Top
Image Alt

فتح المسلمين لمعظم مدن الشام، واستخلاف الصديق لعمر

  /  فتح المسلمين لمعظم مدن الشام، واستخلاف الصديق لعمر

فتح المسلمين لمعظم مدن الشام، واستخلاف الصديق لعمر

. فتح المسلمين لمعظم مدن الشام:

أ. فتح البقاع:

الواقع أنَّ البقاع فتحت بالسيف؛ حيث أرسل أبو عبيدة بن الجراح القائد الملهم خالد بن الوليد، فتمكن خالد بن الوليد من فتح البقاع حربًا، يعني ليس صلحًا، كذلك كانت هناك معركة مع الروم في منطقة عين ميسون.

والواقع أن الروم قد جمعوا جموعهم وأعدوا عدتهم، وقاتلوا المسلمين قتالًا شديدًا في هذه المنطقة التي تسمى عين ميسون، وكان على الروم قائد لهم يسمى سنان.

والواقع أن الروم استطاعوا أن يقتلوا مقتلة ليست هينة في المسلمين في هذه الموقعة، وسقط من المسلمين مجموعة من الشهداء؛ ولذلك نجد المسلمين بدلًا من أن يسمونها عين ميسون سموها أو أطلقوا عليها “عين الشهداء”؛ نظرًا لكثرة الشهداء الذين قتلوا في هذه الموقعة.

كذلك تم إرسال سرية إلى تدمر؛ وذلك حتى يمهد أمرها تمهيدًا لفتحها وضمها للوجود الإسلامي.

ب. منطقة البثنية وحوران:

هذه المناطق فتحت صلحًا، أي: ليست قتالًا ولا حربًا، ومعنى ذلك أن المسلمين طبقوا عليها قاعدة الجزية، من لم يدخل من أهل الكتاب في الدين ينطبق عليه قاعدة الجزية، وخاصة أنه لم يقاتل المسلمين.

خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل وأبو عبيدة كلُّ هؤلاء كان لهم أثرٌ عظيمٌ في فتح الكثير من أراضي الشام قتالًا وصلحًا؛ فمثلًا في بيت لاهية والعقبة كانت هناك معارك، وكان النصر فيها للمسلمين، في حمص وقع صلح مع المسلمين، وأهل حمص قالوا: نصالحكم على ما صالحتم به أهل دمشق. شرحبيل بن حسنة تمكن من فتح الأردن -كل الأردن- عنوةً؛ وكذلك تم فتح طبرية عنوةً وليس صلحًا.

ج. منطقة البقاع وبعلبك:

تم الفتح في البقاع وبعلبك صلحًا عن طريق خالد بن الوليد، هناك من المؤرخين مَن قالوا: إن منطقة البقاع فُتِحَتْ حربًا وليس صلحًا، أما بعلبك ففُتِحَتْ صلحًا. وتقول بعض المصادر: أن اتفاقية الصلح هذه نُصَّ فيها على أن يستولي المسلمون على أنصاف منازلهم وكنائسهم، هذا بالإضافة إلى الخراج.

كذلك -في هذه المنطقة- كانت هناك موقعة تسمى موقعة فحل، كان في هذه المعركة جند المسلمين كان على رأسهم خالد بن الوليد، وكان على الميمنة أبو عبيدة، وعلى الميسرة عمرو بن العاص، والروم حاولوا في هذه المنطقة أن يغرقوا المسلمين، وذلك بفتح مياه الأنهار عليهم.

ومن ثم فصلت مياه الأنهار بين الروم وبين المسلمين، وتمكن الروم من القيام بعدة غارات وهجمات على المسلمين؛ ولكن المسلمين ردوا هذه الغارات والهجمات، واستطاعوا أن يحققوا النصر على الروم ويحققوا النصر لأنفسهم؛ وترتب على ذلك أن شرحبيل بن حسنة هو وعمرو بن العاص تمكنوا من حصار بيسان، وترتب على هذا الحصار أن عُقِدَ الصلح بين الروم في بيسان وبين المسلمين، وكذلك في منطقة معروفة وهي: منطقة طبرية، بعض الروايات تقول: إنها فُتِحَتْ صلحًا وليست عنوةً.

2. استخلاف الصديق رضي الله  عنه للفاروق عمر بن الخطاب:

أ. أحداث السقيفة وصلتها بفكرة الاستخلاف:

يجب ألا ننسى أحداث السقيفة، وما كان يمكن أن تؤدي إليه أحداث السقيفة من خلاف بين المسلمين، وكيف وقى الله شر هذه الأحداث؛ فمن هذه النقطة جرى التفكير في ذهن الصديق عن أهمية أن يكون هناك من يلي الأمر بعده أو عند وفاته؛ فقد خشي الصديق على المسلمين -خاصة وأن جيوش المسلمين خارج الجزيرة العربية، وقد يحدث خلاف بين المسلمين حول مَن يلي الأمر بعد الصديق.

بلا خلاف سيكون هناك أثر سيئ جدًّا على جنود المسلمين الذين هم في الخارج أثناء حدوث هذا الخلاف، وبناء عليه من الممكن أن تتعرض الجيوش الإسلامية للهزائم؛ نظرًا لهذا الصراع الذي يمكن أن يحدث على الحكم بعد وفاة الصديق أو على الخلافة بعد وفاة الصديق رضي الله  عنه. هذه الأفكار كانت تدور في فكر الصديق؛ فخاف على المسلمين أن تنحل عقدة اجتماعهم، ووحدتهم التي فيها قوتهم وعمادهم.

كذلك إذا شُغِل المسلمون بأنفسهم عن العدو المتربص بهم ستكون فرصة لهذا العدو، خاصة وأن المسلمين كانوا قد تمكنوا من تحقيق انتصارات هائلة في عصر الصديق على مختلف الجهات، سواء في العراق، أو في فارس، أو في الشام… وهكذا؛ فمن الممكن أن تتوحد جهود الكفر؛ لتشل حركة المسلمين وتحدث هجومًا معاكسًا يخسر المسلمون فيه كل ما حققوه من مكاسب.

ب. صعوبة الاستخلاف:

كان النظر في أمر الخلافة، وتحديد من يلي أمور المسلمين بعد وفاة الصديق أمرًا في غاية الأهمية، بل كان من الواجبات الشرعية التي كان على الصديق أن يقوم بها؛ بحيث لا يترك الأمور هَمَلًا وإمكانية أن يحدث خلاف بين المسلمين بناء على ذلك. وكانت مهمة الاستخلاف صعبة؛ لعدة أسباب:

الأول: تطلع البعض لهذا الشرف العظيم؛ كثير من الرءوس تتطلع لأن تحكم المسلمين وتكون زمام الأمور في يدها، خاصة وأن هناك من يدفع البعض في هذا الاتجاه: لم لا تكون أنت الخليفة؟ لم لا تلي أمور المسلمين بعد الصديق؟ هناك من يدفع في هذا الاتجاه.

الثاني: أهمية الوصول لما فيه خير المسلمين بعيدًا عن التحيز والعصبيات والقبليات.

الثالث: كثرة من تتوفر فيهم المميزات من الصحابة، ومن يمكن أن يكونوا مؤهلين للقيام بهذا الدور وتحمل هذه المسئولية؛ فعملية الموازنة والاختيار بين هؤلاء ستكون عملية صعبة؛ الاختيار بينهم سيكون أمرًا صعبًا وليس أمرًا سهلًا، هناك علي بن أبي طالب رضي الله  عنه وهو من هو، هناك عثمان بن عفان رضي الله  عنه وأيضًا هو من هو، والفاروق عمر بن الخطاب أيضًا هو من هو.

ولكن أذكر كلمة لأستاذنا الدكتور نصار، حيث قال فيها: لعل قرابة علي رضي الله  عنه من رسول الله صلى الله عليه  وسلم جعلت أبا بكر يعدل عنه إلى عمر؛ خشية أن تكون ميراثًا في عقبه، وأن يفهم المسلمون هذا ويقولون: هكذا صنع الصديق، ويجب أن يبقى الأمر ميراثًا في عقب رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

نستطيع أن نقول: إن الصديق آثر أن يلي الأمر الفاروق دونًا عن غيره، خاصة وأن الإسلام قضى على فكر العصبية والقبلية.

ج. مشاورة أهل الحل والعقد:

بعد أن شاور الصديق نفسه، وعزم أمره وقع اختياره على الفاروق عمر بن الخطاب؛ ولكن هل يصح أن ينفرد الصديق بهذا الرأي، وأن يأخذ هذا الرأي منفردًا دون العودة إلى جماهير الصحابة وأهل الحل والعقد منهم؟ هل يمكن أن يكون هذا تصرفًا سليمًا؟ طبعًا: لا.

من هنا نجد الصديق عزم على أن يشاور أهل الحل والعقد من صحابة رسول اللهصلى الله عليه  وسلم وألا ينفرد بالأمر، وألا ينفرد بالتصرف؛ بحيث يكون اختياره للفاروق فيه عملية جمع للكلمة وجمع لشمل المسلمين؛ سواء كان من المهاجرين أو حتى من الأنصار.

ومن ثم أخذ يسألهم واحدًا بعد واحد، ويستقصي منهم الأمر، ويصر على أن يسمع منهم رأيهم في عمر، وهل يصلح عمر لهذا الأمر أم لا؟ وما الأسباب؟… وهكذا.

وهذه الأمور تجعلنا نطمئن إلى أن اختيار الصديق رضي الله  عنه للفاروق رضي الله  عنه كان اختيارًا موفقًا وليس عن هوًى؛ كما أنه ليس عن عصبية؛ بل كل ما فيه هو مصلحة الأمة الإسلامية في تلك المرحلة.

نعود فنقول: إن الصديق سأل عبد الرحمن بن عوف: أخبرني عن رأيك في عمر؟ فقال: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني؛ فقال له والصديق: حتى وإن كان هذا صحيحًا؛ أنا أريد أن أسمع رأيك في عمر- فقال: هو أفضل من رأيك فيه من رجل؛ ولكن فيه غلظة. فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقًا؛ ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرًا مما هو فيه، أي: من الشدة والغلظة.

ثم دعا عثمان بن عفان وسأله عن رأيه في عمر: أخبرني عن عمر. قال: أنت أعلمنا به. فقال الصديق: ومع ذلك -أي: حتى ولو كان الأمر كذلك- أخبرني عن عمر؛ فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من علانيته؛ فقال له أبو بكر: رحمك الله -يا أبا عبد الله- لا تذكر مما ذكرت لك شيئًا. قال: أفعل. وقال له الصديق: لو تركته ما عدوته. -يعني: هو يفضله في هذه اللحظة- وما أدري لعله يترك هذا الأمر وأخير له أن لا يلي من أموركم شيئًا، ولوددت -الصديق يتحدث عن نفسه- أني كنت خلوًّا من أموركم، يعني: لا علاقة لي بها ولم ألِ من أموركم شيئًا.

كذلك استدعى أسيد بن حضير وسأله، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيِّر بعدك يرضى للرضا ويسخط للسخط، ولن يلي هذا الأمر أحدٌ بعدك أقوى عليه منك، يعني: يا صديق. كذلك استشار غير هؤلاء سعيد بن زيد وجماعة من المهاجرين والأنصار؛ فكلهم قال خيرًا وأثنى عليه.

د. كتاب الاستخلاف، ورد شبهة التعيين، وخطبة عمر:

استدعى الصديق عثمان بن عفان وهو من كُتَّاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه  وسلم، وأملى عليه هذا الكتاب الذي يولي فيه الصديق الفاروق عمر.

نص الكتاب باختصار شديد:

“بسم الله الرحمن  الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها؛ حيث يؤمن الكافر، ويؤمن الفاجر، ويصدق الكاذب؛ إني استخلفت عليكم بعدي عمر؛ فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل؛ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدَّل؛ فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون} [الشعراء: 227]”.

بعد كتابة هذا النص خرج الصديق، وأشرف على الناس وكانت زوجته أسماء بن عميس ممسكة به؛ لأنه كان مريضًا وكان في آخر أيام حياته رضي الله  عنه فقال للناس: “أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما آلوت من جهد ولا وليت ذا قرابة، وإني قد وليت عليكم عمر فاسمعوا له وأطيعوا”؛ فقالوا: سمعنا وأطعنا.

بهذه الصورة تم الإعلام، وأخبر المسلمون بما يحاول أن يفعله الصديق رضي الله  عنه.

ولكن هنا حدث موقف يستحق التسجيل ألا وهو: اعتراض أحد الحاضرين؛ حيث وقف أحد الحاضرين لأبي بكر وقال له: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا، وقد ترى الغلظة التي فيه والشدة التي فيه؟! فقال الصديق: أجلسوني، ووجه كلامه لهذا الرجل: أبالله تخوفني؟! أبالله تخوفني؟! خاب من تزود من أمركم بظلم؛ أقول -يعني: يقول لربه الصديق: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك. ثم قال لهذا الرجل: أبلغ عني ما قلت لك لمن هم وراءك. ثم اضطجع، وأمر الكتاب فختم؛ وأمر عثمان أن يخرج به مختومًا ليقرأه على الناس ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن حضير.

فخرج عثمان ومن معه وقال للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. ورضوا جميعًا وبايعوه.

وهنا لا بد لنا من موقفة نحلل فيها هذا الموقف؛ لأن هناك من يقول: إن هذا الأمر كان فيه نوع من التعيين والتوريث؛ فهل يعتبر أبو بكر جانب مبدأ الاختيار -يعني: لم يهتم بفكرة الاختيار بالنسبة للخلافة؟ نقول: طبعًا كلا، لم يحدث؛ لأن الصديق أخذ رأي أولي الأمر أهل الحل والعقد، وشاورهم، وكتب برأيهم الكتاب ليقرأ على الناس المجتمعين في المسجد، وتم اختياره لعمر بعد أخذ الرأي والدراسة؛ كذلك لما له من الصلاحية؛ كما يلاحظ أنه طلب ممن شاورهم إبداء الرأي فيه بصراحة، ولا ينسى أن هناك من اعترض ورفض، وقام الصديق بإقناعه خير إقناع.

ومن ثم نستطيع أن نقول: أين التعيين فيما حدث؟! ليس هناك أي شبهة في موضوع التعيين.

وعلى أية حال؛ فبعد أن بويع عمر صعد المنبر وخطب خطبة قصيرة، بين فيها منهجه في الحكم والإدارة؛ فقال -بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه-: “إنما مثل العرب كمثل جملٍ آنف تبع قائده؛ فلينظر قائده أين يقوده؛ وأما أنا فورب الكعبة لأحملنكم على الطريق”.

ومن المعروف أن الجمل الآنف هو الجمل الذلول الذي يأنف من الضرب؛ فهو يحب أن يطيع قائده؛ لأنه يأنف من الضرب؛ ولذلك عرف عن العرب أن الطاعة لأولي الأمر، من هذه النقطة كان على القائد أن يتحمل مسئوليته وأن يقود الأمة إلى بر الأمان، وأن يلزمها بما يرضي الله سبحانه وتعالى ويرضي رسول الله صلى الله عليه  وسلم ويطبق شرع الله ونهجه فيهم، وهكذا قال عمر: لأحملنكم على الطريق. أي: على الطريق السليم، والطريق الصحيح والطريق الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ويرضي رسوله صلى الله عليه  وسلم.

هـ. وفاة أبي بكر الصديق رضي الله  عنه:

يقال: إنَّ السبب الرئيسي في مرض الصديق كان حمى أصابته بعد أن اغتسل وكان يومًا باردًا؛ فحمَّ خمسة عشر يومًا لسبع خلون من جماد الآخرة، كان هذا عام ثلاثة عشر هجرية، ومكث محمومًا لا يخرج إلى الصلاة خمسة عشر يومًا، وكان في تلك الفترة يأمر عمر ليصلي بالناس، وكان المرض يثقل عليه يومًا بعد يوم، وهنا نجد أن عثمان رضي الله  عنه كان ألزمهم للصديق في مرضه هذا الذي توفِّي فيه؛ حيث توفِّي مساء ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة عام ثلاثة عشر هجرية.

كانت مدة خلافة الصديق سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليالٍ عن ثلاث وستين سنة، ويقال: أن السيدة عائشة رضي الله  عنها قالت -عندما حضرت الصديق والدها وهو يُتَوفى، تمثلت بقول القائل-:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى

*إذا حشجرت يومًا وضاق بها الصدرُ

فقال لها الصديق -في آخر أيام حياته ويوجه للأمور التي ترضي الله: ليس هكذا نقول نحن؛ ولكن نقول: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد} [ق: 19].

أوصى الصديق رضي الله  عنه أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه  وسلم فحفر له بجانب الرسول صلى الله عليه  وسلم، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه  وسلم وألصقوا لحده بلحد النبي صلى الله عليه  وسلم.

صلى عليه الفاروق عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله صلى الله عليه  وسلم ودفن ليلًا.

كان آخر ما تكلم به: رب {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين} [يوسف: 101]، وتذكر الروايات: أنه في آخر حياته كانت له قولة قالها لعائشة وهو يحتضر: “يا بنية، إنَّا ولينا أمر المسلمين؛ فلم نأخذ لنا درهمًا ولا دينارًا، ولكنا أكلنا من قريش طعامًا في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وأنه لم يبقَ عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير؛ فإذا مت فابعثي بهم إلى عمر”.

وبالفعل، بعثت بهم إلى الفاروق؛ فعندما رآهم عمر قال عن الصديق: “لقد أتعبت من بعدك”. نظرًا لهذه الأمانة والشدة التي أخذ بها نفسه، ويقال: إن بعض الصحابة كانوا موجودين، فقالوا للفاروق: أتأخذ هذه الأشياء من بيت أبي بكر؟! فقال: نعم.

قالوا: كيف، اتركْها لأهله؟! قال: لا والله، يتخلص منها أبو بكر وأتحملها أنا؟!

لا والله. ورفض تمامًا أن يتحملها، وهكذا كانت مشاعرهم وتصرفاتهم فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويرضي رسوله صلى الله عليه  وسلم ليس في هذه الأمور أدنى شيء من المجاملة وأدنى شيء من الأمور، التي تغضب الله سبحانه وتعالى أو لا ترضيه.

error: النص محمي !!