وكان الصحابة يحرصون على حضور مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصًا شديدًا، إلى جانب قيامهم بأعمالهم المعاشيّة مِن الرعاية والتجارة وغيرها… وقد يعسر على بعضهم الحضور، فيتناوبون مجالِسه صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل ذلك عُمر رضي الله عنه قال: “كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد -وهي مِن عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل يومًا، وأنزل يومًا؛ فإذا نزلتُ جئتُه بخبَر ذلك اليوم من الوحي وغيْره، وإذا نزَلَ فعَل مثْلَ ذلك”، رواه البخاري.

ويقول البراء بن عازب الأوسيّ : “ما كلّ الحديث سمعناه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يُحدِّثنا أصحابُنا، وكنَّا مشتغلين في رعاية الإبل.

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَسمعونه مِن أقرانهم، وممّن هو أحفظ منهم, وكانوا يُشدِّدون على مَن يسمعون منه”. وفي رواية عنه: “ليس كلّنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لنا ضيْعة وأشغال، ولكنّ الناس لم يكونوا يكذِبون يومئذ، فيحدِّث الشاهدُ الغائب”.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: ” ليس كلّ ما نُحدِّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه -منه- ولكن كان يُحدِّث بعضُنا بعضًا، ولا يتّهم بعضُنا بعضًا”. وفي رواية عن قتادة: “أنّ أنَسًا حدّث بحديث، فقال له رجُل: أسمِعْتَ هذا مِن رسول الله؟ قال: نعم. أوْ حدَّثني مَن لم يَكذِب. واللهِ ما كنَّا نكْذِب، ولا كنَّا ندري ما الكذب!”. 

وكان الصحابة يتذاكرون دائمًا ما يَسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس بن مالك: “كنّا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظَه”.

وإلى جانب هذه المجالس، كان الصّحابة يتلقَّوْن السّنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن وجوهٍ كثيرةٍ، منها:

أولًا: حوادث كانت تقع للرسول نفْسه، فيُبيِّن حُكمها، وينتشر هذا الحُكم بين المسلمين بمَن سمعوه منه. وقد يكون هؤلاء كثْرة، تُمكِّنهم كثرتُهم من إذاعة الخبَر بسرعة، وقد يكونون قلّةً فيبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مَن ينادي في الناس بذلك الحُكم، مثال ذلك:

  • ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَسَأَلَهُ كَيْفَ تَبِيعُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ؛ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ)).
    • ما رواه القاسم بن محمد: أنّ عائشة أخبرتْه: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةُ تَمَاثِيلَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ)).

ثانيًا: قد يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يسمع صحابيًّا يُخطئ، فيُصحِّح له خطأه، ويُرشده؛ ومن ذلك:

ما رواه عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى رجلًا توضأ للصلاة، فترَك موضع ظُفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجِعْ فأحْسِنْ وضوءك!)). فرجع فتوضّأ ثم صلّى.

ثالثًا: حوادث كانت تقع للمسلمين، فيسألون الرسول عنها، فيُفتيهم ويُجيبهم، مُبيِّنًا حُكم ما سألوا عنه. مِن هذه الحوادث ما يختصّ بالسائل نفْسه، ومنها ما يتعلّق بغيره، وجميعُها مِن الوقائع التي تَعرض للإنسان في حياته؛ فنرى الصحابة لا يخجلون في ذلك كلِّه، بل يسرعون إلى المعلِّم الأوّل، ليقفوا على حقيقةٍ تَطمئنّ قلوبهم إليها، وتثلج صدورهم عندها. وقد يخجل الصحابي مِن الرسول صلى الله عليه وسلم فيُكلِّف غيره عبء السؤال، من ذلك:

أ. ما رواه علي بن أبي طالب، قال: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: ((فِيهِ الْوُضُوءُ)).

ب. ما رواه قيس بن طلق، عن أبيه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو سأله رجل فقال: بيْنا أنا في الصلاة، ذهبت أحكّ فخذي، فأصابت يدِي ذَكَري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل هو إلاّ بضعةٌ منك)).

رابعًا: قد يختصم مسلمان في قضيّة أو حُكم، فيرجعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما ويبيِّن وجه الصواب، من ذلك: ما رواه المسور بن مخرمة رضي الله عنه: أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ “الْفُرْقَانِ” عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ. فَقَرَأَ. قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأ.ْ فَقَرَأْتُ. فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ؛ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ)).

خامسًا: وقائع وحوادث شاهَد فيها الصحابة تصرّفات الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه كثيرة، في: صلاته، وصيامه، وحجِّه، وسفَره، وإقامته… فنقلوها إلى التابعين الذين بلّغوها إلى مَن بَعْدَهم؛ وهي تُؤلِّف جانبًا كبيرًا مّن السُّنّة، وخاصة هدْيه صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات، وسيرته…

وقد بلَغ مِن اقتدائهم به، أنهم كانوا يفعلون ما يفْعل، ويتْرُكون ما يتْرك، دون أن يعلموا لذلك سببًا، أو يسألوه عن علّته أو حِكمته، من ذلك:

أ. ما أخرجه البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ)).

ب. ما أخرج أبو داود، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ؛ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟! قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا -أَوْ قَالَ أَذًى- وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُر،ْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)).

error: النص محمي !!